أفكار وآراء

ثقافة الناخب .. «البلدي» نافذة لتعزيز المشاركة

11 ديسمبر 2016
11 ديسمبر 2016

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

تنجز المسيرة الشورية حتى اليوم أكثر من ربع قرن من الممارسة المباشرة على أرض الواقع، وهي ممارسة، كما هو معروف، رافقها تدرج بتوجيه حكيم من لدن المقام السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه - حتى وصلت اليوم الى هذه المرحلة، وهي مرحلة مهمة، ولها استحقاقاتها الكثيرة، ما أنجز يعد مفخرة بلا شك، وما لم يتم إنجازه فهو يسير وفق هذه السياسة «التدرجية» مراعاة لاعتبارات كثيرة، ربما ستفصح عنها الفترات القادمة من عمر مجلسي الدولة والشورى على وجه الخصوص، لكونهما يحملان راية التشريع في السلطنة، تأصيلا للممارسة، وتأكيدا للدور، وتعزيزا للمسيرة، ولذلك شكلت الـ (26) عاما الماضية من عمر هذه المسيرة الشورية ملمحا مهما؛ ليس فقط على مستوى السلطنة، وهي البلد التي تعيش هذا الحراك الفتري كل أربع سنوات، ولكن حتى للمراقب الآخر، الذي يرى في هذه المسيرة هذا الرسوخ والخصوصية والتقدم، وهذا الملمح هو توغل مفهوم الممارسة ذاتها في نفوس أبناء عمان، وانتقالها من شكل الممارسة الى الفهم والارتباط العضوي بها، وهو ما يعكسه الحرص الكبير من قبل المواطنين للمشاركة الواعية، والمساهمة الصادقة في تفعيلها، والحرص الأكيد على نجاحها، وهذا ما نعيشه للحالة التفاعلية في كل فترة انتخابية سواء لمجلس الشورى، أو المجلس البلدي- الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (116/‏‏2011)، والذي نص على ينشأ في كل محافظة مجلس بلدي - والذي يكمل الدور اليوم في ترسيخ هذه الممارسة الواعية بحجم استحقاقات الوطن العزيز على أبنائه، خاصة وانه أنهى فترته الأولى، وهو يقبل اليوم على اشراقة فترته الثانية. رافق هذه المسيرة في البدايات الأولى قدر من الفتور، ربما لحداثة التجربة، ولذلك بذلت الجهات المعنية، بما فيها الإعلام بمجالاته الثلاثة: المسموع، والمقروء، والمرئي، وطرحت الصورة في بداياتها الأولى الكثير من الأسئلة المباشرة، وغير المباشرة ، بعضها حول الجدوى ، ولكن مع مرور الوقت ارتقت هذه الصورة من طرح الأسئلة من قبل الناخب، الى المساهمة في توضيحها أكثر وأكثر؛ خاصة وأن كثير من الناخبين اليوم مروا بأنفسهم في عضوية الشورى، فأصبحوا داعين لها ومحفزين، هذا بخلاف ما يقومون به تحت قبة الشورى من ممارسة فاعلة يشهد بها الجميع، وقد ساعدت وسائل التواصل الاجتماعي اليوم في بث حقيقة الممارسة التي ينجزها أصحاب السعادة أعضاء مجلس الشورى تحت قبتهم، وهي تفاعلية تسجل مستوى واعيا من المسؤولية؛ والإحاطة؛ والإدراك لاستحقاقات التنمية المختلفة، وهذا حقا ما يعكس الفهم الواعي للأعضاء، وهذا ما يعكس الاختيار الواعي من قبل الناخب لكثير من هؤلاء الأعضاء، وهذا ما يعطي المسيرة ذاتها القوة، والتمكين، ويعزز فيها روح الاستمرار والتقدم، وهذه الصورة برمتها هي ما تعكس المستوى العميق الذي وصل إليه الناخب في اختياره لممثليه في مجلس الشورى، واليوم يأتي ذات الدور لاختياره لممثليه في المجلس البلدي، وهذا ما يبعث على الاطمئنان لدى المواطن، ومن أن الأمور تسير في سياقها الصحيح في هذا الجانب.

تأتي «ثقافة الناخب» كأحد أهم العوامل المحفزة للتجربة في مرحلتها الأولى؛ وللمسيرة في مراحلها المتقدمة، وبدون هذه الثقافة تظل هناك مسافة فارقة لا بد من عوامل محفزة لتجسيرها لتكتمل المسيرة، هنا في السلطنة هناك عوامل عديدة عززت هذه الثقافة، وربما أسرعت في ترسيخها، ولذلك جاءت فاعلة بصورة مريحة وسريعة، حيث عززتها الممارسة، ولعل أهم عاملين يمكن الوقوف عندهما هما:

