أفكار وآراء

الاستقرار والأمن .. أفضل استثمار لدعم الحركة السياحية

14 ديسمبر 2016
14 ديسمبر 2016

علاء الدين يوسف -

تستطيع سلطنة عمان في سعيها الدؤوب لتكريس مكانتها على خريطة السياحة العالمية والإقليمية أن تعول كثيرًا على حقائق سياسية وأمنية في المقام الأول تتمثل في هذه الحالة الفريدة من الاستقرار والأمن والأمان والسلام المجتمعي الذي تنعم به وجعلها بالفعل واحة للسلام وسط محيط مضطرب، ولا شك في أن هذه المقومات هي أفضل استثمار يمكن تهيئته والاستفادة به في دعم الحركة السياحية إلى جانب عوامل أخرى ترتبط بجوهر السياحة ذاته كالخدمات والبنى الأساسية، وما أكثرها في ربوع السلطنة .

فالسياحة تماما مثل الاستثمار أو رأس المال، جميعها لديها حساسية شديدة تجاه مسألة الأمن والاستقرار السياسي والمجتمعي، فالسائح الباحث عن المعرفة وراحة البال وصفاء النفس يدفع أموالاً كي يتحقق له ذلك وبالتالي فمن حقه أن يبحث عن الأماكن والمقاصد الآمنة، بل تلك هي المعادلة التي تتحقق على أرضيتها تنمية الحركة السياحية وتحقق مزيدًا من الانتعاش والازدهار، كالمستثمر الذي لن يضخ أمواله في دولة أو مشروع بحث عن الربح إلا بعدما يتأكد من الظروف الأمنية التي ستحقق له ذلك، وليس أدل على ذلك من الحقائق المرتبطة بتلك الظاهرة في الشهور الماضية، فقد انتعشت السياحة في بعض الدول على حساب تدهورها في غيرها بسبب أوضاعها الداخلية المضطربة، بعدما شهدت كثير من البلدان العربية والأوروبية في الآونة الأخيرة أحداثًا سياسيةً وأمنية تركت آثارًا واضحةً على اقتصاديات تلك الدول، ولعبت الاضطرابات السياسية والمخاوف من الهجمات الإرهابية دورًا كبيرًا في تأجيل تدفق الرحلات السياحية إلى كل من تركيا ومصر، في حين شهدت إسبانيا وإيطاليا وبعض المدن الألمانية تزايدًا ملحوظًا في معدلات السياحة، وتجنّب كثير من السياح الذهاب إلى أماكن السياحة المفضلة لديهم منذ سنوات؛ حيث زار تركيا مثلا فقط في يونيو الماضي قبل محاولة الانقلاب الفاشلة 2.4 مليون سائح من خارج البلاد، أي أقل بنسبة 41 من نسبة عدد السياح في الشهر نفسه من العام الماضي.

في حين ازدهر قطاع السياحة ازدهارًا ملحوظًا في دول أوروبية حيث شهدت إسبانيا طفرة حقيقية في عدد السياح الذين زاروا البلاد هذا العام إذ تعد جزر الكناري أماكن نموذجية للسياحة في فصل الشتاء، فقد سجلت ارتفاعًا ملحوظًا في النصف الأول من هذا العام يقدر بنحو13 بالمائة، كما ارتفعت نسبة الحجوزات في داخل إسبانيا إلى 11 بالمائة؛ إضافةً إلى ذلك سجلت كل من جزيرة مايوركا وجزر أخرى من منطقة البليار ارتفاعا وصل إلى أربعة بالمائة .

