أفكار وآراء

تـوازن أسعـار الاتصـالات الإلكتــرونية

17 ديسمبر 2016
17 ديسمبر 2016

د. خلف هاجم التل -

خبير التعليم التقني -

قبل أيام استوقفني مجموعة من الشباب موجهين لي الاستفسار عن الدعوة لارتفاع تعريفة خدمات الاتصالات التي تقدمها شركات الاتصالات العاملة في السلطنة، هذا الحدث ساقني إلى التفكير في اتجاهين. أولهما الطريقة الحضارية الهادئة التي نهجها الشباب للحصول على المعرفة، وهي طريقة ليست غريبة على المجتمع العماني، فمنذ قدومي إلى السلطنة قبل 20 سنة لاحظت الطريقة الراقية التي يتفاعل بها العمانيون مع حياتهم اليومية ومع الأحداث التي تمر بهم على تنوعها. فمثلا لم يسبق لي أن شاهدت مشاجرة بين الناس، ونادرا ما اسمع منبه سيارة لما فيه من إزعاج للفرد والعامة، ولا مناداة بصوت مرتفع. وتمر الأحداث بانسيابية وهدوء دون هدر للإمكانات والقدرات وخير دليل سير عمليات انتخابات مجلس الشورى حيث يشطح الناس في مجتمعات أخرى إلى أبعد من حدود الفوضى. ويتعامل العمانيون مع أي حدث بهدوء ورصانة وعقلانية، فالذي يراقب حادث سير مثل يلاحظ أن طرفيه يصافحون بعضهم مهنئين بالسلامة تاركين الأمر للقانون ليأخذ مجراه.

ولكي لا اخرج عن هدفي الرئيس، وهو دعم التوجه لإعادة النظر في تسعير الاتصالات لتسهيل توفير هذه الخدمات ذات الأهمية الاقتصادية والاجتماعية في تنشيط الفعاليات الاقتصادية والثقافية بما في ذلك المعرفة التي أصبحت مُيسرة إلكترونيا من خلال الإنترنت الذي يعد السلعة الرئيسية لشركات الاتصالات.

لا شك أن التكلفة العالية لخدمات الاتصالات تقع على المستهلك العادي الذي يسعى للحصول على المعرفة بالوسائل الإلكترونية تصيبه بالإحباط وتثنيه عن استخدام هذه الوسائل، وبالتالي سيقتصر استخدام تلك الوسائل على الإفراد القادرين اقتصاديا، ذلك يفضي بدوره إلى انحسار انتشار المعرفة واستخدامها في المجتمع مما يؤثر سلبا على النمو الاقتصادي والحضاري، إذ يدرك الجميع إن المعرفة هي الركيزة الأساسية لبناء الإنسان ومجتمعه واقتصاد البلد التي يعيش فيها.

إضافة إلى ذلك فان صعوبة التعامل مع الوسائل الإلكترونية في نقل المعلومة تقود إلى الانحسار الفكري وعدم انتشاره في المجتمع، هذا الفكر الذي يعطي للمجتمعات مزاياها وسلوكياتها ورؤاها المستقبلية، ويرسخ عاداتها وقيمها وانتمائها. فانحسار انتشار الفكر تترتب عليها تبعات سلبية يعرفها الجميع.

وربما يعتبر انحسار انتشار الفكر نوعا من مصادرة الفكر والتي وجه جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه - بالابتعاد عنها، وهي رؤية ثاقبة من جلالته لما للأمر من أهمية بالغة في عملية البناء المستمرة التي تؤديها حكومة جلالته.

لا شك في أن الاهتمام ببناء الإنسان العماني وتطويره وتوسيع مداركه وتطلعاته عملية واضحة للعيان، فالمعنيون بالعملية يسارعون في توفير كافة الظروف المكانية والزمانية لتزويد الإنسان العماني بالمعرفة وإطلاعه على كافة مكونات التكنولوجيا في عصرنا، والبرامج التي تطرحها الجهات المعنية تعتبر معالم واضحة للعيان.

ويلاحظ المقيم على ارض السلطنة مقدار التطور الذي أنجز على سبل العيش والحياة الكريمة. فقد نجحت البرامج العمانية في تحويل كثير من مستلزمات الحياة ليتم التعامل بها من خلال الوسائل الإلكترونية وهي تسعى إلى الوصول إلى الحكومة الإلكترونية التي تعتبر معلما حضاريا لا يقبل النقاش والتشاور.

إن توسيع الخدمات الإلكترونية تفضي إلى إيجاد مجتمع إلكتروني مكونه الأساسي هو الفرد المزود بالمعرفة للاستخدامات الإلكترونية، وتعتبر شبكات الاتصالات هي الوسيلة الأكثر فاعلية لإيجاد هذا المجتمع والتأثير فيه.

بطبيعة الأمر من حق شركات الاتصالات أن تفكر بالعوائد المادية لبقائها واستمرارها بتقديم خدماتها على أكمل وجه تحقيقا لأهدافها التي تقع على كاهلها خدمة للمجتمع العماني ولاستدامة تنمية الاقتصاد الوطني. ولكن من الضروري أن يكون هناك توازن بين خدمة المجتمع من جهة وبين حق الشركة العمانية للاتصالات في استمرار وجودها وتطورها . فالتوازن بين الخدمات العامة والمنافع يعزز مكانة شركات الاتصالات في خدمة المجتمع العماني تحقيق حق أفراده على كافة مستوياتهم الاجتماعية والمادية والعمرية.

ولا بد إن هذه الشركات تتفهم أن دورها لا يقتصر على الاستخدامات الفردية للهواتف النقالة والأرضية بل يتعدى ذلك إلى المساكن المدارس ومؤسسات التعليم العالي والمؤسسات الصحية وكافة مؤسسات القطاع العام لتقديم الخدمات وشركات القطاع الخاص للتجارة والأعمال .

إن الانسجام بين الهدف الاقتصادي (الربحي) وبين شمول وتيسير خدمات الاتصالات وتحقيق التوازن بين الهدفين أمر ضروري يعود على الشركة وطالي خدماتها بالفائدة وينعكس بلا شك على تطور المجتمع والاقتصاد العماني .

ولا بد من التذكير بأن استخدام وسائل الاتصالات الإلكترونية بأنواعها يجب أن ينسجم مع قيم المجتمع العماني بالاستخدام الإيجابي للوسائل الإلكترونية والابتعاد عن الاستخدامات التي تخالف القانون ، لما لذلك من أهمية في تحقيق الأهداف النبيلة لشركات الاتصالات لمواصلة تقديم خدماتها بشكل ميسر وبتكلفة مرضية لمستهلك وللشركات على حد سواء.