860883
860883
مرايا

المستهلكون يتساءلون: أسواق للذهب أم للسمك!

15 ديسمبر 2016
15 ديسمبر 2016

ارتفاع كبير في أسعار الثروة السمكية -

كتب - ‏‏‏‏‏إبراهيم الجساسي -

تعتبر السلطنة من أكثر الدول الخليجية والعربية ريادة في القطاع السمكي، وهو أحد ركائز التنمية الاقتصادية بالسلطنة، وعلى الرغم من حيوية هذا القطاع وكثرة المعروض في الأسواق المحلية إلا أن القيمة الشرائية للأسماك تصل إلى أسعار خيالية ومبالغ فيها حتى أطلق عليها أسواق الذهب!

وتتميز أسواق الأسماك في ولايات السلطنة بحركة شرائية كبيرة، وهي همزة وصل لالتقاء الصيادين والمستهلكين، إلا أن الفترة الراهنة بسبب الطلب المتزايد وقلة المعروض تشهد أسعار الأسماك ارتفاعا تصاعديا.

فيا ترى ما التحديات التي تواجه الثروة السمكية في السلطنة؟ وما سبب ارتفاع أسعار الأسماك مقارنة بالثروة السمكية التي تمتاز بها السلطنة؟ ما آلية التصدير المتبعة؟ من المسؤول عن متابعة أسعار الأسماك؟ ما الحلول المقترحة لارتفاع الأسعار؟

وعن أسباب ارتفاع أسعار الأسماك يرى سعيد راشد العريمي ( مستهلك): عندما كانت الأسماك في الفترة الماضية موجودة بكثرة في الأسواق كان التجار يصدرونها إلى الدول المجاورة، واستمر هذا الوضع حتى تناقصت الأسماك في الأسواق المحلية؛ مما أدى إلى ارتفاع أسعار الأسماك بشكل مبالغ فيه، وبادرت وزارة الزراعة والثروة السمكية بإصدار قوانين تنص على منع تصدير معظم الأسماك وتخصيص الأسماك في الأسواق لأهالي المنطقة الذين لهم الأولوية فيها.

ويلاحظ عمر الصوافي (مستهلك) أن التجار يقومون بالاتفاق مع بعضهم على سعر معين لإجبار المستهلك على شراء المعروض، ويضيف: هناك بعض التجار للأسف يقومون ببيع أسماك مبردة على أنها أسماك طازجة ويبيعونها بنفس سعر الأسماك الطازجة.

ويقول محمد القرني (طالب من قسم العلوم البحرية) حول تباين أسعار الأسماك في السلطنة: لو نظرنا إلى إحصائيات الصيد سنجد أن محافظة الوسطى لها أعلى كمية صيد مقارنة بمحافظة الباطنة، ولكن سنصطدم بأن قيمة الأسماك بمحافظة الباطنة أعلى من محافظة الوسطى، وذلك يدل على أن السعر المرتفع المفروض على المواطن بالإضافة إلى قرب الحدود بالباطنة أدى إلى زيادة قيمة السمك بشكل كبير، ومع استمرار الوضع واستقراره منذ الفترة الماضية يزيد سعر السمك بزيادة جشع التجار.

وفي لقاء مع سعيد السعدي (طالب في قسم العلوم البحرية والسمكية) الذي حدثنا عن غلاء أسعار الأسماك قائلا: المنافسة بين الصيادين والجهد الشاق الذي يقومون به يؤدي إلى رفع قيمة المعروض، وكذلك الثقافة العامة للمستهلك العماني بشكل خاص وتركيزه على أنواع معينة من الأسماك، وهي التي من ضمنها الأسماك الموسمية التي لا تتوفر بالشكل الوافر الذي يستوعبها طلب المستهلك مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، وأيضا عدد الصيادين الفعليين المتفرغين والقائمين بجهد الصيد قليل مقارنة بالقوائم الرسمية المسجلة بأعداد الصيادين، فعددهم لا يغطي طلب السوق من الأسماك، وأغلب السمك المصطاد يباع، إلى جانب ظهور أسواق حديثة مثل (هايبر ماركت ومطاعم ومقاهي شوي الأسماك) كمنافس على طلب الأسماك مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار.

التحديات

هناك تحديات كثيرة تواجه القطاع السمكي في السلطنة على مستوى التسويق والقيمة الشرائية، وحول هذه التحديات يقول يحيى الحديدي مدير دائرة تنظيم الأسواق السمكية بوزارة الزراعة والثروة السمكية: هناك تحديات تعيق الصيادين للوصول إلى أعالي البحار، من بينها عدم جاهزية قواربهم، فيلجأ معظم الصيادين للصيد الساحلي الذي وصل لمرحلة الاستهلاك العالي، وكذلك غلاء القوارب وأدوات الصيد وسعر البنزين، وتساهم الظروف الجوية التي تمر بها السلطنة في مواسم الصيف، وهي التي تحول عن خروج الصيادين إلى البحر.

