إشراقات

العرض

08 ديسمبر 2016
08 ديسمبر 2016

محمد عبدالرحيم الزيني أستاذ الفلسفة / كلية العلوم الشرعية ــ مسقط -

«على المشرفين على أجهزة الإعلام تحويل القيم إلى واقع بين الناس فمنوط بها رسالة دينية تنويرية ومهمة أخلاقية وتعليمية ومعرفية وليست مؤسسة ربحية فقط، ولها دور كبير ومجال واسع في ترسيخ هذه القيم والنهضة بالأمة وتبصرتها بقيم الحق والخير والجمال والفضيلة والعفاف».

تقوم أجهزة الإعلام عبر التاريخ ومر العصور، على تنوع مسمياتها وتطور أشكالها ومختلف أجهزتها بدور كبير وجهد جهيد في مجالات متعددة وأدوار مختلفة سواء أكانت سياسية أو دينية أو ثقافية، فنراها حارسة للقيم الأخلاقية مرة أو راعية للرذيلة مروجة لها مرة أخرى، واقفة بجانب الحكم الرشيد مشيدة به محتفلة بأعماله مؤازرة لخطواته، أو مساندة للحكم الاستبدادي هاتفة بصلاحه مسوغة لقراراته الجائرة.

الناظر في مهمة أجهزة الإعلام يعلم أنها ليست خيرًا في ذاتها أو شرًا، وإنما يرجع ذلك إلى الأفكار التي تتبناها والأيديولوجية التي تريد ترسخها في عقل الجمهور والمضمون الذي تروج له، سواء أكانت حبًا أم كراهيةً، فضيلةً أم رذيلةً، خيرًا أم شرًا.

وإذا ألقينا نظرة سريعة إلى العصور الإسلامية نجد أن الشعراء هم الذين كانوا يحلون محل هذه الأجهزة أي يقيمون مقامها؛ فالشاعر كان صوت القبيلة التي ينتمي إليها، يشيد بتاريخها وأفضالها وينوه بكرمها وشجاعة فتيانها ونخوة رجالها، ويفتخر بباقي الصفات الحسنة المحبوبة التي كان يعتز بها العرب.

ومن المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم اتخذ حسان بن ثابت شاعرا له كي يدافع عن الإسلام ناشرا فضائله وكليات الإيمان، متحدثا عن شيم الرسول -صلى الله عليه وسلم- وكرائم أخلاقه وعظيم إنسانيته ودستوره الذي حمله إلى المسلمين، ومع رقي المجتمع الإسلامي وتطوره ودخوله في طور حضاري آخر، أصبح الكتاب والمفكرين مثل الجاحظ وأبي حيان التوحيدي وعبدالحميد الكاتب، كتابا للأمراء والوزراء، ويمثلون أجهزة الإعلام المعاصرة، يشيدون بأعمالهم ويذكرون محاسنهم بالحق أو الباطل، فكلما منحوا الجوائز والعطايا بالغوا في المدح والإشادة، كما نرى في كتاب وشعراء الأمويين والعباسيين، وإذا منعوا نشروا المعايب والمثالب، كما نرى في موقف أبي حيان التوحيدي من الصاحب بن عباد الذي ألف فيه كتابا «مثالب الوزيرين» فكان لسانه أشد من السيف. وكان من مهام الكتاب والمؤرخين الدفاع عن الفرق الكلامية التي ينتمون إليها ويرفعون من شأن آرائها، ويحطون من شأن الفرق الأخرى.

ثم ارتقت أجهزة الإعلام بعد أن اخترعت المطبعة وأصبحت الرسائل والكتب والصحافة في مقدمتها، ثم ظهر المذياع وكان خطوة عظيمة مقدمة لاختراع التلفاز.

وإذا تناولنا بالحديث أجهزة الإعلام المسموعة والمرئية ندرك إدراكا لا لبس فيها الدور الخطير الذي تقوم به في توجيه الرأي العام وتشكيل عقول الجماهير وصياغة مواقفهم ووجهة نظرهم ونشر عادات وتقاليد سواء أكانت محلية أو وافدة، إيجابية أو سلبية. وكثير من القيم الغربية الوافدة على مجتمعاتنا.

