أفكار وآراء

جرينسبان.. توقعات متشائمة حول النمو

17 ديسمبر 2016
17 ديسمبر 2016

روبرت سامويلسون - واشنطن بوست -

ترجمة قاسم مكي -

ألان جرينسبان، الرئيس الأسبق لبنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي- البنك المركزي - انضم مؤخرا إلى الجدل الدائر حول إحدى القضايا الضاغطة التي ستواجه إدارة ترامب القادمة والولايات المتحدة. إنها بطء النمو الاقتصادي. لقد قدم جرينسبان تفسيرا جديدا لهذا البطء ومن المؤكد تقريبا أن يكون إشكاليا. فهو يعزو التباطؤ الاقتصادي إلى دولة الرفاهية وإلى الحالة العامة التي تتسم بالالتباس أو عدم اليقين. لماذا ننصت إلى جرينسبان؟ أليس هو، فوق كل شيء، ذلك الشخص الذي جلب لنا الأزمة المالية في عامي 2008-2009 . حسنا ليس هو المسؤول عن ذلك. نعم، لقد ارتكب جرينسبان أخطاء فادحة. ولكن آخرين عديدين فعلوا ذلك أيضا. ولو أن جرينسبان كان موسيقارا محترفا (وليس رئيسا للبنك المركزي الأمريكي) لكانت الأزمة المالية ستحدث أيضا. لكن على الرغم من تلك الأزمة، يظل جرينسبان مفكرا اقتصاديا أصيلا إلى حد بعيد. كتب سيباستيان مالابي وهو كاتب السيرة الذاتية الناقدة ولكن المنصفة لجرينسبان أن الرجل « لم يكن يشق له غبار كمراقب ومحلل ومتكهن بقادمات الأمور.» فجرينسبان «يفهم التفاعلات التي تحدث بين الأسواق المالية والاقتصاد الحقيقي بطريقة أفضل من معظم معاصريه.» إن النمو الاقتصادي عظيم الأهمية. فالنمو الأسرع يرفع من دخول الناس. كما أنه في ذات الوقت يزيد من الإيرادات الضريبية للحكومة. ولسوء الحظ لقد اخفق النموُّ في الوفاء بالتوقعات، كما هو معلوم جيدا. فمنذ عام 2010 تراوح معدله في المتوسط عند حوالي 2% سنويا. وهذه نسبة أقل بقدر ملحوظ من متوسط النمو السنوي منذ الحرب العالمية الثانية الذي بلغ 3%. كما أنها تساوي نصف نسبة الـ 4% التي يستهدفها دونالد ترامب. ويعكس التباطؤ الاقتصادي، في جزء منه، تقاعدَ جيل مواليد السنوات التي أعقبت الحرب العالمية الثانية (البيبي بومرز). فقوة العمل لا تتقلص ولكنها تتوسع ببطء أكثر، قياسا بالسنوات السابقة. ولموازنة هذا التباطؤ، نحن بحاجة إلى إنتاجية أعلى (كفاءة أكبر ومنتجات أكثر قيمة) لزيادة الإنتاج. ولكن بدلا من ذلك انهار نمو الإنتاجية. إذ وفقا لبيانات مكتب إحصاءات العمل كان متوسط المكاسب السنوية للإنتاجية لأربع فترات منذ عام 1950 كالتالي: 2.6% للفترة من 1950 إلى 1970 و1.5% من 1970 إلى 1990 و1.9% من 1990 إلى 2010 و0.4% من 2010 إلى 2015. وكما ترون، فإن مكاسب الإنتاجية اختفت تقريبا منذ عام 2010. إن الدخول تتضاعف عند هذا المعدل (0.4%) في كل 180 عاما. ولكنها ستتضاعف كل 36 عاما إذا زادت الإنتاجية السنوية في المتوسط بنسبة 2%. ويتجادل الاقتصاديون بشدة حول السبب في هذا الاضمحلال الذي شهدته الإنتاجية. يرى روبرت جوردون من جامعة نورثويسترن أننا خلَّفنا الاختراقات التقنية الكبرى وراءنا. وأشار آخرون إلى الإفراط في الإجراءات التنظيمية الحكومية وإلى الأثر المتخلف عن الانكماش العظيم (ازدياد حذر الشركات والمستهلكين) أو سوء القياس (بمعنى التقليل من القيمة الحقيقية للإنترنت.) يعتقد جرينسبان أنه بمراجعته للإحصاءات الاقتصادية اكتشف علاقات خفية توضح النمو الضعيف للإنتاجية. فقد ذكر مؤخرا في معهد أميركان إنتربرايز المحافظ أن ما يحدث هو أن الإنفاق على الاستحقاقات (الضمان الاجتماعي برنامج الرعاية الصحية وطوابع الطعام وما شابه ذلك) يزاحم إجمالي الادخار القومي . فمنذ عام 1965، انخفض الادخار من 25% من حجم الاقتصاد (الناتج المحلي الإجمالي) إلى حوالى 18%. وفي الأثناء ارتفعت تكاليف الاستحقاقات من 5% إلى 15% من الناتج الإجمالي. هذه «الاستحقاقات» هي ما يسميه آخرون «دولة الرفاهية.» فنحن إذا ادخرنا أقل غالبا ما سنستثمر أقل، بحسب ما يذهب إليه هذا الرأي. لماذا؟ لأن الادخارات المحلية هي أكبر مصدر لأموال الإنفاق الرأسمالي لمؤسسات الأعمال. فالاستثمار الأقل إذن يقلل من نمو الإنتاجية لان الاستثمارات الجديدة عادة ما تجسد التقنيات الأكثر كفاءة. تلك هي أطروحة جرينسبان في إيجاز. فهي تتلخص في أن الاستحقاقات ( دولة الرفاه) تسحب الأموال من الاستثمارات التي تعزز الإنتاجية. يقينا هنالك محاذير بشأن هذا الطرح. يُقِرُّ جرينسبان بأن الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة يعوض عن بعض التدني في الادخارات الأمريكية. ولكنه يعتقد أن ذلك يتضاءل. ويرى أن ما يقلل أيضا من الادخارات هو فقدان الثقة في المستقبل. ويعزو هذا التشاؤم إلى الإجراءات الحكومية المكلفة (قانون دود فرانك الذي يعنى بالضوابط المالية) وإلى عوامل كبيرة مجهولة (مثل احترار كوكب الأرض). إذن هنالك عاملان «توأمان» ضاغطان يقيدان الاستثمار الجديد أحدهما معدلات الفائدة المرتفعة التي يتسبب فيها الاقتراض من أجل دفع الاستحقاقات وثانيهما الشركات الحذرة التي « تكشف عن ضعف لافت في اهتمامها بالاستثمار في الأجل الطويل.»

