العرب والعالم

القضية الفلسطينية .....هل ينجح ترامب فيما أخفق به أوباما؟

10 ديسمبر 2016
10 ديسمبر 2016

القاهرة -عمان - إميل أمين -

هل يمكن أن تشهد القضية الفلسطينية آفاقا جديدة في عهد الرئيس الأمريكي المقبل دونالد ترامب بعد الإخفاق الكبير الذي أصابها طوال السنوات الثماني لإدارة باراك أوباما؟.

علامة استفهام ترتفع في واقع الحال مؤخرا، والجواب يقتضي عودة إلى النقطة الأخيرة التي وصل إليها الأمر بشأن مباحثات السلام بوساطة أمريكية.

قبل شهر من نهاية عهده كوزير لخارجية بلاده تخلى جون كيري عن دبلوماسيته المعهودة، وصارح الإسرائيليين بخيبة أمله من سلوكهم في موضوع الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني... «الأمور تسير في الاتجاه غير الصحيح»، متابعا:« ليس هناك وضع راهن أنا قلق على مستقبل إسرائيل، على الإسرائيليين أن يختاروا إذا كانت المستوطنات ستبقى أم ستقوم هناك دولتان مستقلتان»؟.

تعليقات الوزير كيري جاءت ضمن المنتدى السنوي للحوار الإسرائيلي - الأمريكي ، الذي يعقده منتدى «سابان» في العاصمة الأمريكية واشنطن، وقد أشار إلي أنه خلال ولايته كوزير لخارجية أمريكا في السنوات الأربع المنصرمة هاتف رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو نحو 350 مرة لمدة تزيد عن 130 ساعة، إضافة إلى محادثات هاتفية غير رسمية وعشرات اللقاءات وجها لوجه.. ما هي خلاصة رؤية كيري؟.

يبدو للناظر أن المحصلة هي صفر، ولذلك فإن زمن السلام الأوبامي، ان جاز التعبير بين الإسرائيليين والفلسطينيين قد ولى إلي غير رجعة، وعليه تتطلع الأنظار صوب القادم من نيويورك، دونالد ترامب، الرئيس الخامس والأربعين للبلاد.

غير أن السؤال: هل ترامب قادر أو طامح بالفعل لمثل هذه المهمة التى فشل فيها من قبله عدد من الرؤساء الأمريكيين بدءا من رونالد ريجان، مرورا ببوش الأب، فبيل كلينتون، ثم جورج بوش، وصولا لباراك أوباما؟.

في الأسبوع الأخير من شهر نوفمبر الماضي، التقى ترامب، أسرة تحرير صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية الشهيرة، وفي متن اللقاء أعلن ترامب أنه يطمح لأن يضحي الشخص الذي يتمكن من إبرام اتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين، وقال ان ذلك سيكون «انجازا عظيماً»، مشيرا إلى أن صهره «جاريد كوشنر» يمكن أن يلعب دورا كبيرا في تحقيق السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل.

في تصريحاته كان ترامب «مقدما» لا «محجما» فقد تابع القول : أناس كثيرون قالوا لي ان صنع السلام مستحيل لن تقدر على ذلك، قالوا ذلك بعمق، لكنني لا أوافق مع هذا.. انني مقتنع بأنني استطيع».

عدة أسئلة تواجه المحلل للشأن «الترامبي» وتقاطعاته وكذا تجاذباته مع مشكلة الشرق الأوسط الأساسية وفي المقدمة منها من هو صهر ترامب الذي يراهن عليه بمثل هذه الثقة؟ ثم وهذا هو الأهم كيف لترامب أن يكون رجل سلام المنطقة وهو الشخص الذي وعد حال نجاحه - وقد تم له ذلك - أن ينقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، الأمر الذي لم يقدر لأي رئيس أمريكي سابق القيام به حتى الساعة؟

واقع الحال أننا أمام تناقض جوهري بين تصريحات ترامب خلال حملته الرئاسية، وبين المنتظر منه غداة دخوله البيت الأبيض، فهل سيكون الأمر مجرد وعود انتخابية لا يقدر لاحقا على تنفيذها؟

