أفكار وآراء

مارين لوبان ومستقبل أوروبا

16 ديسمبر 2016
16 ديسمبر 2016

جيديون راكمان - ترجمة قاسم مكي -

الفاينانشال تايمز -

في مثل هذا الوقت من العام المنصرم كنت قد كتبت أن رؤيا مفزعة للعام 2017 تراودني (وأن شخوصها هم) الرئيس ترامب والرئيسة لوبان والرئيس بوتين. لذلك سيكون السؤال التالي بعد انتصار ترامب في الولايات المتحدة هو : هل يمكن حقا (لزعيمة اليمين المتطرف في فرنسا) مارين لوبان أن تسيطر على الرئاسة الفرنسية؟ يبدو من الراجح، بعد الانتخابات الأولية ليمين الوسط التي جرت مؤخرا، أن لوبان ستخوض جولة ثانية في مايو القادم إما ضد فرانسوا فيون أو ألان جوبيه. وينتمي هذان المرشحان، للمؤسسة السياسية الرسمية على غرار هيلاري كلنتون. ويشكلان كلاهما خصمين مثاليين لمارين لوبان. إن النتائج التي تترتب عن فوز اليمين المتشدد في فرنسا ستكون بالغة الأثر على السياسة الأوروبية والدولية على السواء. فرئاسة لوبان لفرنسا يمكن جدا أن تقود إلى انهيار الاتحاد الأوروبي. فهي تريد سحب فرنسا من العملة الأوروبية الموحدة وإجراء استفتاء حول عضوية فرنسا في الاتحاد الأوروبي. وحتى إذا لطَّفَت لوبان من موقفها عند توليها الرئاسة فمن الصعب أن نرى كيف يمكن للمستشارة أنجيلا ميركل العمل إلى جانب فرنسا تحت ظل حكومة «قومية واستبدادية.» ومع انطلاق ألمانيا وفرنسا في مسارين مختلفين اختلافا جذريا سيعود العداء الفرانكو- ألماني (القديم) إلى قلب السياسة الأوروبية. كما أن النتائج الدولية لانتصار لوبان ستكون شديدة الوطأة. فإذا حدث ذلك الانتصار سيتشكل أربعة من بين خمسة أعضاء في مجلس الأمن من حكومات إما غير ديموقراطية (روسيا والصين) أو ديموقراطية ولكن يقودها زعماء قوميون يمينيون (الولايات المتحدة وفرنسا.) وفي مثل هذه الظروف يمكن أن يتهاوى النظام القانوني الدولي. بالطبع حتى بعد استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد وبعد فوز ترامب ليس من المحتم أن تفوز لوبان في فرنسا. كما أن استطلاعات الرأي العام، مهما قللنا من قيمتها، لاتزال تشير إلى أنها في الغالب ستخسر خسرانا مبينا في الجولة الثانية للانتخابات. وعلى الرغم من أن لوبان استقبلت بترحاب رئاسةَ ترامب وأنها تحظى بدعم مستشاري ترامب من اليمين البديل إلا أن هنالك اختلافات هامة بين ظاهرتي ترامب ولوبان. (اليمين البديل أو أولترايت بالإنجليزية هو، بحسب تعريف معجم أكسفورد ، جماعة آيديولوجية تعتنق آراء موغلة في محافظتها ورجعيتها وتنفرد برفض الاتجاه السياسي السائد وباستخدام وسائل الإعلام الرقمي لنشر محتوى تتعمد أن يكون إشكاليا - المترجم.) فالجبهة الوطنية الفرنسية، على خلاف ترامب، موجودة منذ عقود. وقدراتها وخصائصها معلومة جيدا للناخبين. كما أن ذكريات فرنسا المريرة عن نظام فيشي في أعوام الأربعينات قد تعني أيضا أنها أقوى حصانة من سياسة اليمين المتطرف قياسا بالولايات المتحدة. (نظام فيشي يعني الحكومة الفرنسية التي ظلت تحكم فرنسا تحت الاحتلال النازي من بلدة فيشي ولكنها كانت فعليا وكيلة أو عميلة لألمانيا النازية وقد سقطت بعد تحرير أراضي فرنسا في عام 