أعمدة

اضاءة: الرسالة السامية

08 ديسمبر 2016
08 ديسمبر 2016

سالم بن حمدان الحسيني -

يجدر بِنَا ونحن نعيش ذكرى ميلاد نبي الإنسانية جمعاء أن نقف وقفة مراجعة ومصارحة مع ذواتنا.. نستقرئ واقعنا اليوم حيث نعيش وسط زوابع من الصراعات والفتن.. تتناوشنا قوى المطامع من كل حدب وصوب، وقد أراد لنا الحق سبحانه أن نكون قادة للأمم نحمل لواء الخير والمحبة والسلام، فقوله سبحانه وتعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) يجب أن يكون وساما على صدورنا وتاجا على رؤوسنا نفاخر به الأمم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ذلك عندما كان الإسلام منهجا نتمثله في واقع حياتنا، ننصر دينه ونتبع نهجه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)، وحينما تغير الحال كان التغيير والتبديل (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) فتكالبت علينا الأمم وتقاذفتنا شعوب الأرض وتتنازعنا الأهواء؟..

فهل الى مرد من سبيل الا بالاحتكام إلى ذلكم الدستور الخالد الذي (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، انه النور الذي جاء به هذا النبي الخاتم الذي أمتن الله به علينا، ارسله الحق سبحانه لينقذنا من ظلمات الجهل الى نور العلم الإيمان.. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) به نقود الأمم لنخرجها من ظلمات الجهل والعمى إلى نور الهدى ومن طرائق شتى إلى صراط مستقيم.. (لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيد).. كانت أمتنا أمة قيادة وليست أمة منقادة.. حينما كان الهاجس نشر الأمن والفضيلة والسلام صلحت بها الدنيا وصلح بها الدين وصنعت الحضارة وعم رخاؤها الأرض.

كان مبعثه صلى الله عليه وسلم تبليغ تلك الرسالة حيث جاء رحمة للعالمين: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)، فقبل بعثته صلى الله عليه وسلم كان العالم يموج في ضلالة قلوب متفرقة يسودها الجهل حتى زكت النفوس (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ) فالفرق كبير بين الحال قبل بعثته صلى الله وسلم وبعدها، فلذلك كان حالنا، وهكذا اليوم اصبحنا (فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ).. فهل تخلت الأمة اليوم عن الدور الريادي وعن الدور القيادي الذي أرادها الله سبحانه وتعالى أن تكون عليه.

إذن عزنا وفلاحنا ونجاحنا منوط باتباعنا هذا النور المبين وهدي النبي الكريم (فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ).. (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) فهل هذا الشتات والفرقة والنزاع والاقتسام الى شيع وأحزاب كل حزب بما لديهم فرحون من سمات اتباع هذا النبي.. وكتابنا العزيز يدعونا الى الوحدة والتآلف والتحاب والتآخي والالتقاء الى كلمة سواء.. (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا).. فأين نحن اليوم من هذا الأمر الرباني.

كانت رسالته صلى الله عليه وسلم رسالة سامية مهما حاول المبطلون تلطيخها.. (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا، وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا).. فان هذا النور الخالق قد تعهد الحق سبحانه باظهاره رغم المحاولات الشائنة.. (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) فلنكن على ثقة بوعد الله سبحانه وتعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) فمهما طال الزمان ومهما احلولك الظلام لابد من ان يظهر نور الحق ساطعا جليا فذلك امر الله.. (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ).