852824
852824
إشراقات

ريادة الأمة منوطة بصلاح القلوب وتهيئة النفوس بمنهج الله تبارك وتعالى

01 ديسمبر 2016
01 ديسمبر 2016

العلم يورث المؤمنين خشية القلوب والتقوى -

كل مسلم أيقن بأمر الدعوة فهو أهل لتلقي هدايات الإسلام وأنواره -

أوضح فضيلة الشيخ الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام للسلطنة أن أداء أمانة قيادة الأمة وريادتها منوط بصلاح القلوب وتهيئة النفوس بمنهج الله تبارك وتعالى، ذلك أن هذه الأمة عبر تاريخها لم يتحقق لها العز والسؤدد إلا بتمسكها بكتاب ربها.

وبين فضيلته أنه إذا ما أيقن كل إنسان أنه معني بأمر الدعوة وأنه موضع لها، فإنه أهلٌ لأن يتلقى هدايات الإسلام وأنواره، لأنه سوف يزيل عن قلبه الغشاوات التي تغلف القلب عن وصول أنوار هذه الهداية. وأكد فضيلة مساعد المفتي أنه ليست العبرة بمقدار ما يتلقاه الإنسان من معلومات ومعارف، ولكن العبرة بمقدار شكر العبد لله تعالى على النعم التي أوتي إياها .. جاء ذلك في محاضرة له بعنوان «دعوتي حكمة» فإلى المزيد مما جاء في المحاضرة..

وقال فضيلة الشيخ: إنه خلال عشر سنوات من الآن سيبلغ تعداد المسلمين ما نسبته أكثر من 30 في المائة مقارنة بالمنتسبين إلى الملل الأخرى، هذا يعني أنه خلال عشر سنوات من الآن أو كما تقول هذه الأبحاث الاستشرافية الاستراتيجية، بأن نسبة المسلمين في عام 2025 ستكون 31 في المائة.

ومع نهاية القرن أي خلال ثلاثة أجيال أو خلال جيلين من الآن على حد أقصى ستكون الغلبة العددية للمسلمين، أي ستكون نسبة المسلمين في العالم أكثر من 50 %.

وأضاف: إذا كنا نتحدث عن العقد القادم بحيث ستبلغ نسبة المسلمين حينئذ ثلاثين في المائة، فإن السؤال هو ماذا أعددنا؟! لأن هذا الواقع الذي سينتهي إليه بإذن الله حال العالم سيرتب مسؤوليات، وسيحتم على هؤلاء الذين ستكون لهم الغلبة واجبات، وسيلقي عليهم أمانات، ولا يصلح أن يضل المسلمون في غيهم سادرين، حتى إذا ما فاجأتهم الظروف والأحوال، بحثوا عن الحلول والوسائل التي يتمكنون بها من أداء واجب القيادة وتحقيق مسؤولية ريادة الناس، لا بد أن نتهيأ لذلك من الآن، بل الحكمة تقتضي أن يكون الاستعداد من الآن لما سيؤول إليه حال العالم في العقد الثاني ثم الثالث ثم الرابع من الآن، ولا يمكن أن نتدافع المسؤوليات، كل واحد منا اليوم يتحمل قسطه من هذه المسؤولية طالما أن الشعار الذي ننتسب إليه هو قول الله تبارك وتعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) فإن هذا يعني أن كل واحد منا معني بهذا الخطاب، وعليه أن يتحمل حظه من أداء هذه الأمانة.

إصلاح القلوب بمنهج الله

وقال فضيلة الدكتور مساعد المفتي: إن أداء أمانة قيادة الأمة وريادتها منوط بأمر يسير، رغم قساوة الظروف، وتكالب الخطوب، وما يبدو لكثير من العقلاء في هذه الأمة، من اجتماع الخصوم وتكالب الأعداء، إلا أن المخرج في أيدي المسلمين، ولا يستدعي منهم إعمال فكر، ولا عصر أذهان، ولا كثيرا من البحث والتقصي، لأن هذه الأمة عبر تاريخها، ما تحقق لها العز والسؤدد إلا بتمسكها بكتاب ربها، ومن أجل ذلك فإن العدة التي نحتاج إليها إنما تكمن في قول الله تعالى: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ)

وأضاف د. كهلان الخروصي: ينبغي لنا أن نهيئ أنفسنا إذا كنا نوقن إيقانا تاما على قدرتنا على قيادة هذه الأمة، وعلى أداء المسؤولية الحضارية الدينية التي شرفنا بها ربنا جل وعلا حينما جعلنا من أمة خاتم الأنبياء والمرسلين، خير أمة أخرجت للناس، فإن إيقاننا هذا يستلزم منا تهيئة واستعدادا، وهذه التهيئة وذلكم الاستعداد أيضا ليس بالأمر العسير، لأن مناط هذه الأهبة إنما يكمن في صلاح القلوب، وفي تهيئة النفوس، وفي إحياء هذه القلوب بمنهج الله تبارك وتعالى، فاليوم حينما نجد أن كل أحد يسلك بنفسه في قول الله تبارك وتعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) وفي قوله تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) وفي قول الله عز وجل: (وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) فينصب كل واحد منا نفسه داعية إلى الله تبارك وتعالى، وينسى نفسه أنه مدعو إلى سبيل الله، فإن هذا من أولى الأخطاء التي يجب أن تصحح، فعلى كل واحد منا أن يعلم يقينا أنه مأمور بهذا الخطاب، مأمور بأن يجعل نفسه في موضع الدعوة، ومن الذي دعاه؟! الذي دعاه هو ربه جل وعلا حينما خاطبه قائلا: (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) وداعيه هو محمد صلى الله عليه وسلم، (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا) فلا بد أن يجعل كل واحد منا نفسه في موضع تلقي هذه الدعوة، ليستلهم منها الحكم والعظات والأحكام، ليأخذ منها الرسالة التي جاء بها هذا الدين، وهي رسالة حق وهدى، وهي رسالة شريعة من عند الله تعالى، وهي رسالة خلق فاضل نبيل قويم، هي رسالة حق، كما قال الله تعالى: (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا).

