أفكار وآراء

في ذكرى تقسيم فلسطين التاسعة والستين

17 ديسمبر 2016
17 ديسمبر 2016

السفير د. عبدالله الأشعل -

يوافق يوم 29 نوفمبر من كل عام ذكرى تقسيم فلسطين بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 في ذلك اليوم من عام 1947. وفي ذكرى تقسيم فلسطين من كل عام يزداد المشروع الصهيوني توحشا وتنكمش فلسطين ومحيطها العربي لصالح هذا المشروع. الهدف من الحديث عن هذه الذكرى له شقان الشق الأهم هو أن تظل هذه الذكرى حية في أذهان الأجيال الجديدة لأن إغفال الحديث عن نقطة البداية في هذه المأساة يطمس هذا التاريخ من ذاكرة الأجيال الجديدة.

أما الشق الثاني فهو تقديم كشف حساب إجمالي للثمار المرة التي سماها أحد الفلسطينيين بالحصاد المر خاصة وأن إسرائيل والعالم العربي لم يعد بهما حاجة إلى الحديث عن هذا القرار ولكنني أقترح التغلب على تآكل الذاكرة العربية التي تراهن عليها إسرائيل وذلك بتقديم التفاصيل الكاملة عما حدث ذلك اليوم وصورة العالم العربي بعد عامين من انتهاء الحرب العالمية الثانية وتقييم الموقف العربي حينذاك من القرار وكذلك السبب في إغفال الباحثين العرب لهذا الموضوع رغم أن المؤرخين الجدد في إسرائيل ينقبون صفحات التاريخ ويستظهرون هذا القرار بتفسير جديد.

في هذه العجالة لا نستطيع أن نقدم تفاصيل لكل هذه العناوين وإنما نعد بإصدار دراسات مفصلة تكون دليلا للأجيال الجديدة بمختلف اللغات فلعلنا لا نزال نذكر أن الرهان على الذاكرة العربية هو أحد أهم استثمارات إسرائيل في صراعها مع العرب حتى يمكنها تزييف التاريخ وتغيير الحقائق تحت ما يسمى بثقافة السلام أي تقديم سرديات لأحداث المنطقة من منظور إسرائيلي وفرض هذه الروايات على المؤرخين في العالم العربي.

ولذلك يكفي أن نسجل عددا قليلا من الملاحظات حتى لا تتحول الذكرى إلى ملف المرثيات العربية الطويلة والتي يراد منها بث اليأس عند الأجيال الجديدة لكي يكون الزمن كفيلا بطي هذه الصفحة والتمكين الكامل للمشروع الصهيوني.

الملاحظة الأولى: أن التراجع العربي والفلسطيني مترابطان فيجب أن نحدد أيهما أدى إلى الآخر ولكن المقطوع به أن المشروع الصهيوني قد عمد إلى ضرب الإطار الفلسطيني والعربي في وقت واحد وبذلك لا يجوز أن نتوقف عند مقولات المتنطعين في المنطقة هل ننتظر قيام العالم العربي أم نبدأ بالساحة الفلسطينية ومن في العالم العربي من لم يصل إليه الفيروس الصهيوني.

الملاحظة الثانية هي أن إسرائيل ظفرت بفكرة التقسيم حتى تفسر القرار كما حدث بالفعل. فالعرب فسروا القرار تفسيرا صحيحاً على أنه تمكين لمهاجرين أجانب بدأوا ضيوفاً ثم اقتسموا الدار مع صاحبها بنية طرده منها بعد ذلك بأوهام وأساطير وخرافات لا يصدقها الأطفال ولكنها تمر على المواطن العربي دون أن تمر على عقله . وعندما قال موشي ديان وزير الدفاع الإسرائيلي في حرب 1967 في مذكراته الصادرة عام 1981 بأن العرب لا يقرأون وإذا قرأوا لا يفهمون وإذا فهموا لا يعملون هذه المقولة هي التي تكرسها إسرائيل في برنامج طمس الذاكرة العربية. هذه المقولة صحيحة تماما بالنسبة لمعظم الحكام العرب وأصبحت صحيحة بالنسبة للشعوب العربية ولذلك يجب أن نبدأ من الآن في تقديم المعلومات الصحيحة لتعزيز قدرة الشعوب العربية على الحكم والإفلات من هذه المصيدة الملعونة.