أولا: مفهوم السبلة العمانية في الذاكرة الشعبية، حيث حملت هذه الصورة الذهنية في وجدان المواطن العماني الكثير من الدلالات، ولا تزال حتى اليوم، مع تقدم المجتمع وتطوره، ربما الأجيال الحديثة لم تشهد «مجموعة الصدامات» التي عاشها «مجتمع السبلة» قبل أن تأتي البدائل التي أثرت على فاعلية هذه المجتمع داخل محيط السبلة، ولكن الأجيال السابقة تدرك ما معنى السبلة، وما هي المناخات الاجتماعية التي أسستها السبلة، وأثر ذلك على كثير من أنشطة الناس وتفاعلاتهم المختلفة في كل ما يهمهم، ومفهوم «مجموعة الصدامات» ليس مقصودا لذاته، وإنما ما حفلت به من المناقشات والرأي والرأي الآخر، كل ذلك للوصول الى الرأي الأصوب، والقرار الحكيم المعبر عن رأي الجماعة، حيث لا استفراد بالرأي، ولا خصوصية لوجاهة، إلا ما تدلي به الحكمة والخبرة والتجربة في اتخاذ القرار السليم في كل ما يهم الجماعة في شموليتها، وليس مجتمع السبلة الا نواب للجماعة كلها. ثانيا: الممارسة المباشرة التي انتهجتها السياسية الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه - منذ بدايات النهضة المباركة في سبعينات القرن العشرين الماضي، وذلك من خلال الجولات السامية لجلالته التي جاب خلالها كل محافظات السلطنة وولاياتها، موجها ومرشدا، ومرسخا السمع للمواطن، سواء في السبلة المفتوحة التي يقيمها جلالته، أعزه الله، في المخيم السلطاني، أو من خلال تلمسه جلالته لحوائج المواطنين من زياراته التفقدية المباشرة في القرى، بصفته الشخصية؛ دون مواكب ولا رسميات، حيث أزاح هذا الحوار القائم بين الطرفين كلفة الحرج، ووصل الصوت والرأي الى المقام السامي ناصعا شفافا بلا مواربة، ولا تلميع، ومن هنا جاءت أوامره السامية وتوجيهاته مستقصدة مظان الخدمات ونواقصها في صورة اكبر من أي تعبير للعلاقة بين حاكم ومحكوم، وبالتالي فهذه الممارسة أرخت الركائز المهمة، وأشاعت الاطمئنان الأهم في الحوار الذي نعيشه اليوم تحت قبة مجلس الشورى، ويقينا سيكون بنفس التوهج والصدق والأمانة على طاولة الحوارات في مجالس البلدية الـ (11)، خاصة وأن هناك (30) اختصاصا سوف يجد عضو المجلس البلدي فيها المساحة المتسعة للحوار والنقاش والتعاطي مع مختلف الجهات المعنية لتحقيق مختلف هذه الخدمات العديدة، والتي بلا شك سوف تسهم في تقديم التسهيلات على المواطن والمقيم، على حد سواء، وتعطي برامج التنمية المختلفة نفس البقاء والاستمرار والتجديد، فالبنى الأساسية؛ كما هي معروفة، تحتاج الى المتابعة المستمرة، والتجديد المستمر، والتعزيز المستمر. يشكل هذان الأمران اليوم منطلقا مهما في تعزيز ثقافة الناخب، هذا حسب رأيي الشخصي، وتسربا الى وجدان الناس هكذا من غير توجيه، حيث استوعبت النفوس ذلك، وخاصة نفوس الذين عايشوا التجربة من بداياتها الأولى، ولكن هذه الثقافة تحتاج الى معززات جديدة اليوم، بل وفي كل مرحلة من مراحل تقدم المسيرة، فتعزيز المسيرة ذاتها تعتمد بالدرجة الأساس على ثقافة الناخب فهي المبتدأ والمآل لبقاء المسيرة الشورية وحيويتها وارتقائها وتقدمها، ومن هنا تأتي الأهمية بمكان أن تشرع الجهات المعنية الى الاشتغال الأكثر في هذا الاتجاه، ولا تكفي مجموعة البرامج الإعلامية، والمنشورات التي نراها في تعزيز القناعات في وجدان الناخب، فترسيخ القناعات تحتاج الى نتائج ملموسة تفرزها المسيرة من خلال الأعضاء، ومباركتها من قبل الجهات المعنية، فاجتماعات المجالس البلدية عليها مجموعة من علامات الاستفهام من حيث فاعليتها، وهذا ما يصرح به بعض أعضاء هذه المجالس، ويقينا أن هذه الشكوى الخجولة قد وصلت الى الجهات الراعية لهذه المجالس، وبالتالي فالخروج من مفهوم بهرجة الاجتماعات الى حقيقة العمل المنجز، ومدى قدرة الجهات المعنية على استيعاب اشتغالات ونتائج أعضاء المجالس هو الذي يعزز ثقافة الناخب، ويجعله يتجه الى صناديق الاقتراع بكامل حيويته، وسروره وفاعليته، وقناعاته، وإيمانه بأهمية الدور الذي تقوم به المجالس. صحيح أن هناك تدرجا في هذا الجانب، ولكن هناك وجهة نظر أخرى تقول: أن الـ (26) عاما من الممارسة المباشرة كافية لترسيخ ثقافة الاطمئنان لدى الناخب، وليس هناك ثمة فرق أبدا بين انتخابات مجلس الشورى، وانتخابات المجلس البلدي، فكلاهما يعملان لخدمة عمان وأبنائها مع اختلاف الاختصاصات، وبالتالي فبقدر الحياد وأمانة المسؤولية واستحضار الوطن العزيز في اختيار من يمثلنا في مجلس الشورى، يقتضي الواجب نفس الشعور في اختيارنا لممثلي المجالس البلدية، فالفهم الأكبر للاستحقاق الوطني يجب أن يكون اكثر حضورا عند عملية الممارسة الانتخابية سواء لأعضاء مجلس الشورى، أو لأعضاء المجلس البلدي سواء بسواء.