وإذا توقفنا أمام علاقة هذه الأجهزة بالقيم الإسلامية وأخلاقيات الإسلام، ونشر معاني الأخوة الإنسانية والتأكيد على معاني البر والفضيلة والتواصل والتعاون والعدالة الاجتماعية، وهي قيم إيجابية يحثنا عليها الإسلام، نلمس المهمة الخطيرة المنوطة بها، والرسالة الكبرى التي عليها أن تنهض بها وأهمها تحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية (حفظ الدين والنفس والمال والعقل)، وعلى رأسها «حفظ العرض».

ولا جرم أن نقول إن أجهزة الإعلام سواء أكانت مسموعة أم مرئية عليها واجبات نحو الوطن والمواطن ومهمة عظيمة ورسالة مقدسة في خدمة مقاصد الدين، سواء عن طريق شرح أبعادها ودورها في وحدة المجتمع وإشاعة المثل العليا والقيم الأخلاقية، ونشرها على أوسع نطاق، وترسيخها في عقل المسلم ووجدانه، وعلى مستوى الأسرة والمجتمع والأمة، من خلال بث البرامج الدينية، والأحاديث الفكرية، ومقالات كتاب الرأي، وجماعة المفكرين المهتمين بمشكلات الأمة وهمومها وأصحاب الفكر التنويري الذين يركزون على أصول الدين وجوهره.

على هذه الأجهزة أن تراعي حق الله وحق الأفراد وتحترم مشاعر المسلمين، وتلتزم بالمثل العليا والقيم الأخلاقية والمعاني السامية، التي يجب أن تعمقها في وجدان الأفراد، وتهتم بالأحاديث الهادفة، والقصص التي تحمل مضامين دعوية وتربوية، مستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية، وأقوال الرسول التي جسدها في الواقع المعيش.

كذلك من المهم محاربة الإشاعات، وأصحاب النفوس الضعيفة الذين يرمون المحصنات وفضح سلوكهم على الملأ ومقاطعة أفراد المجتمع لهم ونبذهم نبذ النواة، وشرح مآلهم المظلم وكيف أن الله توعدهم بالعذاب الأليم (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).

إنَّ أجهزة الإعلام مسؤولة أمام الله وأمام المواطنين، وعليها أن تتحرى الحقيقة في عرض أخبارها، والصدق في القول وألا تلقي بالتهم جزافا، أو تخوض في أعراض الناس وتتهمهم بالغش والتدليس أو السرقة، دون أن يكون معها الدليل، ليس هذا فحسب بل ليس من حقها أن تتهم أحدًا؛ لأن هذا ليس من اختصاصها، فهناك الجهات القضائية المسؤولة عن حماية أفراد المجتمع من المتطفلين الأشرار، وهي التي تحقق معهم وتسمع أقوالهم وتحاكمهم، والقاعدة القانونية تقول: «المتهم برئ حتى تثبت إدانته».

فعلى أجهزة الإعلام أن تتحرى الحقيقة ولا تنشر مثل هذه الأخبار إلا بعد أن يقول القضاء كلمته النهائية، فمن حقها نشر ذلك بقصد أخذ العظة والعبرة وتعريف أفراد المجتمع بمصير من يقترف الجريمة ويعتدي على حقوق الناس وعلى أعراضهم ومآل اللصوص والخونة والمفسدين.

خلاصة القول إن مقررات الإسلام تسعى لبناء المجتمع العفيف النظيف وغرس قيم التعاون والمحبة والفضيلة، والتماسك الاجتماعي وتحقيق الأخوة الإسلامية، وعلى المشرفين على أجهزة الإعلام تحويل هذه القيم إلى واقع بين الناس فمنوط بها رسالة دينية تنويرية ومهمة أخلاقية وتعليمية ومعرفية وليست مؤسسة ربحية فقط، ولها دور كبير ومجال واسع في ترسيخ هذه القيم والنهضة بالأمة وتبصرتها بقيم الحق والخير والجمال والفضيلة والعفاف.