الملاحظة الثالثة: هي أن إسرائيل فسرت قرار التقسيم يومها وتعقيبا على صدوره بأنه أول اعتراف من جانب المجتمع الدولي بحق اليهود في فلسطين من الناحية التاريخية وهذا المعنى لم يكن واردا مطلقا في أذهان الدول التي أيدت القرار وحتى الدول التي قدمت مشروع القرار لأن فكرة الحق التاريخي ليس معترفا بها في المعاملات الدولية السياسية والقانونية ولكن إسرائيل وهي تفسر هذا القرار كانت عازمة على أن يكون القرار مجرد مقدمة ولذلك لم تلتزم به وحدث تناقض بين منطوق القرار وبين فكرة الحق التاريخي. لأن هذه الفكرة تعني أن إسرائيل تسترد فلسطين من الفلسطينيين وهذا يتناقض مع قرار التقسيم الذي أتاح للمهاجرين اليهود لاعتبارات إنسانية أن يكون لهم مقر في فلسطين رغم أن الفلسطينيين والعرب ليسوا مسؤولين عن محنة اليهود في ألمانيا النازية. ولذلك كان طبيعيا ألا تتوقف إسرائيل طويلاً أمام القرار وإنما تجاوزته لكى تحقق متطلبات المشروع الصهيوني الذي لا علاقة له بأسطورة الحق التاريخي. وقد حصلت إسرائيل بتوسعها العسكري خارج قرار التقسيم على نحو نصف ما خصصه القرار لها إضافة إلى ما حصلت عليه أي أنه يوم الرابع من يونيو عام 1967 كانت إسرائيل قد أقامت الدولة على 54% من فلسطين عام 1948 واستولت على 78% من فلسطين بعد عشرين عاماً.

الملاحظة الرابعة: هناك مسافة واسعة بين الحقائق القانونية والواقع ويرى البعض أن الوضع يتجاوز هذه الحقائق خاصة وأن هذا الواقع يؤدي في النهاية إلى ابتلاع إسرائيل لكل فلسطين. ولذلك يجب أن ننتهز هذه الذكرى لكى نطالب الدول العربية بأن تحتوي مقرراتها الدراسية على تفاصيل قرار التقسيم من حيث من الذي قدم مشروع القرار وأساس الفكرة والمعركة الدبلوماسية في الجمعية العامة للأمم المتحدة حتى صدر القرار بصعوبة بالغة وأن يتم دراسة هذا القرار ليس بصفته جزءا من التاريخ ولكن لبيان الفرق بين عدم ولاية الجمعية العامة في إصدار القرار وتأسيس شرعية قانونية تتناقض تماماً مع الشرعية الطبيعية التي انتهكها هذا القرار.

كما يجب إسقاط الصيغة الحالية التي يستخدمها العرب وهي إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو لأن إسرائيل تريد كل فلسطين ولا تريد سلاماً حقيقياً وأنها تلتهم الأرض كل يوم بالاستيطان فيجب على العرب أن يعيدوا النظر جذرياً بهذه المناسبة في قرار التقسيم إما برفضه كليا وإما بأن تعود إسرائيل إليه بعد أن تجاوزته ووظفته وترفض الاعتراف به رغم أنه شهادة ميلادها التي صدرت قبل أن تولد إسرائيل على خلاف شهادات الميلاد التي تظهر بعد ظهور المولود مما يقطع بأن قرار التقسيم كان من متطلبات المؤامرة على فلسطين.

الملاحظة الخامسة: هي أن الجدل حول السلطة الفلسطينية وأوسلو يفتقر إلى إدراك الفرق بين الواقع والحقيقة، فالواقع المتردي لا يجب أن يصبح حقيقة وإنما يجب أن تفرض الحقائق نفسها على هذا الواقع وهذا يتطلب من الدول العربية أن تسمو فوق مصالحها الضيقة .

والخلاصة، انه يجب ألا تمر هذه الذكرى دون أن نتخذ موقفاً وألا ننساق مع زخم التدهور وعلى الأقل إذا كان هذا الجيل قد هزمته وقائع الصراع فيجب ألا ينقل الهزيمة إلى الأجيال القادمة التي يجب أن تعرف التفاصيل وأن يخصص يوم 29 نوفمبر لكي نشرح للتلاميذ في جميع المراحل التعليمية ماذا حدث في هذا اليوم لأن قيام إسرائيل هو مرحلة لاحقة وترجمة عملية لهذا القرار فلماذا لا تكون ذكرى النكبة هي هذا القرار وليس قيام إسرائيل؟!.

ونلفت نظر العالم إلى أن إسرائيل التي استخدمت قرار التقسيم في مخططها لا تحترم الأمم المتحدة التي كانت أما غير شرعية لها.