ان كان ذلك كذلك فحتما يمكن للرجل أن يبدأ تحركات طبيعية في إطار البحث عن «السلام المفقود» في المنطقة، أما حال تنفيذه وعوده فالأمر عندها سيصبح أكثر هولا وخطورة، إذ أنه لن يقضي فقط على أحلام السلام بين الطرفين، بل أنه سيؤجج الصراع من جديد بين العرب جميعا وبين الإسرائيليين، بل أكثر من ذلك، أنه سيشعل نيران الفتنة الدوجمائية والعقائدية بين أكثر من مليار ونصف مليار مسلم حول العالم، وبين دولة إسرائيل وحكومتها وكافة تيارات العنصرية.

والثابت أن مسألة نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، يمكن أن تشكل رمزية كبيرة، وقد تساهم في تفجير وإشعال المنطقة، من ناحية سياسية، إذ أنها تعطي ضوءا أخضر لإسرائيل للاستمرار في الاسيتطان بالضفة الغربية والقدس المحتلة، وقد تحذو دول أخرى جذوها إذا ما قرر ترامب بشكل قاطع نقل السفارة. تمثل تصريحات ترامب كما قال أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية «صائب عريقات»، احتقارا للقانون الدولي وللسياسة الخارجية الأمريكية . ماذا عن صهر ترامب وحظوظه في الفترة القادمة بشأن عملية السلام؟.

«جاريد كوشنر» هو زوج «أيفانكا ترامب» وهو شاب أمريكي ثري من اليهود الأرثوذكس، ويحظى بثقة كبيرة من والد زوجته، الذي يعتبره من أقرب المستشارين إليه، وسبق أن وجهت انتقادات واسعة في وسائل الإعلام الأمريكي للنفوذ الكبير الذي يحظى به كوشنر داخل فريق ترامب، ودوره في اختيار المرشحين لاحتلال مناصب في الإدارة الجديدة.

يصف «دافيد هيرست» رئيس تحرير موقع «ميدل إيست» أون لاين» جارد بأنه شخص ذكي جدا، وعلى مستوى عال من الجودة ـ تلقى تعليمه في جامعة هارفارد الأمريكية الشهيرة ـ ولذلك فهو الشخص المثالي لهذه لمهمة، فهو يهودي أرثوذكسي، كان قد ساعد ترامب في صياغة خطابه الذي ألقاه في مؤتمر إيباك «لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية»، والتي قال فيها المرشح الرئاسي، ان على الفلسطينيين أن يتخلصوا من كراهيتهم لإسرائيل في نظامهم التعليمي، وأن يتوقفوا عن تسمية الأماكن العامة بأسماء الناس الذين هاجموا إسرائيل، ويومها أضاف ترامب أيضا أن على الولايات المتحدة الأمريكية أن تقف إلى جانب إسرائيل في رفض محددات ومعايير لصفقة السلام.. عن أي سلام إذا يتطلع ترامب؟.

يبدو أن ترامب سيكون لغزا محيرا إلى حين تتبلور رؤاه في عالم الواقع، انه ترامب «غير المتوقع» كما وصفته بعض الأصوات الإعلامية الأمريكية، وربما إشكالية ضحالة خبرته السياسية هي السبب وراء تصريحاته المتضاربة ولهذا فإن من سيديرون مطبخه السياسي هم من سيوجهون دفة الأحداث.

في ديسمبر 2015 تحدث ترامب إلى وكالة أنباء (اسوشيتدبرس) مدعيا أنه سيكون محايدا في الصراع بين الطرفين، وأشار إلى أن شعوره بعدم تقديم إسرائيل لتنازلات لن يؤدي لسلام في المنطقة، وهنا يمكن للمرء أن يترك فسحة من الأمل لتغيير حقيقي في السياسات الأمريكية في عهد ترامب. لكن ترامب «المحير» يتحدث من جديد في مارس 2016 لصحيفة «ديلي ميل» بالقول : قد يكون الحياد أمرا غير ممكن، وعلى إسرائيل السير قدما في بناء المستوطنات في الضفة الغربية، وهنا فإن الإشكالية أوسع وأخطر فالسياسة العامة للولايات المتحدة الأمريكية ترفض سياسات الاستيطان الإسرائيلي، وحتى لو لم تتخذ أي إجراء عملي للضغط على إسرائيل لوقف هذه السياسة، وفي هذا الحال لن يضحى ترامب أبدا رجل سلام بين الطرفين المتصارعين والمتنازعين.

