أفكار وآراء

الشعبويون يتطلعون للسيطرة على أوروبا !

09 ديسمبر 2016
09 ديسمبر 2016

سمير عواد -

خسر الشعبويون في أوروبا الأحد الماضي جولة مهمة، عندما فشل مرشح اليمين المتطرف في النمسا، نوربرت هوفر، في أن يصبح أول شعبوي يشغل منصب رئيس الجمهورية في إحدى دول الاتحاد الأوروبي، عندما فكر الناخبون النمساويون بمستقبل بلدهم الذي يحمل لقب «جمهورية الألب»، وقطعوا الطريق على الشعبويين الأشداء في النمسا، حيث فضلوا زعيم الخضر السابق ألكسندر فان دير بيلن، وانتخبوه رئيسا لهم.

ومما لا شك فيه، أن انتخاب دونالد ترامب في الولايات المتحدة الأمريكية، وشخصيته التي أثارت جدلا في الفترة الماضية، وكذلك انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، قد شكل دفعة قوية للشعبويين الأوروبيين، الذين أصبحوا يعتقدون أن فرصتهم في الوصول إلى السلطة في عدد من الدول الأوروبية، قد ازدادت. وقالت بياتريكس فون شتورش، النائبة في البرلمان الأوروبي والتي تنتمي إلى حزب «البديل من أجل ألمانيا» الشعبوي، في مظاهرة نظمها حزبها مساء التاسع من نوفمبر الماضي بمدينة «ماجدبورج» بألمانيا الشرقية، بعد فوز ترامب بانتخابات الرئاسة الأمريكية: نعتقد أنه بمقدورنا تحقيق التغيير، وأن نقلب الأمور رأسا على عقب.

ولا شك أن فون شتورش، المعروفة بتصريحاتها الاستفزازية، تفكر في الانتخابات العامة القادمة في ألمانيا في سبتمبر 2017، حيث يأمل حزبها بدخول البرلمان الألماني «البوندستاج» لأول مرة منذ تأسيسه قبل سنوات قليلة، خاصة وانه أصبح ثالث أقوى حزب في ألمانيا بعد الاتحاد المسيحي والحزب الاشتراكي الديمقراطي، وهو ممثل في عشرة برلمانات من أصل ستة عشر في ألمانيا ذات النظام الفيدرالي، وسيكون حلمه الكبير دخول البوندستاج، وأن يطرح نفسه كحليف عند تشكيل الائتلافات، ويعتمد ذلك على نسبة التأييد التي سيحصل عليها في الانتخابات العامة القادمة. ويعتقد الحزب أن قرار المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ترشيح نفسها لولاية رابعة في منصبها، يُعتبر بمثابة «هدية» له، لأنه سوف يركز على مهاجمة سياسات ميركل، التي يحملها نتائج تدفق حوالي مليون لاجئ إلى ألمانيا، مثلما يحملها تبعات كل مشكلة في ألمانيا.

وتُعتبر ميركل، الخصم الرئيسي للشعبويين الأوروبيين، الذين يريدون إقصاءها عن منصبها، لإضعاف الاتحاد الأوروبي الذي أصبحت ميركل تُعتبر زعيمته الخفية بعد انسحاب بريطانيا وبسبب ضعف المسؤولين في المفوضية الأوروبية المكروهة من قبل الشعوب الأوروبية.

وإذ فشل الشعبويون النمساويون في الحصول على منصب رئيس جمهورية الألب، فإن العام المقبل سيوفر لهم فرصا جديدة وأكثر أهمية. إذ تستعد فرنسا لانتخابات الرئاسة في نهاية أبريل/ ‏‏مطلع مايو، لأنها تتم في جولتين، حيث تأمل مارين لوبان، زعيمة حزب «الجبهة الوطنية» اليمينية في أن تصبح أول امرأة تشغل منصب الرئيس، وأن تتوج نجاحات الحزب الذي أسسه والدها. كما تشهد هولندا، انتخابات برلمانية في مارس القادم، حيث يأمل جيرت جيلدرز، الزعيم الشعبوي المثير للجدل، في تشكيل حكومة أو الدخول طرفا في ائتلاف. ويعتقد المراقبون أن الشعبويين الأقوياء في أوروبا، مثل لوبان وفيلدرز، قد يحرزان نتائج ملفتة للانتباه لتحقيق أهدافهما السياسية التي ستكون في المقام الأول على حساب المهاجرين ولاسيما المسلمين، لأن الأحزاب الشعبوية تركز شعاراتها على الترويج للعداء ضد المهاجرين والمسلمين.