1944- المترجم.) ولكن على هذه الخلفية، ثمة احتمال في أن يشعر الناخبون الفرنسيون أن فوز ترامب يسمح لهم الآن بالتصويت لليمين المتطرف وهم الذين ربما كانوا قد خشوا في السابق من جعل رئاسة لوبان لبلدهم منبوذا عالميا. من الواضح أن الشروط الموضوعية للتحول نحو القومية الاستبدادية أقوى في فرنسا منها في الولايات المتحدة. ففرنسا تعرضت لهجمات إرهابية وحشية من المتطرفين الإسلاميين. وتوجد مجموعات سكانية كبيرة وغير مندمجة من المسلمين في معظم المدن الكبرى. كما أن نسبة انعدام التوظيف وسط عموم السكان تزيد عن 10%. والأهم من ذلك أن المؤسسة السياسية تتعرض لانتقادات . فمعدل الرضا عن أداء الرئيس فرانسوا أولاند تدنى إلى مستوى مدهش بلغ 4%. ولا يوجد أفضل لصالح لوبان من البيئة السياسة والاجتماعية والاقتصادية والدولية الحالية. في الأعوام الأخيرة مالت لوبان لإبعاد نفسها عن أبيها جان ماري الذي يثير وضوح آرائه العنصرية الحرج. إن لغة لوبان هذه الأيام أقل التهابا وأقل صدقا حقا من لغة ترامب. ولكن زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي كانت لها لحظات تطرفها كذلك. فهي مثلا قارنت أداء المسلمين للصلاة في شوارع فرنسا بالاحتلال النازي لها. وعلى الجانب الآخر من القنال الإنجليزي هنالك البعض في الحكومة البريطانية ممن سيرحب في هدوء باحتمال فوز اليمين المتطرف في فرنسا. ففي حين أن الحكومة الفرنسية الحالية تقود المطالبين بأن تدفع بريطانيا ثمنا باهظا لخروجها من الاتحاد الأوروبي إلا أن لوبان عبرت عن سرورها بالقرار البريطاني. وقد يحل فوزها مشكلة خروج بريطانيا بالنظر إلى أنه قد لن يكون هنالك اتحاد (أصلا) كي تخرج منه بريطانيا. لقد رحب وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون «بالفرصة» التي يمثلها انتخاب ترامب المناصر لسياسة خروج بريطانيا من الاتحاد وربما أنه يتشمم «فرصا» شبيهة في صعود لوبان. ومن المؤكد أن العقول الأكثر اتزانا في لندن تدرك أن صعود اليمين المتطرف الفرنسي لا يمكن أن يكون خبرا سعيدا لبريطانيا. فانتصار الجبهة الوطنية في فرنسا سيعني أن قوى القومية المستبدة ستزدهر في أرجاء أوروبا من موسكو إلى وارسو وبودابست وباريس. وتحت حكم ترامب، لن يعود من الممكن الاعتماد على الولايات المتحدة كقوة استقرار لِصَدِّ التطرف السياسي في أوروبا. بدلا عن ذلك فإن العديدين في أوروبا يتطلعون الآن إلى ميركل التي أعلنت مؤخرا أنها ستترشح لفترة رابعة كمستشارة لألمانيا في العام القادم كي تكون «مرساة» استقرار أوروبا. ولكن التحديات التي تواجه ميركل مجهدة حقا. فهي تواجه عداء روسيا في الشرق وحرائق الشرق الأوسط في الجنوب كما أن ترامب لم يخف انتقاده لسياسات ميركل. وداخل الاتحاد الأوروبي سمَّمَت أزمة اليورو علاقات ألمانيا ببلدان جنوب أوروبا في حين أن علاقاتها مع أوروبا الشرقية ساءت بسبب أزمة اللاجئين. وفي الأثناء صوتت بريطانيا لترك الكتلة الأوروبية. ويمكن أن يشكل انتخاب لوبان في فرنسا الضربة القاصمة لرؤية أوروبا التي تمثلها ميركل والتي بَنَتها أجيالٌ من القادة الأوروبيين منذ أعوام الخمسينات.