وأشار د.حسين المسروري من قسم العلوم البحرية في كلية العلوم الزراعية والبحرية بجامعة السلطان قابوس: التحديات كثيرة وعالمية تواجه الثروات السمكية في مختلف دول العالم، كالاستنزاف الذي يسببه الصيد الجائر والتلوث والتخريب البيئي والتغيرات المناخية وغيرها، ومن التحديات الحالية التي تواجهها السلطنة هي الضغط الزائد على المصايد الساحلية وعدم استغلال الثروات الموجودة في المياه المفتوحة داخل المنطقة الاقتصادية الخالصة، وهناك أيضا تحديات التصدير وضعف الأسواق الداخلية لضعف منظومة التسويق وعدم وجود صناعات سمكية.

ويعزو عبدالحليم البوسعيدي (طالب في قسم العلوم البحرية) التحديات التي تواجه الصيادين لارتفاع أسعار وسائل النقل وارتفاع أجور العاملين في هذا المجال وكذلك تصدير الأسماك إلى الخارج من داخل السلطنة.

حمد الوهيبي (صياد) امتهن مهنة الصيد منذ التسعينات يشير إلى أن بعض التجار يستغلون دخلهم المادي في توظيف عدد كبير من العمالة الوافدة للخروج إلى البحر على مدار الساعة، مما يسبب احتكارا وارتفاعا في أسعار الأسماك.

متابعة الأسعار

من الضروري وجود مسؤولين في متابعة أي ثروة من ثروات البلد؛ لذلك حاورنا من الهيئة العامة لحماية المستهلك أ.خلفان المبسلي فأوضح: هيئة حماية المستهلك ليس لها علاقة بأسعار الأسماك الطازجة مطلقا، لأنها تتبع وزارة الزراعة والثروة الحيوانية، إنما دور الهيئة في مراقبة الأسماك المثلجة فقط المستوردة والمعلبة، وقد تلقيت الهيئة شكاوى وطلبات حول ارتفاع أسعار الأسماك المجمدة، والآن ندرس مدى جدوى هذه الطلبات.

وقال ناصر النعيمي رئيس قسم إدارة وتنظيم التسويق السمكي: إن الوزارة كلفت مراقبين لمتابعة أسعار الأسماك بشكل يومي، حيث يوجد ربط بيننا وبين المراقبين في مختلف أسواق السلطنة.

آلية التصدير

أظهر مسح الأسماك الذي أجرته دائرة الإحصاءات العامة أن إجمالي إنتاج السلطنة من الأسماك لعام 2015 م بلغ حوالي 257 ألف طن مرتفعا عن عام 2013 م بنسبة 21%، وبقيمة إجمالية بلغت حوالي 172 مليون ريال، وشكلت صادرات الأسماك العمانية لعام 2015م ما نسبته 51% من إجمالي الإنتاج، حيث تم تصدير حوالي 132 ألف طن.

وبشأن آلية التصدير يذكر يحيى الحديدي أن الوزارة عملت على تحديد آلية معينة لتصدير الأسماك، فهناك حظر تام على أسماك معينة مثل الكنعد والسهوة والسنسول، وحظر بنسب معينة لسمك الكوفر، وأسماك تحظر مؤقتا ثم تدخل في النسبة مثل الشعري.

وأضاف ناصر النعيمي رئيس قسم إدارة وتنظيم التسويق السمكي أنه اعتمادا على قرار 243 الخاص بتنظيم صادرات الأسماك، عملت السلطنة على توقيف عملية تصدير أنواع الأسماك المطلوبة في الأسواق المحلية، وسمحت السلطنة للشركات الحاصلة على ضبط الجودة المختصة بتصدير الأسماك عن طريق أسواق الجملة بتصدير الأسماك المصنعة (المعلبة) وأنواع أخرى مثل الجيذر والحمام.

الحلول

ويذكر يحيى الحديدي بعض الحلول التي ستتبعها الوزارة للحد من غلاء الأسعار، وهي عمل آلية لمشروع الاستزراع السمكي في عديد من محافظات السلطنة، وكذلك عمل مشروع مزارع الأسماك النهارية، والشروع في إنشاء مزارع الإنتاج البحري في محافظة الوسطى، إضافة إلى مشروع خاص لاستزراع نوعيات جيدة من الأسماك مثل الصفيلح والأسماك الزعنفية، فكل هذه المشاريع من شأنها أن تزيد من العرض والإنتاج وبالتالي تحد من مشكلة غلاء الأسعار.

