أفكار وآراء

النفط والتطورات المستقبلية

03 ديسمبر 2016
03 ديسمبر 2016

حيدر بن عبد الرضا اللواتي -

أدى الاتفاق الأخير للدول الأعضاء في منظمة أوبك بخفض إنتاجها النفطي بواقع 1.2 مليون برميل في اجتماعها بالعاصمة النمساوية، فيينا، ولأول مرة منذ 2008، إلى تجاوب عدد من الدول خارج المنظمة، ومنها السلطنة وغيرها من الدول الأخرى. وقد شهدت أسعار النفط العالمية تحسنا جيدا لتتجاوز اليوم 50 دولارا للبرميل، بحيث بلغت هذه الزيادة بواقع 16% حتى اليوم. كما أن الأسعار بلغت أعلى مستوياتها منذ نحو 16 شهرا، خاصة أن روسيا غير العضو في منظمة أوبك أبدت تجاوبها بتقييد الانتاج لتقليص تخمة المعروض العالمي بوتيرة أسرع وموافقتها وللمرة الأولى خلال 15 عاما لمساعدة المنظمة على تعزيز أسعار النفط.

ورغم ذلك فان الشكوك تثار تجاه هذه الاتفاق التاريخي على نطاق واسع بالسوق، حيث يرى بعض المحللين أنه من الضرورة التزام هذه الدول بالخطة، وأنه لو لم تتوصل منظمة أوبك إلى هذا الاتفاق لهبطت أسعار النفط على الأرجح إلى 40 دولارا للبرميل وربما دون ذلك. وخلال المرحلة المقبلة فانه من المتوقع أن يتم تداول الأسعار عند متوسط يتراوح بين 55 و60 دولارا للبرميل في العام المقبل2017. وكما هو معروف فان دول منظمة الأوبك تساهم بنحو ثلث الإنتاج العالمي، أو نحو 33.6 مليون برميل يوميا، وبموجب الاتفاق الذي جرى التوصل إليه مؤخرا فإنها ستنتج 32.4 مليون برميل يوميا بدءا من يناير 2017. أما المنتجون غير الأعضاء فوافقوا على خفض إنتاجهم بواقع 600 ألف برميل إضافية يوميا، بحيث تساهم روسيا بخفض 300 ألف برميل، وبذلك يمثل إجمالي خفض الإنتاج، بواقع 1.8 مليون برميل يوميا، نحو 2% من إنتاج النفط العالمي، وسوف يساعد ذلك في تخلص السوق من تخمة المعروض وتراجع بعض المخزون العالمي، الأمر الذي سوف يساعد على تحسين الأسعار خلال الفترة المقبلة.

ووفقا لمدير وكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول فإن أسواق النفط مقبلة على فترة تقلبات أكبر في الأسعار بعد قرار المنظمة بخفض الإنتاج، موضحا أن تدفقات النفط الأمريكي ستزيد إذا ارتفعت الأسعار إلى قرب 60 دولارا للبرميل. المسؤول أوضح في مؤتمر للطاقة بسلوفاكيا أنه على عكس ما حدث في قرارات أوبك السابقة، فإن قدرا كبيرا من النفط في الولايات المتحدة سيكون جاهزا للتدفق على الأسواق إذا تحركت الأسعار إلى قرب 60 دولارا للبرميل، موضحا أن ذلك يعني فرض ضغوط نزولية على الأسعار من جديد، بوجود نفط كثير، فيما الطلب لن يستطيع استيعاب هذه الكمية. ومن ثم فإن الاتجاه الصعودي للأسعار قد يتمخض في نهاية المطاف عن نمو أكبر من الولايات المتحدة وغيرها من المناطق التي تدر أرباحا ولكن ليس عند 45 دولارا (للبرميل) بل قرب 55-60 دولارا. وهذا التقلب قد يستمر لبعض الوقت حيث أن الكل مقبل على فترة تتسم بتقلبات أكبر في أسعار النفط. وفي الدول الآسيوية، فإن المتعاملين يتوقعون بأن ارتفاع أسعار النفط بفعل اتفاق منظمة الأوبك وروسيا على خفض الإنتاج سيكون على الأرجح قصير الأمد، نظرا لأن الاتفاق قد يؤدي فقط إلى سحب مزيد من الإمدادات من صهاريج التخزين وضخ مزيد من شحنات الخام من الولايات المتحدة. وأن ارتفاع أسعار النفط وهبوط تكلفة الإنتاج لمنتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة يشجع على زيادة الإنتاج في الوقت الذي بدأت فيه كازاخستان إنتاجها من حقل كاشاجان في شهر اكتوبر الماضي، فيما يؤكدون بأن استمرار تأثير اتفاق الإنتاج يعتمد بشكل كبير على كيفية اتجاه بعض الدول الكبيرة المنتجة للنفط من أعضاء المنظمة. ويرون أن خفض الصادرات من جانب المنتجين ربما يأتي من تغييرات في بند في العقود يتيح للمشتري أو البائع زيادة أو خفض الكميات المتعاقد عليها بما يصل إلى 10%.. وفي سنغافورة يرى المتعاملون بأن الخفض الأخير الذي أجرته أوبك في الإنتاج سيعطي قوة دفع للأسعار لكن لا يمكن مقارنته بخفض عام 2008. فما زالت تخمة المعروض في الأسواق العالمية كبيرة، وأن التحذير قائم من أن الأسعار قد لا تشهد ارتفاعا كبيرا قياسا على المقارنات التاريخية إذ سيسد منتجون آخرون الفجوة في الإنتاج.

