إشراقات

العقيدة الصحيحة.. هي الحل

01 ديسمبر 2016
01 ديسمبر 2016

خميس بن سليمان المكدمي -

إنَّ غرس العقيدة الصحيحة الصافية، وتربية الناشئة على حب الأرض والوطن، وتنقية وسائل التواصل الاجتماعي من الشوائب؛ ومعرفة عدو الأمة معرفة عن كثب كلها عوامل بناء لصرح الأمة، وانتشال لها من هجير الإرهاب، وصون لها من تيارات التغريب والإلحاد، وحفظ لها من الأفكار المنحرفة والتي يساء بها فهم الدين، فالإرهاب الحقيقي هو ذلك الوجه الذي سقط عنه القناع ليعود داعيا إلى جاهلية جديدة جهلاء لا ترعوي فيه إلا ولا ذمة ولا تقيم قدرا لقيم.

ما ابتليت الأمة الإسلامية بالإرهاب وناره وويلاته، واصطلت بسعيره وهجيره؛ كما ابتليت به في هذا الزمان الكدر، وهو ليس وليد هذا الزمن وإنما كان الصراع بين الحق والباطل وما زال، فمنذ أن خلق الله -سبحانه وتعالى- الإنسان واستخلفه في هذه الأرض فهو محتدم، وسيبقى قائما إلى أن يرث الله -جل وعلا- الأرض ومن عليها، ولأنه باق كذلك؛ فقد اقتضت عناية الله العظيم وحكمته أن تتوالى رسل الله -سبحانه وتعالى- هادية الأنام إلى ما فيه خير وسعادة، وسمو ورفعة، منذ نزوله وحتى ختام الجميع بالصادق المصدوق -صلوات الله وسلامه عليه- فقد تتابعت لإقامة الحجة على الخلق، وجلاء الحق من الباطل، والصواب من الخطأ، قال تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) الأعراف وقال جل ذكره: (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى، قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى)، وقال جل ذكره:(إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاودَ زَبُوراً، وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً، رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً) سورة النساء.

ومع تتابع رسل الله جل وعلا والأنوار الهادية إلى سواء الصراط؛ فإن طائفة من الناس، تتبع غيها، ويستحكم بها الهوى، وتنحرف بها السبل، تسعى سعيا حثيا لطمس معالم النور وإحلال الدياجير محلها، من خلال ما تمارسه من إرهاب فكري ومادي ومعنوي، ساعية بذلك إلى محاربة الهدى فيما يمليه عليها العدو الأول من أفكار ضالة زائغة منحرفة تسعى إلى الانحراف بالدين، وزج الناس في أتون الظلم والظلام، وإفساد الصغير والكبير، وطمس معالم النور في هذا الدين القويم، يقول الحق - سبحانه وتعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ، وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ)، وهذا الزيف والانحراف والزيغ بلا شك عواقبه وخيمة توجب سخط الله على الإنسان في الدنيا والآخرة يقول الحق جل ثناؤه: (ألَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْراً وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ، جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ، وَجَعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً لِّيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ)، كما أن الأفكار الإرهابية تلصق بالأمة كثيرا من التهم هي منها براء ولكن لأن أفرادها اعتنقوها وفهموا الدين فهما سطحيا، وتصرفوا وفق هذا الفهم أدى ذلك إلى ظهور كثير من المصطلحات التي تسمها بسمات ما أنزل الله بها من سلطان، وبذلك خلقت لنا ما يسمى بمصطلح الإسلامفوبيا وهو الخوف من كل مسمى يمت بصلة للإسلام والدين ولم ولن يكون دين الله كذلك في يوم من الأيام بل جاء رحمة للعالمين وهداية للخلق أجمعين كما أنه جاء حجة على المعاندين المستكبرين السائرين على دروب الزيغ والتيه.

إن الناظر المتأمل في هذا الزمان الذي نعيش فيه بقاء قوى الشر واستفحال نفوذها، وسعيها للهيمنة على العالم من خلال بث سمومها وإحكام سيطرتها واطراحها للدين، وحصره داخل المساجد وغيرها من دور العبادة، وكأن الدين ضرب من الأفيون أو من الأشياء الكمالية التي تكون حاجتك إليها في نطاق ضيق محدود وهذا ما لا يقره ديننا الإسلامي الحنيف ولا يرتضيه لمن رضي به دينا واقتفاه نهجا وهديا يمضي عليه العارفون قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) فهل هناك إرهاب أكثر من تشويه صورة الحق وبث السموم الهدامة في قلوب الخلق، والسعي سعيا حثيثا لفصل الأمة عن مصدر سموها وموئل عزتها، وسبيل رفعتها.

