أعمدة

نوافذ: سقطات في علاقات النسب

09 ديسمبر 2016
09 ديسمبر 2016

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

عندما نتحدث عن النسب، فإننا نتحدث عن أعمق العلاقات الاجتماعية، وعندما نتحدث عن الأرحام؛ فإننا نتحدث عن ذروة هذه العلاقات، وعندما نتحدث عن القربى؛ فإننا نتحدث عن مستوى التعاضد الذي يربط سلسلة الأسرة الواحدة من منبتها الأول، والى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ذلك أن هذه السلسلة البشرية الممتدة لمشروع الأسرة الواحد؛ يظل هكذا بلا انقطاع – إلا في ظروف استثنائية – الى أمد بعيد، وتبقى هذه السلسلة «النسبية» ممتدة عبر أجيال متتالية ومتوالية، وهو ما يعزز دور أبناء المجتمع في تقاربهم، وفي تعاضدهم، وفي تكاملهم، ليصب كل ذلك في نهاية المطاف لما فيه خير المجتمع وأبناؤه، ومن هنا تتجلى الحكمة الجلية من هذه «النسبية» المتواصلة والمتآزرة، مصداقا لقوله تعالى: (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا؛ إن أكرمكم عند الله أتقاكم) هذه هي الصورة الطبيعية لهذه السلسلة المتواصلة التي تحكم أطراف المجتمع ودواخله، إلا أن الواقع يسجل صورا مغايرة لهذا الواقع، ويؤرخ أحداثا تقض المضجع، وتؤرق الفكر، وتقوض الاستقرار، ذلك أن علاقات النسب تعيش حالات مخاض مستمرة، ولا تكاد تتخلص من ولادة متعسرة؛ إلا وتتلوها ولادة أخرى أشد عسرة.

في بدايات ميلاد الأسر، عادة ما يلتف أعضاء الأسرتين حول قطبي الأسرة الناشئة (الزوج/‏ الزوجة)، ويصل بك التفاؤل غايته الكبرى، من أن المجتمع سوف يؤازر هذه الحياة الوليدة لهذين الكائنين الجميلين؛ حيث النشأة الأولى، ويبارك المجتمع بكل فئاته هذه الزيجة، التي يصفونها بالمباركة، والدليل على هذه المؤازرة، فلمناسبة عقد القران؛ على سبيل المثال؛ يسعى كلا طرفي الأسرة (من الآباء، والأمهات، والأعمام، والخالات، وقد تتجاوز المسألة الى أبناء العمومة، وأبناء الخؤولة) يسعى هؤلاء جميعهم الى إعلان هذا الزواج ومباركته ومؤازرته، حتى ليتراءى لكلا العروسين أنهما الاستثناء بهذا الاهتمام، وأنهما المحظوظان بهذا الالتفاف والالتفات، ولكن بعد أن تأخذ الحياة مسيرتها المعتادة، وتبدأ بوضع النقاط على الحروف، كما يقال، عندها تتفصل الكثير من الأشياء والأمور التي كانت مخفية بفعل فرحة المناسبة، وهذه الأمور التفصيلية، كثير منها، مزعج للغاية، ويقوض هذه العلاقة، ويضعها في موقف اختبار صعب، قد لا يكون لأي من الزوجين يد له فيها، فسبحان الله مغير الأحوال.

لن نتجاوز الواقع إن قلنا حدوث انشقاق عميق، وهو في حقيقته جرح غائر بلا رحمة، وذلك عندما يتبنى كل طرف من طرفي العملية النسبية موقفا مغايرا لما يتوقع، فالمتوقع أن تلتحم الأسرتان، وتنصهر وتذوب مختلف التشنجات التي تحدث غالبا لسوء فهم ما، وبذلك يكسب المجتمع كله مرتقى اكبر واسما، والذي يقوض هذه الصورة المتوقعة، او المأمولة، هو أن هذه الملحمة الأسرية التي التحمت، وتكاتفت، وتناصرت، في مرحلة الزواج الأول، فإذا بها تنقسم قسمين، وكل قسم ينتصر الى (ولده/‏ بنته)، ولا يستبعد أن يكون هناك رصد لمجموعة من الأخطاء التي يرتكبها احد طرفي العملية «النسبية»، والأشد إيلاما أكثر أن يكبر هذا الانتصار من مرحلة المؤازرة الى مرحلة العداوة، فأسرة الزوج بكامل أعداد أفرادها يرون أن ابنهم على حق في حالة نشوء خلاف، وفي المقابل كذلك أسرة الزوجة، وليس المسألة عند هذا الحد فقط، وإنما تكبر ثيمة العداوة، حيث يناصب كل طرف الطرف الآخر، فتتأثر العلاقة برمتها، فلا تزاور، ولا مشورة، ولا أخذ ولا عطاء، ويظل من النادر جدا أن يلتقي كلا الطرفين في جلسة ود صادقة، إلا الاستثناء الوحيد هو في حالة حدوث مصيبة لدى طرف ما، حيث يكون هناك تقارب خجول جدا، فيصدق فيهم قول الشاعر طرفة بن العبد:

«وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرئ من وقع الحسام المهند».