أعمدة

أمواج: عقدة الوجود عند الإنسان

07 ديسمبر 2016
07 ديسمبر 2016

فوزي بن يونس بن حديد -

[email protected] -

ما زال المسلمون لم يعرفوا رسالتهم التي جاءت من السماء، يتخبّطون في الدنيا كأن مسًّا أصابهم، لا يعرفون كيف يسيرن في الحياة، لا يدرون معنى الوجود ولا فلسفة الحياة، هل الحياة متعٌ ومصالحُ واعتداءٌ أم هي علاقات مشتركة بين بني الإنسان؟، فِرقٌ لها أوجهٌ متعددة ومتباينة رغم أنه كلها تدين بدين الإسلام وتعترف بأنه الدين الوحيد في الحياة، نمجّد التاريخ والأشخاص وننسى أننا نعيش اليوم في كوكب واحد وهو الأرض، فسبحان الله تنبّأت الملائكة أو كانت تعلم بفساد الإنسان وميله إلى سفك الدماء حينما أخبرها المولى عز وجل في كتابه: “وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً، قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ، قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ“، فالإنسان الذي خلق من طين وتراب ونطفة وماء يحمل في جيناته حبّ الاعتداء، لكنه يحمل في الوقت نفسه نفحات من روح الله التي بثّها الله في نفس هذا الإنسان، ليعيش بين خير وشر وحق وباطل، فالجسد يميل الى سفك الدماء، والروح تنهاه وتبكته عن فعل هذه التصرفات الهوجاء، يا لها من مفارقة عجيبة.

فحينما نرى الإنسان يجنح إلى قتل أخيه الإنسان ولا يبالي، لا نفسر ذلك إلا بنار الحقد تتأجّج داخله، يريد إنهاء هذه الحياة التي جاء الآخر ليحياها، ولأن الله عز جل قضى بأن يعيش الإنسان على كوكب الأرض صراعات مع نفسه ومع الآخر، فإما أن ينجح ويقيم علاقات، وإما أن يفشل ويستسلم لنوازع نفسه الأمّارة بالسوء، لذلك فلا الروح قادرة على السيطرة على تصرّفات الإنسان ولا المادة تحجمه عن الاعتداء، فكان لا بد من إرسال الرسل العظام المصطفين الأخيار الذين يسيرون بهذا الإنسان إلى بر الأمان، يوجهونه وينبهونه ويرشدونه، لأن عقله قاصر على التعرف على نواميس الكون بدقائقه، ورغم هذه اللمسات الروحانية التي نزلت من السماء تخبر الإنسان أن الطريق الصحيح هو هذا الطريق الذي ذكره ربنا الرحمن إلا أن كثيرا ما تغلب صراعات النفس ونزوعها للشهوات.

ورغم التركيبة العجيبة في الإنسان، المتكونة من جسد وروح وعواطف وأحاسيس ومشاعر ووجدان، إلا أن هذا المخلوق يستخدم غريزته أكثر مما يستخدم عقله، رغم أن القرآن الكريم خاطب عقل الإنسان، لأنه بعقله يستطيع أن يبني الحضارات ويشيّد الثقافات ويحافظ على الموروثات، أما إذا استسلم للغريزة فيهدم ما بناه غيره من الناس في لحظة من اللحظات وهو ما يفسر حقيقة هذا الوجود، فالغريزة هي التي تقود المسلم اليوم دون حساب، الغريزة بأنواعها كافة تبطش بهذا المخلوق الضعيف رغم أنه قادر على إطفائها متى أراد، فالضبط مركزه العقل، وهو الذي يدير حركة الإنسان قبل الانفلات، وإذا حدثت ثورة داخل الجسد وكان العقل غائبا تحدث الكارثة التي تؤدي إلى انهيار الكيان، فلم تعد هناك ضوابط ولا أركان، غير البطش والتنكيل والثوران كالبركان، لذلك كان صوت العقل ضرورة في كل آن.

متى يدري الإنسان أنه إنسان، ومن حق كل فرد أن يحيا على هذه الأرض بكل أمان، شرط أن يضبط العقل والقلب والجنان، ولا يفتك بالإنسان، ولا يبحث عن مواطن المكر والخداع وصدع البنيان، بل يحرص على الكف عن محاولات الطيش الفكري والوجودي التي تستبد بروح الإنسان، وتجعله كومة قشّ تذروه الرياح في كل مكان، فلا أُنس ولا طمأنينة ولا أمان في أي زمان إلا بالتحلي بأخلاق القرآن، وسنة سيّد الأنام، عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام.