867613
867613
المنوعات

أدونيـس: أنا ضـد الواحـدية والوظيفية.. ومـا زلت أرفض ثورة تقوم على الـدين

13 ديسمبر 2016
13 ديسمبر 2016

مداخلة للشاعرة سعدية مفرح حولت النقاش إلى جدل سياسي -

رعى معالي الدكتور يحيى بن محفوظ المنذري رئيس مجلس الدولة الأمسية الشعرية الثانية لمهرجان أثير للشعر العربي بمشاركة  مجموعة من الشعراء العمانيين والخليجيين والعرب، حيث قدم الشعراء: الدكتور محمد عبدالكريم الشحي من السلطنة، وعبدالله الصيخان من المملكة العربية السعودية، وميسون السويدان من الكويت، وجواد الحطاب من العراق، والشيماء العلوية من السلطنة مجموعة مختارة من نصوصهم الشعرية التي حلقت في سماوات مسقط.

جدل فكري

دار أمس جدل حواري شائك بين الشاعر السوري أدونيس والشاعرة الكويتية سعدية مفرح انطلق من مواقف أدونيس السياسية في المقام الأول. ورغم أن أدونيس كان في أصبوحة ثقافية بجريدة «عمان» يقدم شهادة حول مسيرته الشعرية ضمن مهرجان أثير للشعر العربي إلا أن سعدية رأت أن مواقف الشاعر السياسية لا تنفصل عن مسيرته الشعرية.

ورغم مداخلة سعدية التي قرأتها مكتوبة واعتبرها البعض قاسية جدا إلا أن أدونيس رفض مقاطعتها عندما ذكرّها البعض أنها خرجت عن مسار الجلسة وتحولت للسياسة وتجاوزت الوقت المسموح لها لطرح السؤال.

وبدأت سعدية مداخلتها بالقول «يعلّل أدونيس سبب رفضه مناصرة الشعب السوري في ثورته بأنها انطلقت من مسجد، ويرفض ذلك المنزع الديني الذي نزعت إليه، حسنا، يمكننا بسهولة تقبّل هذا التعليل في سياق علمانية أدونيس، لولا سابقته الشهيرة في تأييد الثورة الإيرانية التي انطلقت من «حوزة» يومها، لم يكتفِ أدونيس بتأييد ثورة يقودها «رجل دين» وبشعارات دينية وحسب، بل إنه بالغ كثيرا في تأييدها، إلى درجة جعلته يتخلى قليلا عن حداثته الشعرية، ويكتب قصيدة مديح تقليدية لتلك الثورة، قال فيها: «سأغنّي لـ(قم) لكي تتحوّل في صبواتي، نار عصف، تطوّف حول الخليج».

لكن أدونيس عاد وقال إنه وقف مع الثورة الخمينية باعتبارها ثورة شعبية ضد إمبراطور وإمبراطورية، وكان موقفه متشابها مع أغلب المثقفين العرب والغرب، مشيرا أن ميشيل فوكو كان أحد الذين استبشروا بالثورة الإسلامية في إيران. لكن أدونيس قال إنه عاد وحذرّ في ثلاثة مقالات كتبها عن الثورة الإيرانية من «الفقيه العسكري».

وقالت سعدية «في البداية، لم يتحمس أدونيس للثورة «تعني الثورة السورية هنا» ثم انتقدها بشدة لاحقا، ثم فضل النظام «الديكتاتوري» الحاكم عليها. وأخيرا، رفضها تماما، فقط لأنها لم تجد مكانا، أو ظرفا، تنطلق منه سوى الجامع، متناسيا قيمة الجامع ووظيفته في البلاد الإسلامية، وهي وظيفة تتعدى تقليديا الدور الديني، لتجعل منه بؤرة من بؤر الحياة المدنية».

وأضافت سعدية «قرأت تقريبا كل مقالات أدونيس في السنوات الأخيرة، وتابعت معظم لقاءاته الصحفية والتلفزيونية، وخصوصا التي تتناول الشأن السياسي والمجتمعي والفكري، ولكنني لم أعرف، حتى الآن، ماذا يريد أن يقول لنا بالضبط».

وكان رد الشاعر أدونيس الذي استمع لها حتى النهاية وأصر على الجميع أن يتركوها تكمل مداخلتها بالقول: «أنا آسف أن كلامها «يعني سعدية» قائم على الإشاعات، وهي نفسها لم تقرأ ما كتبته عن الثورة الإيرانية، ولو قرأت لما كتبت ولما قالت هذا القول». فردت سعدية «قرأته حرفيا» ليضيف أدونيس: «لا أريد أن أدخل في جدل عقيم. أنا كتبت عن الثورة الإيرانية ثلاثة مقالات وآمل أن تكوني قرأتها.. مقالي الأول هو تأييد للثورة الإيرانية بوصفها ثورة قام بها شعب ضد إمبراطور والإمبراطورية، وأنا مع الشعب أيا كانت إرادته. فأيدت هذه الثورة بوصفها حركة شعبية ومثالا فريدا للثورات في تاريخ العالم التي لم يقم بها العسكريون وحدهم ولم يقم بها الاقتصاديون وحدهم ولم يقم بها العمال وحدهم وإنما قام بها شعب بكامله في مختلف فئاته والأكثر من ذلك لم يستخدم فيها العنف. فكانت أنموذجا للثورة في تاريخ العالم ولم أكن وحدي من أيدّ هذه الثورة في ذلك الوقت بل كبار الكتاب والمفكرين الغربيين وعلى رأسهم ميشيل فوكو نفسه».  وأضاف أدونيس «يجب أن تكوني قرأتِ المقال الثاني وهو رفضي الكامل لأن تقوم الثورة الإيرانية على الدين.. وأن تقوم أي ثورة على الدين، الدين مسألة شخصية وأنا أحترم هذه المسألة الشخصية «...» وانتقدت كل الأفكار الدينية التي تنادي بإقامة مجتمع على الدين». وقال أدونيس «المقال الثالث عنوانه «الفقيه العسكري» وحذرت من ظهور شخصية اسمها الفقيه العسكري وجميع الكتاب والنقاد الذين ينتقدون موقفي من الثورة لم يقرأوا لا المقال الثاني ولا المقال الثالث».

كما رد أدونيس على الفكرة التي طرحتها سعدية حينما قالت إن أدونيس يرى، كما جاء في أحد حواراته، أن العالم العربي ينقرض وقال: حين أقول بالانقراض يجب أن يفهم القصد.. لا أقول إن العرب سينقرضون فردا فردا من العالم، أنا أتحدث عن الانقراض الحضاري.. اليوم لو اجتمع العالم حول مائدة مستديرة لكي يدرسوا مصير البشرية أو مستقبل الإنسان وماذا يمكن أن يقدم هؤلاء المؤتمرون على هذه الطاولة المستديرة وحضر الصيني والأمريكي وحضر الإسرائيلي وحضر العربي، ماذا لدينا كعرب أن نقدم على هذه الطاولة.. العالم أو الشعوب توجد بوجود قدراتها الإبداعية وبقدراتها الحضارية وليس بأشياء أخرى، العالم العربي اليوم كما تشاهدون هو في نظر العالم كله ثلاثة أشياء فقط: ثروة نفطية، وفضاء استراتيجي وبشر يمكن استخدامهم!! بهذا المعنى أقول نحن ننقرض.. بهذا المعنى الإبداعي وليس بمعنى أن البشر ينقرضون واحدا واحدا وأنا أتحداكِ أن تقولي لنا ماذا لدينا لنقوله للعالم اليوم. هل لنا ما يجعلنا نؤثر في مصير العالم إلا سلبيا، نحن يسرّنا للاستعمار عمله. لا تظني أن الغرب يحبنا بل هو يحتقرنا لأنه لا يرانا إلا مجرد أدوات، نحن يسرنا للاستعمار أن يخلق أسلوبا جديدا، لم يعد المستعمر بحاجة إلى أن يرسل جيوشا، صارت له جيوش وطنية داخل البلدان ذاتها وهو يرسل فقط خبراء للتدريب ويرسلهم باتفاق معنا».

وانتقدت سعدية قول أدونيس في مقابلة: «نحن غير جاهزين للديمقراطية»، متسائلة هل هو معنى غير جاهز، وكيف سنجهز، هل على يد النظام الديكتاتوري الذي سيعطي الشعب دروساً مجانية في تعلُّم الديمقراطية، أم على يد الغرب مثلاً؟ لا نعرف، فممثل الحداثة الرجعية، وفقاً لوصف عبد الله الغذامي، يسبح في فلكه الخاص، يقول ولا يسمع، ويوجّه ولا يناقش». وكان أدونيس قد بدأت شهادته الشعرية في المحاضرة من زاوية ثقافية.. متحدثا بشكل أساسي عن مسيرته في البحث عن تاريخه الخاص وسط تاريخ عام مرتبط في الأساس بمبدأ الوحدانية المرتبطة بالضرورة بالسلطة وبالعنف.

وقال أدونيس كنت من البداية أعتقد أنه «في البدء كانت الكثرة وليس الواحدية» ولذلك قررت أن أخرج من هذا الإطار الوحداني المغلق». وقال أدونيس «كل شيء في الواحدية وظيفي: الثقافة وظيفة والإنسان نفسه وظيفة وكل يقدرّ ببعده الاستعمالي أو بعده الاستخدامي» مشيرا «إذا كان الإنسان وظيفة نفسه فالمجتمع يتحول إلى آلة أكثر مما يكون مجتمعا بشريا قائما على التنوع والكثرة والاختلافات التي هي أساس بناء المجتمع». وكانت الجلسة الشعرية الأولى من مهرجان أثير الشعري قد بدأت مساء أمس.