أعمدة

نوافـذ .. رائحة «السواحل»

05 ديسمبر 2016
05 ديسمبر 2016

سالم بن حمد الجهوري -

[email protected] -

عندما تطأ قدماك أيا من دول شرق إفريقيا بدءا من الشمال، بدءا بالصومال ثم نزولا إلى كينيا، وتنزانيا، وموزمبيق، والداخل بوروندي، وروندا، ثم أوغندا، فإن رائحة الآباء والأجداد الأوائل تسبقك إلى هذه الأماكن، وأول ما يتبادر إلى الذهن هي كيف استطاعوا أن يقطعوا مسافات الطرق الطوال  من عمان إلى كل هذه الدول، حيث لم يكن إلا عباب البحر المنفذ الوحيد لأولئك الطامحين في استكشاف ما وراء الأفق والمجهول، فلم تكن في سنواتهم تتوفر وسائل التعريف الجغرافي بالطرق أو البعد التقديري للأراضي التي كانوا يسعون إلى الوصول إليها، وهي كما كان يطلق عليها   «السواحل».

اليوم يعيش هذا الامتداد العماني مع الشرق الإفريقي مرحلة أخرى من التواصل مع شعوبها عبر تنظيم الملتقيات والندوات والمؤتمرات الهادفة إلى تعريف الوجود العماني علميا، وثقافيا، وسياسيا، وعسكريا، واقتصاديا، واجتماعيا، هذا التعريف الذي تأخرنا في نبش كنوزه القيمة حول الوجود العماني لقرون في هذه البقعة، التي تستضيف اليوم جزر القمر الاتحادية أحد أعراسه والذي كان آخرها في بوروندي العام قبل الماضي.

المؤتمر الدولي الخامس «علاقات عمان بدول القرن الإفريقي» الذي تنظمه هيئة الوثائق والمحفوظات في هذا الاتجاه خلال الساعات القادمة، يعد واحدا من أهم الخطوات نحو الخروج بتوصيات حول تفعيل التواصل العماني الإفريقي في المرحلة المقبلة، لما تمثله أوراق العمل الـ 46 التي ستناقش والمحاضرون والحضور الأثر البالغ في فهم مسارات التاريخ العماني ومحطاته وحقبه وصناع التاريخ من رجالاته، وربطه بالأحداث الإقليمية والقارية والعالمية في تلك الفترة التي شهدت توسع الامبراطورية العمانية قبل اكثر من ألف عام ليس فقط على الأراضي الإفريقية بل في آسيا والأقاليم المجاورة وتصدي العمانيين للطامعين بمنطقة الجزيرة العربية، حيث   كان لهذا الدور بعد في تقليل المخاطر والمحافظة على  الكيانات المتواجدة في وقتها وضمان حرية الملاحة في مياه  الخليج لمئات السنوات، وهذا الجهد نفسه الذي تساهم فيه اليوم عمان.

المؤتمر الذي يفتتح اليوم ويستمر لمدة 3 أيام ويترجم إلى 4 لغات، سيغطي فترة الوجود العماني في المنطقة وجزر القمر الاتحادية بالذات، والعلاقة المهمة التي كانت تجمع الجانبين والدور العماني في نشر الإسلام و السلم والحضارة وبناء الدول التي ما زالت هويتها متمسكة بذلك الوجود الرائع.

المرحلة المقبلة تحتاج منا إلى المزيد من التكريس لهذه الفعاليات في الشرق الإفريقي وكل القارة السمراء، وإلى كتابة التاريخ عن الدور العماني والعلاقات مع الأشقاء في هذه الدول، وان نلتفت بشكل أكبر ونوثق كل محطاتنا التاريخية وإسهاماتنا البشرية والدور الرائد السياسي والعسكري واستمرار تعزيزه والذي يخلو من أي «أجندة» سوى توضيح الحقائق للعامة والباحثين والمهتمين، وتحديد الكثير من النقاط في تلك الحقبة من التاريخ العماني المهم وإجلاء الكثير من الحقائق، ولعل مشاركة العشرات من العلماء والباحثين والمهتمين العرب والأفارقة  في مؤتمر اليوم وغيره، دليل ساطع على أن هذه الفترة تعد من الفترات المهمة في تاريخ القارة الإفريقية وهي مصدر فخر لما فعله الآباء المؤسسون، كما أنه يرفع الحرج حول أهمية دور العمانيين عن الباحثين والعلماء العمانيين.

هذه السلسة من المؤتمرات تعد من أكبر المكاسب التوثيقية لتاريخنا المشرف، وهي تقطع الطريق على البعض لإشراك  نفسه في صناعة تاريخ المنطقة الإفريقية لتسمين كتبه التاريخية.