أفكار وآراء

تنافسية معلوماتية

14 ديسمبر 2016
14 ديسمبر 2016

مصباح قطب -

كل الدول تقريبا لديها الآن خطط وبرامج لترشيد النفقات وخفض الاستهلاك العائلي أو ضبطه على الأقل، باستخدام أدوات مالية ونقدية مختلفة، بغية ضبط موازين التجارة الخارجية والمدفوعات والعجز في الموازنة، وتلح أجهزة الإعلام على الجميع لكى يتنازلوا قدر الإمكان عما اعتادوا شراءه من سلع وخدمات مستوردة واستعمال البدائل الوطنية، أو حتى الإقلاع تماما عن بعض العادات الاستهلاكية، حتى تمر الظروف الصعبة التي يجتازها الوطن -أي وطن- بسلام. لكن ليس هذا هو الموضوع الذي سأتطرق إليه اليوم بل اني أدعو إلى استهلاك مفرط للسلعة /‏‏ الخدمة التي سأتحدث عنها توا، انه الأساس لكل ما هو أساسي أو غير أساسي من حياتنا، والغريب أو المحزن أننا معشر العرب أهل الجود والكرم بخلاء في استهلاكها أو الجود بها إلى حد مزعج، هي سلعة السلع لا جدال، وفي مصر فإني اعتبر أنها هي الجيش الأول، قبل الجيشين الميدانين الثاني والثالث الذين يعرفهما الجميع، والمعروف أن الجيش الأول كان هو الجيش العربي السوري حيث تمت تلك التسميات في زمن الوحدة مع سوريا الشقيقة في عام ١٩٥٨، وبما أنه لا توجد وحدة اندماجية حاليا كتلك التي كانت فان الجيش الأول المصري والجيش الأول لكل بلد في زمننا المعاصر هو تلك السلعة. عن البيانات والمعلومات أتحدث إذن، ونطاق حديثي هو إنتاج وتداول البيانات واستهلاكها في بلدنا، ولن ادخل الآن في السجال الدوار حول ما يسمى بحروب الجيل الرابع أو ما يشبه ذلك من حديث فشأنها مختلف نسبيا عما نحن بصدده الآن، ويقودنا السياق إلى التعرض لحال أجهزة الإحصاء العربية التي هي عمود الخيمة في أي استراتيجية وطنية لإنتاج الإحصاءات والبيانات ونشرها، ولقد قطع العالم العربي شوطا طيبا في هذا المجال مدعوما من ريادة إقليمية لمصر في هذا المجال حيث تم عمل أول إحصاء سكاني بها العام ١٨٨٢ م ومدعومًا أيضًا من جهود وطنية في عدد كبير من الدول العربية وبصفة خاصة في العشر سنوات الأخيرة لتطوير بنية وعمل أجهزة الإحصاء وقد اصبح هناك أجهزة مشرفة من بينها ولا غرابة جهاز الإحصاء الفلسطيني، وَمِمَّا ساعد على تسريع وتيرة التطور في هذا المجال أن صناعة الإحصاءات هي صناعة تعمل بمعايير عالمية أطلقتها مؤسسات مثل: الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي والاتحادات الدولية والقارية والإقليمية لأجهزة الإحصاء، ولا يستطيع جهاز إحصاء الآن أن يغرد بعيدًا عن المعايير والقواعد الفنية والإدارية والأخلاقية الموضوعة لتسير عليها تلك الأجهزة وحتى يمكن قراءة أي بيان في أي بلد بلا صعوبات وحتى يمكن أيضا إجراء المقارنات بين الدول وبعضها البعض وداخل الدولة بين عام وآخر أو قطاع وآخر أو تعداد وآخر، والمعروف أن التعداد الشامل للسكان والمباني والمنشآت يتم عادة كل عشر سنوات مهما بلغ تطور الدولة من الناحية التكنولوجية، ومن المقطوع به أن معرفه تفاصيل عمليات إجراء التعداد الشامل من أول لحظة إلى آخر لحظة والموارد البشرية والمادية المستخدمة وكيفية إدارتها لإنجاز هذا العمل يصيب المرء بالذهول من تعقيدها وترابطها والضغوط الواقعة على القائمين عليها حتى يخرج عملهم بشكل لائق، بل أن ما أسميته لائقا هو الآخر أمر معياري فلا بد أن تكون البيانات شاملة ومستدامة وذات جودة عالية مع أتاحتها للمستخدمين بيسر وبشكل عادل. وأهم وأشهر البيانات التي تنتجها أجهزة الإحصاء الوطنية هي كما نعلم معدل التضخم وبحث الدخل والإنفاق والذي يشتق منه معدل الفقر، ومعدل البطالة، وهناك ملايين من التفاصيل التي تنشرها أجهزة الإحصاء مما يرد إليها من الوزارات والجهات الحكومية والتي تنطبق عيها المعايير الدولية التي تلتزم بها أجهزة الإحصاء ذاتها وتدرب الآخرين على الالتزام بها، والمعضلة في ذلك كله هي: وماذا بعد ؟ فواقع الأمر يشير إلى أن استهلاك البيانات لا يزال ضعيفًا في وطننا العربي كما قلت وألاحظ في مصر أن كثيرين من القادة الحكوميين أو قادة القطاع الخاص لا يعرفون ما هو موجود ومتاح من بيانات أو يعرفون بشكل جزئي وبعض من يعرف لا يستخدم ما يعرفه أو يستخدمه بطريقة غير سليمة وهكذا ولذلك أدعو وضع سلة من المعلومات والبيانات ذات الثقل والأهمية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وقياس معدلات استهلاك الجهات المختلفة لمكوناتها -على غرار سلة السلع والخدمات اللازمة لإنتاج معدل التضخم- وإعلان نتائج هذا المؤشر على الجمهور أو بالحد الأدنى مواجهة الجهات الأقل اعتمادًا على البيانات في قراراتها وخططها وإنفاقاتها وتصويب الخلل الموجود في معدة تلك الجهات والذي حال أوان استهلاكها للبيانات كما ينبغي، ويبقى أن نعيد التذكير بان شعار الأمم المتحدة هو: بيانات أفضل من أجل حياة أفضل. فهل نعي أبعاد هذا الشعار في حياتنا وبيوتنا وأجهزتنا الحكومية وإخلاصه ؟ أتمنى هذا وأشيد بصفة خاصة بالمرأة المصرية والعربية والتي هي المعلم الأول -وبالفطرة في كثير من الأحيان- في مجال توظيف بيانات دخل البيت وإنفاقه في تخطيط حياة أسرتها على أكفأ وجه، ومن دواعي السرور أن أقول إن الوجود النسوي في أجهزة الإحصاءات العربية قوى للغاية، ولعلها ليست صدفة أبدا كما أشرت.

[email protected]