وأكد فضيلة الدكتور مساعد المفتي: أنه إذا ما أيقن كل واحد منا انه في موضع الدعوة، فإنه أهلٌ لأن يتلقى الهدايات، سوف يهيئ نفسه ووجدانه وضميره وعاطفته وعقله وفكره لتلقي أنوار الوحي، وسوف يزيل عن نفسه الغشاوات المتراكمة، وسوف يزيل عن قلبه غشاوات الطبع والهوى التي تغلف القلب، ويمكن أن تحول بينه وبين وصول أنوار هذه الهداية.

العبرة بمقدار شكر

وأوضح فضيلة الدكتور أنه ليست العبرة بمقدار ما تحشى به الأدمغة من معلومات، - مع أن مزيد العلم هو من نعم الله تعالى على هذا العبد، شأنه في ذلك شأن سائر النعم كالصحة والمال والقوة والولد والجاه والشرف وغيرها من النعم - ولكن العبرة بمقدار شكر هذا العبد لهذه النعم التي أوتي إياها، ولذلك نفهم قول الله تعالى مخاطبا نبيه : (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا)؛ لأن زيادة العلم في ذاتها نعمة، وحينما يقدر العبد هذه النعمة ويشكر الله عليها؛ فإن ازدياده في هذه النعمة أمر محمود مندوب، وشرف ينبغي له أن يسعى إليه، أما إذا كان ينسلخ مما آتاه الله تعالى، ويتنكب الطريق، ويخضع عالم الغيب لموازين الحساب، فإنه حينئذ سيضل الطريق، واسمعوا إن شئتم قول الله تعالى :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) ولم يقل بين المرء وعقله، ثم قال: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).

وأضاف فضيلته: لا بد لنا أن نجدد الإيمان في قلوبنا، لكي نحيا الحياة التي أرادها لنا ربنا جل وعلا، وإنَّ استمساكنا بمبادئنا هو خير عدة لما نرجوه لأنفسنا من ابتغاء رضوان الله تعالى، ولما نرجوه لأمتنا ولهذه الحياة من خير وسلم وأمن وأمان في ظلال دين الله تبارك وتعالى.

الدعوة بالموعظة الحسنة

وفصّل فضيلته الحديث عن دلالات قول الله تعالى فقال: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ).. فقال: لماذا لم يقل: ادع إلى الإسلام ؟ لماذا لم يقل ادع إلى دين الله القويم؟ وإنما قال: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ) والسبيل تدور معانيها حول الطريق، فالدعوة إلى الطريق هو أن تأخذ بيدك وبيد غيرك إلى معالم هذا الطريق، ومن الناس من يسير فيه سريعا ومنهم من يسير فيه بطيئا، ومنهم من يكون متعجلا؛ لأنه سبيل الله، فما عليك إلا أن تدعو الناس إلى هذا السبيل، ثم تكون النتائج بيد الله سبحانه وتعالى، لأنه بيده سبحانه هداية القلوب : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) سيظهر من يكتنف واقعَه كثيرٌ من الغبش، ومن يخضع للأوضاع القاهرة، ومن يبرر الواقع، فيقدم التنازلات إثر التنازلات، ويتساهل في دينه، ويتنازل عن مبادئه، لكن الله سبحانه وتعالى لم يكلنا إلى أنفسنا حتى هذا الشأن، وإنما قال: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ) لو تأملنا في هذه الآية الكريمة من سورة الروم، لنفت عنا كثيرًا من الشكوك والريب والأوهام والخوف على المستقبل، فهذا الخطاب لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ) ثم قال: (وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ) إن الذين لا يوقنون هم أولئك الذين يرتابون في وعد الله عز وجل، بنصر هذا الدين، وبإعزاز هذه الأمة، إنهم أولئك الذين طبع الله على قلوبهم، كما في الآية السابقة مباشرة، والآية التي سبقت هذه الآية الكريمة فيها: (كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ، فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ)، ففي الآية الأولى قال: (الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)، وفي الآية الأخيرة قال: (الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ) إذن الذين لا يعلمون ليسوا أولئك الجهلة الذين لا حظ لهم من العلم ولا نصيب، وإنما أولئك الذين لا يورثهم العلم خشية في قلوبهم وتقوى لله تعالى، ولا يورثهم يقينا بالله عز وجل، وثقة بنصره؛ مما يدفعهم قطعا إلى الاستمساك بما أمرهم الله تعالى بالاستمساك به.