مفأجآت ترامب لا تتوقف ولا تنتهي، ففي يونيو 2016 الماضي، أبلغ مستشاره للشؤون الإسرائيلية.. «ديفيد فريدمان» صحيفة هأرتس الإسرائيلية، بأن ترامب قد يؤيد فكرة ضم بعض أجزاء من الضفة الغربية لإسرائيل، وأن إقامة الدولة الفلسطينية ليست أمرا حتميا على الإطلاق ، وأضاف فريدمان «لست معنيا بدولة ثنائية القومية لأن أحدا لا يعرف بالضبط كم من الفلسطينيين يعيشون هناك، وهو تصريح يشكل خروجا ثانيا عن السياسة الأمريكية المعلنة منذ الرئيس الجمهوري الأسبق جورج بوش. يعن للمرء أن يتساءل هل رؤية ترامب للسلام يمكن أن تنفصل أو تنفصم عن ما يجري داخل إسرائيل بداية وفي الشرق الأوسط بنوع خاص»؟.

السؤال بصيغة أخرى أولية، هل لدى بنيامين نتانياهو استعداد أولي للسلام مع الجانب الفلسطيني؟

يخشى المرء أن يكون الجواب لا، وهذا هو الواقع، نتانياهو غير مشغول بقضية السلام، انه منشغل الآن بقضية خفض الضجيج، وإسكات الآذان عبر مكبرات الصوت في المساجد.

في حديث أخير لنتانياهو مع أعضاء حكومته، لم يتوقف الرجل عند مآلات عملية السلام، بل مضى إلى القول: لا استطيع إحصاء المرات ـ فهي بكل بساطة لن تحصى ، تلك التي توجه إلي فيها المواطنون من كل أرجاء المجتمع الإسرائيلي، ومن كل الأديان، يشكون من هذا الضجيج والمعاناة التي يسببها لهم الضجيج الشديد المنبعث نحوهم من مكبرات الصوت داخل بيوت العبادة. أما عن المنطقة فلا تزال مشتعلة ومضطربة، ولا توجد معالم واضحة لإنهاء الصراع في سوريا، أو وقف الحرب الأهلية الدائرة في اليمن، عطفا على إعادة توحد العراق في الداخل، وبجانب هذه جميعها تبقى هناك المعضلة الأكبر أي مواجهة الإرهاب، والسؤال هل ترامب الانعزالي النزعة لديه مقدرة أو رغبة في خفض كل تلك الملفات دفعة واحدة وبجانبها القضية الفلسطينية أم أنه يمكن أن يبدأ بتلك القضية كمفتاح يقربه من الشعوب العربية والإسلامية في الشرق الأوسط؟.

حتى لا نضيع أو نفقد الخطى في رحلة التحليل، ينبغي لنا أن نعرف ما هي الخطوط الاستراتيجية العريضة التى تهتم بها إدارة دونالد ترامب؟ قد يكون من المبكر جدا التنبؤ بها، لكن ورقة دراسية على نحو كبير من الأهمية، صدرت في الأيام القليلة الماضية عن مركز «لندن لأبحاث السياسات» في واشنطن ، شارك فيها الجنرال «مايكل فلين» المرشح كمستشار للأمن القومي في إدارة ترامب فيها إشارة إلى تلك الاهتمامات.

- الإسلام الراديكالي ، الانتشار النووي في الشرق الأوسط ، صعود قوى إقليمية مهيمنة ، أين الحديث عن السلام؟ .

ربما يحتم علينا الانتظار لحين ترامب آخر؟.