ويضيف ناصر النعيمي أن قرار تنظيم الصادرات والمداومة على متابعة الأسعار بشكل يومي والعمل على تقليل الكميات المصدرة للخارج بهدف الزيادة من حجم المعروض في الأسواق وتشديد الرقابة على تجار الأسماك في المناطق الحدودية من شأنها أن تحفظ الأسعار.

بينما يذكر أ. سالم قطن مدير سوق الجملة المركزي للأسماك: السلطنة بلد منتج ومصدر للأسماك، وسلسة التسويق السمكي، ولسنوات طويلة كانت تعاني من غياب أسواق للجملة تنظم العملية التسويقية. وتكمن أهمية أسواق الجملة في تجميع العرض المتوفر من الأسماك من مختلف مواقع الإنزال في أسواق محددة، وبالتالي إتاحة الفرصة لجميع تجار الجملة والتجزئة للحصول على احتياجاتهم من الأسماك. وسوق الجملة بولاية بركاء يقع في موقع استراتيجي قريب من المحافظات ذات الكثافة السكانية العالية التي تتميز بوجود طلب مرتفع على الأسماك، بالإضافة إلى أن السوق قريب من الطرق الرئيسية للتصدير وبالتالي يوفر خدمة لناقلي الأسماك (أفراد/‏‏‏‏‏‏‏شركات) الموردين للأسماك من مواقع الإنزال لعرض منتجاتهم في موقع محدد بدلا من الانتقال بين مختلف أسواق التجزئة بالولايات التي قد لا تستوعب كميات كبيرة من الأسماك. كما يسمح السوق لتجار الجملة والتجزئة بالأسواق السمكية لشراء احتياجاتهم اليومية من الأسماك وإعادة توزيعها بالأسواق بمختلف المحافظات، بدلا من البحث عنها على طول سواحل السلطنة، وبالتالي يحد من المخاطر والجهد الذي قد يتكبده التجار للبحث عن الأسماك.

تطوير قطاع الصيد

ويشير د.حسين المسروري عن الحلول الواجب اتباعها من أجل الحد من هذه المشكلة فيقول: يجب أن نعي أولا أن ارتفاع الأسعار هي ظاهرة عالمية بشكل عام وتشمل المنتجات السمكية وغيرها، وأحد أهم أسباب ارتفاع الأسعار هو قلة المعروض مقارنة بالطلب المرتفع وضعف السوق وعملية التسويق، وعليه فالمطلوب تطوير قطاع الصيد التقليدي ليستطيع استغلال الموارد السمكية في كل المنطقة الاقتصادية الخالصة، مما سيساهم أيضا في التقليل من الضغط على الموارد الساحلية، وتطوير منظومة التسويق والتصنيع وإدارة التصدير لتقوية السوق المحلي لينافس الأسواق الخارجية، وهذا من شأنه الاكتفاء من الأسماك وضبط الأسعار.

ويقول محمد القرني: إن الحلول الواجب اتباعها للحد من هذه المشكلة تكمن في الإدارة السليمة والمستدامة للقطاع السمكي والمتمثلة نقطة بارزة وهي زيادة القوة الشرائية (الطلب) داخل السلطنة والمجتمع فهو الركيزة الأساسية لذلك، فكلما زاد اهتمام المجتمع بالقطاع السمكي زاد بذلك مساهمة هذا القطاع في الدخل القومي.

لذا يجب تقديم دعم وتمويل بأسس واقعية لإنشاء مصانع الأسماك في أنحاء السلطنة تعمل تحت مظلة وسياسة واحدة، ومن الضروري متابعة احتياجاتها ومشاكلها، ويجب علينا أيضا أن نفتح باب الاستثمارات الإقليمية والدولية بالقطاع السمكي مع تقديم التسهيلات والدعم المناسب بشروط معينة مثل نسبة الربح، مع ضرورة وجود تعمين خاص لحملة البكالوريوس أوفي مناصب قيادية وإدارية بحيث يوزع التعمين بشكل قادر على أن يحل محل المستثمر عند انتهاء عقده بالسلطنة.

بالإضافة إلى الحلول السابقة فقد يكون إعطاء تصريح لمصنع معين قادر على استيعاب كمية هائلة من أسماك الوطن أفضل من إعطاء التصاريح لكل تاجر على حدة، بحيث يعمل مبدئيا على الشراء بسعر دول الخليج، ومن بعدها سيعمل على تحديد السعر لأن الجانب الاقتصادي للدولة ودول الجوار سيتغير كثيرا من هذه الخطوة، وأن تكون للمصنع منافذ بيع في الدول الأخرى مثل الخليج وشرق آسيا ليتم إرسال الفائض إليها.