العرب والعالم

هل يمكن لكلينتون أن تفوز من جديد على ترامب؟

08 ديسمبر 2016
08 ديسمبر 2016

تقرير يكتبه لـ عمان: إميل أمين -

هل يمكن أن تحدث مفاجأة رغم الفوز العلني للمرشح الجمهوري للرئاسة الأمريكية «دونالد ترامب»، وتعود «هيلاري كلينتون» لتضحى هي سيدة البيت الأبيض من جديد؟

علامة استفهام ترتبط ارتباطاً أساسياً بالنظام الانتخابي الأمريكي، وعليه لكي نفهم ما الذي سيجري يوم 19 ديسمبر الجاري، يتعين علينا في عجالة مراجعة المشهد الانتخابي الأمريكي وأبجدياته وكيف يمضي؟ ماذا عن ذلك؟.

إنه نظام غريب عجيب، يحتاج لاحقاً لقراءة أخرى لتحليله، غير انه وباختصار غير مخل، لا يصوت الناخب الأمريكي لمرشح بعينه بل يصوت لمندوبي المرشح، وهنا تبرز علامة تساؤل أخرى: «هل المندوبون ملزمون بانتخاب من صوت له غالبية الشعب ام يمكن ان يحدث العكس سيما وانه توجد 24 ولاية تعاقب المندوبين عديمي الولاء بغرامة لا تتجاوز 1500 دولار؟.

بداية يتكون المجمع الانتخابي من 538 عضوا، أي عدد مماثل لعدد أعضاء مجلس النواب والشيوخ، وكل ولاية لها عدد مندوبين يساوي عدد أعضاء مجلس نواب الولاية إضافة إلى عدد شيوخها ومن يحصل على 270 صوتاً من المجمع الانتخابي يفوز بالرئاسة.

حسناً.. ماذا يحدث لو لم يحصل أي من المرشحين على 270 صوتا؟ بحسب التعديل الثاني عشر من الدستور الأمريكي، يجرى عندها اقتراع لانتخاب الرئيس في مجلس النواب، وتتمتع كل ولاية بصوت واحد، أما نائب الرئيس فيجري بشأنه اقتراعا في مجلس الشيوخ يمنح كل عضو صوتا واحدا.

أخيراً ... إذا لم يتم اختيار رئيس بحلول يوم تعيين الرئيس أي 20 يناير فماذا يحدث؟

يقوم نائب الرئيس بأعمال الرئيس الجديد، هذا بافتراض أنه تم انتخابه بالفعل من قبل مجلس الشيوخ، اما إذا لم يكن قد تم اختيار نائب رئيس لامريكا، فساعتها يكون من حق الكونجرس أن يقرر من سيقوم بأعمال الرئيس وفقاً للتعديل الـ 20 من الدستور الأمريكي... ما الذي جرى يوم الانتخابات الأمريكية الماضية أي نهار الثامن من نوفمبر الماضي؟

لقد تفوقت «هيلاري كلينتون» في عدد التصويت الشعبي على منافسها «دونالد ترامب»، فقد حصلت على تأييد أكثر من 60 مليون و966 ألف ناخب بنسبة 48% من عدد الأصوات بفارق أكثر من 630 ألف صوت عن ترامب، الذي حصل على تأييد أكثر من 60 مليون و328 ألف ناخب بنسبة تأييد بلغت 47%.

.. لماذا فاز ترامب إذن؟ القاعدة أن المرشح الذي يفوز بـ 270 من أصوت المجمع الانتخابي أي 50+1 يفوز بالانتخابات، وقد فاز ترامب بـ 290 صوتا من أصوات المجمع الانتخابي، فيما حصلت هيلاري على 228 صوتا ولذلك اعتبرت هي الخاسرة وترامب الفائز، وهي فارقة تكررت خمس مرات في التاريخ الأمريكي حتى اليوم.

هل من إمكانية ما لأن يغير مندوبو المرشح الجمهوري بعضا من ولائهم ويتجمعوا لهيلاري كلينتون؟

في الثاني عشر من الشهر المقبل، سوف تشهد كل ولاية اجتماعاً على حدة كي يتسنى لممثلي الولاية الديمقراطيون منهم والجمهوريون حسب أعدادهم المنتخبة، الاقتراع والتصويت لكن المصير شبه الحتمي الذي لا مفر منه هو أن معظم هؤلاء الممثلين الناخبين سوف ينتخبون ترامب وينصبونه رئيساً.

مع ذلك هناك احتمال ولو نظرياً ألا تسير الأمور على هذا الشكل، فقد يفعلها أعضاء المجمع الانتخابي ويغيرون رأيهم متحولين بذلك إلى ما يسمى بـ «ناخب غدار» لأنهم يغدرون بثقة ناخبيهم المبنية على مواقفهم المعلنة مسبقاً مع ترامب، وهكذا يغدر الناخب وينتخب شخصاً آخر أو حتى لا ينتخب أحد على الإطلاق..

الجمهوريون في واقع الأمر يعملون على قدم وساق ضمن الحزب الجمهوري للتكتل وراء ترامب، وبالتالي فإن عدم قيام الناخبين الجمهوريين بالتصويت لترامب سيعد تحدياً للحزب نفسه.