لكم تتأسف النفوس حقًا أن يعود الإسلام غريبا، وتسود وترتفع راية أفكار هي في الأساس مجلبة شقاء على البشرية، ومعاول هدم للإنسانية، وإقرار بالظلم والظلام، وما كان الإسلام في يوم من الأيام مقرونا بمصطلح الإرهاب إلا عندما راجت الأفكار الهدامة المنحرفة التي تمارس الإرهاب.

إن الفكر الهدام هو ذلك الفكر المخالف لشرع الله -عز وجل- وحائد عن سبيل المؤمنين، وسائر إلى زرع بذور الشقاق بين أبناء الأمة عامدا إلى غرز خنجره في خاصرة الأمة بغية القضاء عليها وكسر شوكتها والاستيلاء على خيرها وتمييع شبابها وغير ذلك من الفتن المدلهمة التي ينبغي أن تتفطن له الأمة، فالإرهاب الحقيقي هو ذلك الوجه الذي سقط عنه القناع ليعود داعيا إلى جاهلية جديدة جهلاء لا ترعوي فيه إلا ولا ذمة ولا تقيم قدرا لقيم، ويمكن أن نقسمه إلى قسمين هما قسم متعلق بالكفر بالله جل وعلا وإنكار وجوده جملة وتفصيلاً كالدارونية والماركسية واللاوجودية، فهذه المذاهب لا تعترف بوجود خالق عظيم لهذا الكون يسوس أموره ويدبر شؤونه وكأن الوجود في فكرها أوجد نفسه من غير خالق ويقولون عن الدين «إنه الغذاء الخادع للضعفاء لأنه يدعوهم إلى احتمال المظالم في الوقت الذي لا يتمكن من إزالتها». وأحيانًا يقول: «هو خمرة الشعوب يروضها على الفقر والمسكنة ويلهيها بما يغريها من نعيم الآخرة عن نعيم الدنيا ليستأثر به سادة المجتمع ويغتصبوا منه علانية أو يسرقوا منه خلسة ما يطيب لهم أن يغتصبوه أو يسرقوه».

وإذا كانت هذه الأفكار من الخطورة بمكان وسبب بالغ لانتشار الإلحاد وتمييع الدين، فإن الخطر على الأمة في هذا الزمان جد عظيم، وكيف لا يكون كذلك؛ ونحن نعلم بأنا قد وصلنا مرحلة من التقدم التقني والمعلوماتي، الذي يسهل وصول المعلومة ويجعلها في متناول الجميع، لا فرق في ذلك بين بعيد أو قريب، وبين عدو أو حبيب، فالكل يستطيع الوصول لما يريد وقتما يريد دون عسر وصعوبة، وهذا ما يجعل تربية الأجيال ووقايتهم من هذه المخاطر على المحك، فإن صفحة أبنائنا صفحة صافية نقية تستطيع أن تخط فيها بياضها ما يحلو لك، فكيف إذا استطاعت هذه المذاهب أن تصل إلى عقول الصغار، فهي بلا شك طامة كبرى وكارثة عظيمة وداهية دهياء، لن تجنى الأمة من قبلها إلا العناء والنصب والمشقة والوصب.

إنَّ غرس العقيدة الصحيحة الصافية، وتربية الناشئة على حب الأرض والوطن، وتنقية وسائل التواصل الاجتماعي من الشوائب؛ ومعرفة عدو الأمة معرفة عن كثب كلها عوامل بناء لصرح الأمة، وانتشال لها من هجير الإرهاب، وصون لها من تيارات التغريب والإلحاد، وحفظ لها من الأفكار المنحرفة والتي يساء بها فهم الدين، فتجد قتلا باسم الدين، وتكبيرا على رقاب البؤساء المستضعفين، فكل ذلك لن يحفظ للحمى، ولكن ستتداعى في ظل ذلك الأكلة على أمتنا تداعي الغنم على قصعتها ويصدق ذلك حديث يرويه ثوبان، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «توشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها»، فقال قائل: ومِن قلة نحن يومئذ؟ قال: «بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن»، فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: «حب الدنيا، وكراهية الموت» والله من وراء القصد.