من جانب آخر ترى منظمة الطاقة الدولية التي تمثل 29 دولة أن سوق النفط قد يشهد نقصا حادا في النفط خلال السنوات المقبلة إذا استمر الانحسار في مستوى الاستثمار الحالي في القطاع النفطي، مشيرة إلى أنه ما لم تنفق أموال إضافية على اكتشاف حقول جديدة وتطويرها فإن العالم سيواجه زيادة الطلب وقلة المعروض من النفط مع بدايات العقد القادم، مما قد يؤدي إلى صعود أسعار النفط مرة أخرى. فالاستثمار في مصادر نفط جديدة في العام الماضي كان في أدنى مستوى له منذ خمسينات القرن الماضي وفق تقرير الوكالة، موضحا أنه إذا بقي مستوى الاستثمار في قطاع النفط منخفضا للعام الثالث على التوالي فإن الاحتمال سيكون ضئيلا أن يفي المعروض من النفط بحاجة السوق. وكانت زيادة المعروض من النفط قد أدت إلى انخفاض حاد في أسعاره، حيث انخفض من 100 دولار للبرميل عام 2014 إلى ما دون 30 دولارا في بداية العام الجاري. كما انخفض الاستثمار في حقول النفط من 780 مليار دولار عام 2014 إلى 580 مليارا عام 2015، ثم بلغ الاستثمار 440 مليارا خلال العام الحالي 2016. وتؤكد الوكالة الدولية للطاقة إن هناك حاجة لزيادة الاستثمار إلى ما لا يقل عن 700 مليار دولار في السنة ، لأن بدء إنتاج حقل نفط جديد يتطلب 3-6 سنوات. وكانت منظمة الدول المصدرة للنفط (الأوبك) قد أعربت هي الأخرى عن قلق مشابه قبل الاتفاق الأخير لها في فيينا الأسبوع الماضي، حيث ورد في تقريرها السنوي أنه على الرغم من أن سوق النفط كان يشهد وفرة في المعروض مؤخرا، إلا أن على قطاع النفط التأكد من أن قلة الاستثمارات الحالية لن تؤدي إلى نقص في المعروض في المستقبل.

الاتفاق التاريخي الأخير لمنظمة أوبك جاء بعد عقد عدد اجتماعات ثنائية وإقليمية للدول المنتجة للنفط منذ أن تراجعت أسعار النفط في منتصف عام 2014. وخلال هذه الفترة واجهت العديد من الدول المنتجة للنفط ومنها دول المنطقة عجوزا كبيرة في موازناتها السنوية، الأمر الذي أدى إلى توقف بعض المشاريع المجدولة في خططها التنموية، واتخاذها للعديد من الإجراءات التي تحد من الإنفاق والتبذير في بعض البنود، في الوقت الذي قامت فيه بفرض المزيد من الضرائب على بعض القطاعات الأخرى، ومن أهمها زيادة ضريبة أسعار استهلاك الأفراد والمؤسسات من الطاقة، النفط والكهرباء والمياه وغيرها من القطاعات الأخرى. كما تقوم المؤسسات الحكومية بالتركيز على بناء خطط التنويع الاقتصادي للاستفادة من المقومات الاقتصادية الأخرى التي تتميز بها المنطقة، وتعزيز الاستثمارات الداخلية والخارجية في المشاريع التي يمكن أن تخلق مزيد من فرص العمل للمواطنين في الدول النفطية. اليوم فان مهمة الاستمرار في دفع عملية تحسين أسعار النفط تقع على جميع الدول المنتجة لهذه السلعة، بحيث لا يتم الاختلال بهذا الاتفاق الذي سوف تقوم بمتابعته لجنة مراقبة وزارية تتضمن الكويت وفنزويلا والجزائر وستعمل عن كثب على مراقبة تطبيق التزام جميع الدول الموقعة على الاتفاق.