فهي تستثمر في البرمجيات الجديدة ولكن ليس في مشروعات تدوم لفترة طويلة مثل المصانع والمستشفيات والفنادق. ينوه جرينسبان إلى أن نظريته تواجه تحديا سياسيا وفكريا. فلا يوجد أحد يرغب في خفض الاستحقاقات، ويشمل ذلك فيما يبدو الرئيس المنتخب ترامب. بجانب ذلك، يقول إن طول فترة أسعار الفائدة المنخفضة يجعل من الصعب بالنسبة لمعظم الناس الاعتقاد بحدوث مزاحمة للاستثمار. ولا نعلم حتى الآن ما يعتقده الاقتصاديون الآخرون . بيد أن هنالك سؤال واضح هو هل العلاقات التي يتحدث عنها جرينسبان علاقات ارتباط وتلازم أم علاقات سبب ونتيجة ؟ ولكن هنالك على الأقل بعض الأخبار الجيدة. فالقوى التي تحرِّك الإنتاجية قوة معقدة أو مركبة وليست بسيطة (ليس فقط الاستثمار بل أيضا مهارات المدير والعامل والبحث والتطوير والأسواق التنافسية والكثير). إنها معقدة بحيث أن الاقتصاديين يخفقون بانتظام في التنبؤ بالانعطافات الكبرى سواء إلى أعلى أو أسفل.

ومن الممكن أن تكون المفاجأة التالية ارتقاء في الإنتاجية. وإذا لم يحدث ذلك فالعواقب ستكون مدعاة إلى القلق. وكما قال جرينسبان فإن «ما نتعامل معه... مشكلةٌ ضخمة. وحسبما أرى فإنها تكاد تكون عقبة لا يمكن تخطيها.» من الصعب ألا نوافقه على ذلك.