أعمدة

نوافـذ .. أبيض وأسود

11 ديسمبر 2016
11 ديسمبر 2016

عبدالله بن سالم الشعيلي -

Twitter:@ashouily -

افتقدت المتفائلين في هذه الحياة، جل من التقي بهم هم من فئة الأسود التي ترى الدنيا برمتها سوداء كالحة وأن الحياة ليس فيها ما يدعو الى التفاؤل فكل ما يحيط بك هو ظلام دامس بدءا من اختفاء البسمة من ثغر الطفل وانتهاء بالحروب والمجازر التي ترتكب في أرجاء المعمورة وكل هذا كفيل بتحويل حياة من فكر في الفرح الى حزن وترح فالحياة ليس فيها سوى الأسود.

جالست وخالطت الكثيرين ممن ينتقدون كل شيء في الكون هم غير راضين عن وزنهم الزائد ولا عن وضعهم المالي وغير مقتنعين بزوجاتهم وأولادهم ويعانون مشاكل صحية يتذمرون منها كل يوم، لا تعجبهم خدمات الحكومة فهي دائما ناقصة وغير مكتملة وتعاني من بيروقراطية زائدة، يشتكون من الزحام اليومي الذي بات روتينا وجزءا من حياتهم الصباحية، لا يتلفظون بـ»شكرا وأحسنت» لأحد لأن لا أحد يستحق الشكر والتقدير سوى خالق الكون فقط، اعتادوا التذمر والشكوى بسبب وغير سبب هم متجهمون ومكتئبون في أحسن حالاتهم لا ترى لهم ابتسامة ولا تسمع لهم ضحكة وان تبسم فجأة أو ضحك عاد الى تجهمه فاستغفر الله راجيا أن لا يحدث مكروه لأحد بسبب ابتسامته.

هؤلاء الذين خلعوا ثوب البياض وتوشحوا بالسواد، تراهم يركزون على البقع السوداء من الحياة ويتركون النور، يعممون الأخطاء ويضخمونها ويحملونها أكثر مما تحتمل، يتفاعلون من الحدث السيئ ويشاركون فيه بفاعلية ويلزمون الصمت مع الإيجابية فلسانهم لا ينطق إلا بالمناقص ولا يتحدث إلا بالسلبية والنقد الحاد لكل شيء في الحياة.

هؤلاء الذين لا يرون من طيف الألوان إلا أسودها لا يؤثرون على أنفسهم فقط بل تمتد عدواهم لتصل الى من يعيش معهم أو يستمع اليهم فيمكن أن تسري عدواهم الى الآخرين فتجعلهم يصابون بأمراض نفسية وعصبية كما تقول بعض الدراسات العلمية التي أشارت الى أن المتشائم يعيش حياة أقصر من المتفائل الذي يصبح أكثر عرضة للإصابة بكثير من الأمراض المصاحبة لتشاؤمه، وفي دراسة طبية روسية أجريت على كثير من النساء أظهرت أن المرأة المتفائلة يقل احتمال إصابتها بمرض السكري وارتفاع ضغط الدم والكولسترول أو الكآبة على عكس نظيرتها التي قد تصاب بمعظم هذه الأمراض مما يؤدي إلى الوفاة.

ترى ما الذي جعل الألوان باستثناء الأسود وقليل من الأبيض تختفي من حياتنا ولماذا بتنا لا نلبس الحياة سوى الأسود ولا نرى الكون بألوانه الزاهية البراقة التي خلقها الله لنا ولا نستطيع أن نتبسم في وجه الحياة ولا أن نستمتع بها؛ هل لأن نمط الحياة اللاهث الذي نعيشه فرض علينا الكثير من هذه السوداوية أم أن الأوضاع السياسية والاقتصادية والحروب والمجاعات والوفيات والتشرد والتشرذم هي من قادتنا الى هذه النتيجة أم أن التنشئة التي تربينا عليها كما يقول علماء النفس لها دور كبير في جعلنا متفائلين أو متشائمين أم أن ذواتنا لم تتعلم كيف تصبح سعيدة متفائلة تتقبل أسوأ المحن وتحولها الى منح وتتعلم أن كل وضع مهما كان سيئا هو في ذاته إيجابية يمكن أن يستفاد منها كما تقول العرب « رب ضارة نافعة».

حتى وان كانت هذه الأسباب هي دوافع وعوامل تدعو الى السوداوية وعدم الفرح والسرور إلا أن الإنسان عليه أن يقنع نفسه بضرورة عدم تأطير كل ما يراه ويمر به في لونين فقط الأسود والأبيض بل عليه أن يرى ألوان الطيف الأخرى التي تحرره من هذين اللونين، وعندما يصل الى تلك المرحلة من الاقتناع بباقي ألوان الحياة فهو سيصل الى السعادة وتقبل كل الأمور التي تجري معه حتى أكثرها إيلاما سيكون بالنسبة له مجرد محطة وتذكرة في رحلة الحياة الطويلة.