صحافة

الأيام : كاسترو.. آخر الكبار

02 ديسمبر 2016
02 ديسمبر 2016

في زاوية آراء كتب رجب أبو سرية مقالا بعنوان: كاسترو.. آخر الكبار، جاء فيه:

برحيل فيدل كاسترو، يكون واحد من أعظم رجالات القرن العشرين قد مضى، بإرث إنساني عظيم، لا يمكن للنسيان أن يطويه بسهولة أو يسر، فالرجل الذي عرفته البشرية بعد أن نجح في إسقاط نظام باتيستا الذي كان يحكم كوبا، عام 1959، برفقة المناضل الأممي ارنستو تشي جيفارا، وظل طوال خمسة عقود تلت ذلك الحدث قائداً لكوبا على طريق المساواة والعدالة الاجتماعية، كان واحداً من رجال قادوا عالم ما بعد الحرب الباردة إلى أن يكون عالماً أكثر عدالة وتحرراً، فوقفوا في وجه الاستبداد والاستغلال والقهر العالمي، الذي تمثله الإمبريالية العالمية.

كان يمكن للحلفاء المنتصرين بنتيجة الحرب العالمية الثانية أن يعيدوا توزيع العالم فيما بينهم، كما فعلوا بعد الحرب العالمية الأولى، لولا أن كان هناك اتحاد سوفياتي، الذي كان شريكا في دحر دول المحور في الحرب، بل انه تكفل بإلحاق الهزيمة العسكرية بجيش هتلر، في الوقت الذي كانت فيه الولايات المتحدة تهزم الجيش الياباني، والذي مد يد العون والمساعدة لدول شرق أوروبا الفقيرة، والتي كان معظمها قد احتل من قبل النازي/‏‏الألماني.

امتدت أصداء الفكر الاشتراكي إلى المحيط الأوسع، بعد إنشاء منظومة الدول الاشتراكية، لتشمل أربعة أرجاء الأرض، فتنطلق موجات ثورة التحرر العالمي فتشمل آسيا، أفريقيا، أمريكا اللاتينية، فيظهر قادة وأبطال أشاوس، قادوا شعوبهم للانعتاق من ربقة التخلف والجهل والاستبداد والاحتلال الأجنبي معاً: ظهر جمال عبد الناصر، احمد سوكارنو، جواهر لال نهرو، باتريس لومومبا، جوزيف بروز تيتو، في خمسينيات القرن الماضي، ثم ظهر نيلسون مانديلا وياسر عرفات.

تضاعفت أهمية ظهور هؤلاء القادة حين شكلوا حلقة واسعة من الكفاح ضد الاستعمار الجديد، وضد محاولة الإمبريالية الغربية بقيادة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي الاستمرار في نهب خيرات وثروات الشعوب الضعيفة في آسيا وأفريقيا _ خاصة _ فتوحدوا ضمن ما سمي بدول عدم الانحياز، ورغم أن عدم الانحياز اختارت طريقا غير متطابق تماما مع النظام الاشتراكي/‏‏الشيوعي، بل مكانا وسطا بين المعسكرين العالميين، إلا أنها وجدت في المعسكر الشرقي حليفا لها، مقابل ما أظهره لها المعسكر الغربي من عداء، وصل إلى حد اندلاع عدة حروب ساخنة في أفريقيا وآسيا، كان منها العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 حرب الكوريتين، حرب فيتنام، حرب الجزائر، لكن أهم حدث كان ذلك الذي ظهر على مقربة أميال فقط من حدود الولايات المتحدة الأمريكية.

أي أن الجغرافيا لعبت دورا إلى حد ما في السياسة، ذلك أن تأثير الاتحاد السوفياتي انحصر في النصف الشرقي/‏‏الجنوبي للكرة الأرضية، حيث عادة ما يكون الجنوب والشرق أكثر فقرا، فيما كان النصف الغربي/‏‏الشمالي للعالم ضمن نفوذ الإمبريالية بزعامة الولايات المتحدة.

وبحكم التاريخ والجغرافيا، نظرت واشنطن إلى أمريكا اللاتينية _ خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، التي نجم عنها ثنائية جديدة في قيادة العالم، بعد ثنائية بريطانيا _ فرنسا /‏‏ ألمانيا _ اليابان، هي ثنائية الولايات المتحدة /‏‏الاتحاد السوفياتي _ نظرت واشنطن لأمريكا اللاتينية باعتبارها حديقتها الخلفية، التي لا تسمح لأحد ولا حتى للحلفاء الغربيين بالدخول إليها.

وكانت كوبا بالذات، تكاد تكون محمية أمريكية، حيث جعلت منها واشنطن ملهى ليلياً لضباطها، ورجال مخابراتها، فهي لا تبعد أكثر من ثمانين ميلاً عن شواطئها الشرقية، هذا وقد اتشحت ثورة كاسترو الكوبية بوشاح اشتراكي/‏‏شيوعي، وكانت اقرب دول العالم الثالث لحلف وارسو، وهذا ما أثار حنق واشنطن التي سعت لإسقاط نظام كاسترو بعد عامين فقط من إقامته، أي في العام 61 فيما عرف بغزو خليج الخنازير، وحيث إن المحاولة قد فشلت، قامت واشنطن بفرض حصار بحري على كوبا استمر منذ العام 1960_ 2015، أي انه استمر أكثر من نصف قرن! لكن ورغم أن المعسكر الاشتراكي قد انهار وتفكك الاتحاد السوفياتي، فتبعه انهيار الأنظمة الشيوعية في كل دول شرق أوروبا، إلا أن نظام كاسترو لم يسقط ولم يتأثر حتى، مع تقدم فيدال بالعمر، وتنحيه عن السلطة لصالح شقيقه ورفيقه راؤول.

هذا القبول لنظام كاسترو يستحق التأمل والخروج بالعبرة والدرس، فكاسترو ظل محبوبا من الشعب الكوبي، بل ومن ملايين البشر، بعد أن خرج بكوبا من الحظيرة الأميركية، وأعاد لها كرامتها، وبعد أن جعل التعليم والصحة مجانا، بل وفتح أبواب جامعات بلاده للشعوب الفقيرة في كل أنحاء الدنيا، وأرسل مئات الأطباء لمعالجة المرضى في كل مكان من العالم، مجاناً.

نعتقد بأن «كاريزما» كاسترو لعبت دوراً أساسياً في الحفاظ على النظام الثوري الكوبي، كذلك استناده إلى ارث سيمون بوليفار، خاصة حين قام شريكه وتوأم روحه _ جيفارا بمتابعة طريق الثورة الأممية في بوليفيا حيث استشهد، ما جعل من كاسترو بطلاً شعبياً في كل أمريكا اللاتينية لدرجة أن يتقرب منه نجوم الأدب _ ماركيز، والرياضة _ مارادونا.

لن تنسى كوبا بطلها القومي الذي ستظل تعرف في العالم مقترنة باسمه، سنين طويلة، ولن ينسى فقراء العالم، أحراره وثواره اسم فيدال كاسترو حتى عقود قادمة، وسيظل اسمه أثيرا لدى مناضلي فلسطين، الذين حمله المئات منهم «كاسم حركي»، وستبقى ذكرى الرجل ملهمة وباعثة على الثورة والتحرر لدى ملايين البشر، ولعقود طويلة من السنين.