وتعيش أوروبا مرحلة لم تعرفها في تاريخها، حيث الشعبويون أصبحوا متواجدين في جميع بلدانها، وهم يجتمعون ويحتفلون مع بعض ويتضامنون مع بعض علنا في الحملات الانتخابية ولم يعودوا كما في السابق يجتمعون وراء أبواب مغلقة، من جانب آخر فان ترامب، نهج استراتيجيتهم، مما ساعده على الفوز بمنصب رئيس الولايات المتحدة، الشهر الماضي، حيث استخدم بعض شعاراتهم ومواقفهم، مثل الشعارات المناهضة للمسلمين، والدعوة لوقف الهجرة وبناء جدار فاصل مع المكسيك، وانتقاد المؤسسة السياسية. وكان نايجل فراج، الزعيم السابق لحزب «الاستقلال» البريطاني الشعبوي، أول زعيم أوروبي استقبله ترامب الذي أعرب عن أمله بأن يتم تعيين فراج سفيرا لبريطانيا لدى واشنطن، ليكون قريبا منه، ولكن رئيسة وزراء بريطانيا رفضت ذلك.

على صعيد آخر أسس الشعبويون في البرلمان الأوروبي في «ستراسبورج»، كتلة برلمانية تحمل اسم «أوروبا القوميات والحرية- ENF «تضم الأحزاب الشعبوية الرئيسية في أوروبا مثل «البديل من أجل ألمانيا» و«حزب الحرية النمساوي» و«حزب الجبهة الوطنية الفرنسي و«رابطة الشمال الإيطالية» و«حزب الحرية» الهولندي، ويعقدون مؤتمرات صحفية.

وبرأي رالف ماير، مدير مشروع مناهض للتطرف تعمل به مؤسسة «فريدريش إيبرت» التابعة للحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني، وناشر دراسة حول خطط الشعبويين لتدمير الاتحاد الأوروبي، أن تشكيل الشعبويين الأوروبيين شبكة يشكل تطورا خطيرا، وقد يؤدي ذلك لأن يصبح اليمين المتطرف «قوة ضاربة» في أوروبا، فهم يستفيدون من نجاح بعضهم ويتعلمون من بعض ويتعاونون مع بعض في الحملات الانتخابية، حيث يستفيدون من تجاربهم ويتناوبون في الحديث عن نفس القضايا، وقد تبين لهم أن ذلك يساعدهم في تحقيق أهدافهم.

كما انهم يتفقون مع بعض في مناهضة الاتحاد الأوروبي وفكرة حله تماما وعودة القوميات ومعاداة الإسلام والديمقراطية. وفي السياسة الخارجية، يُلاحظ أنهم أقرب إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهناك من يعتقد أنه يقدم لهم معونات مالية. ويعتقد توماس أوبرمان، رئيس الكتلة البرلمانية التابعة للحزب الاشتراكي الألماني، أنهم يعتقدون أن بوتين زعيم كبير لأنه حاكم مسيطر، وهذا ما يريده الشعبويون إذا نجحوا في الوصول إلى السلطة، لأنهم يرفضون الليبرالية الديمقراطية وحرية التعبير عن الرأي.

أما كلاوديا روت، النائبة في حزب الخضر الألماني، ونائب رئيس البرلمان الألماني، فإنها تعتقد أن روسيا وترامب يريدان الاستعانة بالشعبويين الأوروبيين لإثارة عدم الاستقرار في الاتحاد الأوروبي. وفي المقابل فإن الأحزاب التقليدية في أوروبا لا تملك وصفة ناجعة للتغلب على الشعبويين. وقد اقترح أوبرمان، أن يقوم البوليس السياسي الألماني بمراقبة المتطرفين اليمينيين الألمان، واتخاذ إجراءات صارمة ضد العنصريين منهم والذين يمارسون العنف، والحوار مع ناخبين حزب «البديل من أجل ألمانيا»، لإقناعهم بعدم التصويت لهذه الحزب، فالناخب في أوروبا، هو في نهاية المطاف، صاحب القرار في صعود أو سقوط الأحزاب الشعبوية.