متى يمكن للناخبين أن يغدروا بترامب؟

الأمر الوحيد الذي يمكن أن يبرر تجميع عدد كبير من الناخبين الغدارين القادرين على قلب المشهد، ويدفع الناخبين للتصويت لهيلاري عوضاً عن ترامب، هو أن يستجد شيء ما لترامب نفسه، كأن يجد نفسه غارقاً حتى أذنيه في فضيحة كبيرة لا تصد ولا ترد، أو أن يواجه عقبات كارثية مع منصبه الجديد أي منصب الرئيس المنتخب.

بعض المخاوف تنتاب حملة ترامب في واقع الأمر من جراء الاعتراضات الشعبية التي تملأ ولايات كثيرة رفضاً لرجل لا خبرة له في عالم السياسة بالمرة، والسؤال هل يمكن لمثل هذه التظاهرات والتجمعات الشعبية، وبعضها يلجأ إلى العنف أحياناً، أن تغير من توجهات الناخبين لصالح هيلاري؟

هناك في واقع الحال حملة تجري في كافة ولايات أمريكا من أجل جمع ملايين الأصوات لحث الممثلين في «المجمع الانتخابي» على تغيير أصواتهم، وتحمل الغرامات المالية عنهم، لكن حتى الساعة يبدو أنه من الصعب جداً أن تمضي الأمور على مثل هذا النحو... هل من إشكاليات قانونية أخرى يمكنها قطع الطريق على ترامب؟

يبدو أن خلف الباب بعض القضايا التجارية والأخلاقية التي يمكن أن تكلفه منصبه بالفعل، وتؤدي به إلى العزل وهو ما يشير إليه أحد أساتذة القانون الأمريكي «البروفيسور كريستوفر بيترسون»، والسبب هو «جامعة ترامب» وهي مؤسسة تعليمية أسسها ترامب قبل أن يغلقها عام 2010، والاتهام هو أن الجامعة استخدمت ادعاءات كاذبة لإقناع المستهلكين بشراء خدماتهم، وتشير الأدلة إلى أن جامعة ترامب قد استخدمت نهجاً مقصوداً من الأوصاف المزورة لخداع الآلاف من الأسر بالاستثمار في البرنامج الذي يمكن أن يقال أنه كان مجرد خدعة، الاحتيال والابتزاز جرائم خطيرة ترتفع، من الناحية القانونية إلى مستوى الأفعال المستحقة للعزل».

هل عملية عزل ترامب عملية يسيرة؟

بالقطع لا، فالأمر يتطلب القيام بمجموعة كاملة من العمليات، إذ يجب بداية أن يتقلب الرأي العام، ورأي المشرعين على الرئيس، لأن إجراءات العزل يجب أن يبدأها مجلس النواب.

هنا تستدعي الذاكرة مشهدين الأول يعود إلى بداية السبعينات والثاني إلى نهاية التسعينات، ففي عام 1972 بدأت أنباء فضيحة ووترجيت، والتي رفضها الرأي العام الأمريكي، عندما اكتشف الأمريكيون أن الحزب الجمهوري الذي يمثله ريتشارد نيكسون كان يتجسس على الحزب الديمقراطي حتى يستطيع ربح الانتخابات، الأمر الذي كلف نيكسون الاستقالة، عوضاً عن العزل أو المحاكمة، وقد جرى ذلك بسهولة شديدة لأن الجمهور الأمريكي كان مهيأ لذلك.

أما في عام 1998، فقد شهدت الرئاسة الأمريكية فضيحة أخلاقية للرئيس بيل كلينتون، ومع ذلك لم يكن الرأي العام الأمريكي ولا الكونجرس بمجلسيه قد وصلا إلى الحد الذي يدفع إلى العزل ولذا اعتذر كلينتون للأمريكيين عن ما أسماه «سلوك غير لائق أو غير أخلاقي، ولم يصل الأمر إلى حد العزل أبداً».

ما هي أفضل الاحتمالات الوارد حدوثها؟

يبدو من شبه المؤكد أن فوز ترامب كان نوعا من أنواع الزلزال السياسي وعليه فإن الأمل ضعيف جداً في حدوث حالة انقلاب عليه في التصويت الذي سيجرى يوم 19 ديسمبر، وأغلب الظن وبنسبة غالبة أننا سنرى دونالد ترامب يوم العشرين من يناير المقبل يقسم اليمين ليضحى الرئيس الخامس والأربعين لأمريكا، مخلفاً وراءه علامات استفهام غير طبيعته وغير عادية ربما يستمر الجدل من حولها لأشهر طوال قبل أن يهدأ، فكيف لرجل لم يشغل في يوم من الأيام عضوية بلدية أمريكية صغيرة، ولم يكن سياسيا متمرسا أو مرشح نواب أو شيوخ، أن يجد نفسه بين عشية وضحاها رئيساً لأكبر بلد في العالم، ما يفتح الباب واسعاً لنقاش أكثر عمقاً يدور حول من أوصل ترامب إلى سدة الرئاسة الأمريكية، ومن هي القوة الخفية التي فعلت تلك المفاجأة.

لكن لا يعني بقاء ترامب رئيساً أن شيئاً لن يتغير في سياق الانتخابات الأمريكية مستقبلاً.. ما الذي يمكن أن يتغير؟ بالقطع النظام الخاص بالمجمع الانتخابي إذ يبدو أن الوقت قد حان للخلاص منه.. لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟ إلى قراءة قادمة إن شاء الله.