فيما تعد إيطاليا من ضمن البلدان التي حققت أرقاما قياسية في معدلات السياحة الصيف الماضي لتزايد الطلب من بعض البلدان. بالإضافة إلى ذلك كانت اليونان والبرتغال وبلغاريا أيضا من ضمن البلدان التي سجلت ارتفاعا في معدلات السياحة وحققت اليونان رقما قياسيا يصل إلى 27 مليون سائح من خارج البلاد. فيما حقّقت بلغاريا هي الأخرى بحسب وزارة السياحة البلغارية رقما يعد الأكبر منذ عشرة أعوام، فقد أتى من ألمانيا وحدها في شهر يونيو أكثر من 62 بالمائة من عدد السياح الذين أتوا في الشهر نفسه من العام الماضي. أما البرتغال فقد زاد عدد حجوزات الألمان الباحثين عن دفء حرارة الشمس على شواطئها في نهاية شهر يونيو بنسبة 17 بالمائة عن معدلات الشهر نفسه من العام الماضي. وفي السياق ذاته شهدت السياحة داخل ألمانيا انتعاشا واضحا، حيث ارتفعت حجوزات الفنادق من داخل وخارج البلاد في النصف الأول من هذا العام بمعدل 3 بالمائة.  أما عن الدول التي تعثر فيها قطّاع السياحة نتيجة ما شهدته من اضطرابات سياسية، واعتداءات إرهابية؛ فقد أحدثت الهجمات التي ضربت كبرى المدن التركية مثل إسطنبول وأنقرة تأثيرات بالغةً أدت إلى تدهور معدلات السياحة هناك؛ الأمر الذي جعل معهد المالية العالمية يحذر من أن الخسائر الناجمة عن تراجع السياحة في تركيا ستؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي في عامي 2016- 2017. وجدير بالذكر، أن قطّاع السياحة يعد من أهم القطاعات التي يستند إليها الاقتصاد التركي، فهو إلى جانب تشغيله ما يقارب ثمانية بالمائة من الفئات العاملة، فإن خسائره هذا العام قد تكلف الاقتصاد التركي أكثر من ثمانية مليارات دولار.

وبالنسبة للدول العربية، فقد تعرضت هي الأخرى إلى انتكاسات اقتصادية كبيرة على خلفية ما شهدته المنطقة من تغييرات سياسية ألقت بثقلها على واقع البلاد، وكان قطاع السياحة بالطبع في مقدمة القطاعات المتأثرة بهذه الاضطرابات؛ فقد تراجع عمل المنشآت السياحية بنسبة تراوحت بين 50 و70 بالمائة في كل من مصر وتونس، بينما توقف عمل هذه المنشآت كليا في كل من سوريا وليبيا واليمن وبالقطع العراق.    وقد شهدت تونس في مطلع هذا العام عددًا من الاعتداءات الإرهابية التي أثرت بدورها على واقع السياحة فيها،إذ بلغ عدد الفنادق التي تم إغلاقها 192 فندقا أي ما يمثل نسبة 33 بالمائة من عدد الفنادق المصنفة ضمن وزارة السياحة التونسية؛ وتعليقا على هذه التغيرات داخل قطاع السياحة في تونس، نشر الموقع الرسمي لوزارة السياحة في تونس تقريرًا ينقل فيه حديثا لوزيرة السياحة والصناعات التقليدية، تستعرض فيه حزمة الإجراءات التي اتخذتها الوزارة بخصوص تأمين الفنادق والمناطق السياحية من خطر الإرهاب، إضافةً إلى تحسين جودة الخدمات بهدف إنجاح الموسم السياحي الذي عانى من تراجع شديد نتيجة ما شهدته البلاد من أحداث إرهابية . أما سوق السياحة في مصر فقد شهد تدهورًا كبيرًا خصوصًا بعد حوادث سقوط الطائرة الروسية، وخطف الطائرة المصرية في أواخر شهر مارس الماضي؛ وفي حديث له مع وكالة رويترز كشف وزير الدولة لشؤون الآثار بمصر عن مدى الخسائر التي تعرض لها الاقتصاد المصري، حيث انخفضت إيرادات وزارته خلال أغسطس بنسبة قدرها 80% عن الإيرادات في الفترة نفسها من العام الماضي.

بالقطع، العرض السابق لكل هذه التفاصيل لم يكن الهدف من مجرد تقديم مجموعة من المعلومات المجردة ولكن للتأكيد على أهمية الاستقرار الأمني والسياسي والمجتمعي في تشكيل خريطة الحركة السياحية على الصعيد العالمي وأهمية الاستثمار في هذه المقومات التي قد تبدو من العوامل غير المنظورة في صناعة السياحة وتنميتها، ولكن الواقع أنها أعظم وأضخم وأهم استثمار لدعم الحركة السياحية خاصة الوافدة، وبدون أدنى شك فإنها تلعب دورًا حيويًا ومؤثرًا ليس في استقطاب الملايين من السياح الأجانب فحسب ولكن أيضا في استقطاب رؤوس أموال خارجية مباشرة للاستثمار في المجال السياحي ذاته وهو ما ينعكس بالتأكيد قيمة مضافة للقطاع ولاقتصاد الدولة بشكل عام، وقد أدركت السلطنة هذه الحقائق والعوامل مجتمعة فأصبح على رأس عوامل الجذب السياحي للدولة الاستقرار السياسي والمجتمعي الذي تتمتع به السلطنة وبعدها عن أي مغامرات خارجية غير محسوبة وقيامها بدور الوسيط النزيه في عديد من أزمات ومشاكل المنطقة، أضف إلى ذلك الطبيعة السمحة للشعب العماني والعمق الثقافي والتاريخي للبلاد وموقعها الجغرافي المتميز الذي يجعلها وجهة سياحية متميزة مرشحة لمزيد من النمو في هذا القطاع وحتى تحظى بما تستحقه على خريطة السياحة العالمية.

ولعل في استضافة السلطنة ممثلة بوزارة السياحة اجتماع المجلس الوزاري العربي للسياحة في دورته الـ19 في الثالث عشر من ديسمبر الجاري في قصر البستان، ولمدة ثلاثة أيام فرصة طيبة لتأكيد وضعية السياحة العمانية على الخريطة الإقليمية والدولية، حيث يحضر الاجتماع ممثلو جامعة الدول العربية ومنظمة السياحة العالمية والمنظمة العربية للسياحة وبمشاركة الأعضاء من الدول العربية وممثلين من المركز العربي للإعلام السياحي بالإضافة إلى عدد من المؤسسات الإعلامية المحلية والعربية والعالمية لمناقشة العديد من الموضوعات ذات الصلة بتعزيز العمل العربي المشترك في مجال السياحة؛ ومناقشة تقرير متابعة تطوير وتنفيذ الاستراتيجية العربية للسياحة، ومهام واختصاصات عمل اللجنة الفنية للسياحة العربية، وميثاق المحافظة على التراث العمراني في الدول العربية وتنميته وتحديد الكيانات المختصة لتنمية وتطوير العمل العربي المشترك في مجال السياحة ومناقشة معايير الجودة السياحية في مجالي الإعلام السياحي ووكالات السياحة والسفر ومناقشة تنظيم مسابقات الرياضات البحرية حرصًا على تشجيع السياحة البينية العربية من خلال التركيز على الأنماط السياحية التي يرغب بها الشباب الذين يشكلون نسبة عالية من السياح في الدول العربية إضافة إلى بحث مشروع حاضنات صاحبات الأعمال للمشاريع السياحية” والذي يهدف إلى تحفيز النشاط الاقتصادي والتنموي في الدول العربية من خلال تأسيس مشروعات جديدة قادرة على إتاحة فرص استثمارية للمشاريع النسائية في المجالات السياحية والتطرق إلى وضع السبل الكفيلة لضمان الاستثمارات السياحية في الدول العربية.. ولا شك في أن كل الموضوعات السابقة هي خطوط عريضة لدعم السياحة في المنطقة والسلطنة بالتأكيد.