
دماء شيرين أبوعاقلة التي تنير العالم
لم تكن الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة تحمل في يدها بندقية، ولم تتخندق خلف متاريس الرمل أو ألواح البلاستيك المضاد للرصاص، ولم تنزل قبيل قتلها من سيارة الجيب البنية الشهيرة لقوات الاحتلال الإسرائيلي وسط حماية مشددة لتهدم المنازل على أهلها أو لتروع الأطفال وهم في طريقهم إلى المدرسة.. كانت تحمل لاقط صوت وإلى جوارها تسير كاميرا محمولة تنقل عبر عدستها إلى العالم «الحر» جرائم الاحتلال الإسرائيلي وهو يروع الناس أطفالا وشيوخا ونساء، وهو يقنص الشباب ببنادقهم الآلية، ويهدم البيوت فوق رؤوس ساكنيها. تركت «أبوعاقلة» فراشها الوثير فجرا وخرجت لتوثيق ما يحدث في جنين، المدينة التي يعيث فيها الاحتلال الإسرائيلي فسادًا وقتلًا وتدميرًا منذ الشهر الماضي، وفي الحقيقة منذ أن بدأ هذا الاحتلال المقيت على أرض فلسطين الطاهرة، فعلت ذلك مثلها مثل عشرات المراسلين والصحفيين من مؤسسات إعلامية وصحفية فلسطينية ودولية من الذين يمارسون عملهم الصحفي اليومي، ورغم معرفتها بهمجية الاحتلال وغدره إلا أنها كانت تعتقد أنه لن يقدم على مثل هذه الجريمة النكراء حفاظًا على آخر قطرة عرق في جبين القوانين والأنظمة الدولية التي تحمي الصحفيين وتجرم الاعتداء عليهم وهم يمارسون عملهم. لكنها لم تعلم على ما يبدو أن تلك القطرة لم تكن موجودة من الأساس حتى يقال إنها سقطت ذات صباح ملتهب وساخن، وأن إسرائيل كانت على الدوام تضرب بكل القوانين والأنظمة الدولية عرض الحائط وعلى مسمع ومرأى العالم، وبموافقة وتأييد من القوى الكبرى فيه.
إذًا، لا يمكن أن يُقال إن مقتل شيرين أبوعاقلة قد فضح حقيقة إسرائيل للعالم، ولا يمكن القول إنها فضحت معايير الغرب المزدوجة فكل هذا قد فُضح منذ عقود طويلة ووعته الشعوب الحرة التي تحترم مبادئها وتحافظ على وعيها ولا ترضى أن تكون مغيبة عن الحقيقة. فما حدث مع شيرين قد حدث لصحفيين غيرها في فلسطين ولأطفال في عمر البراءة ولعجزة ولنساء ولمثقفين ومفكرين وفنانين لأن رسالتهم دائما كانت واحدة وصوتهم كان على الدوام صوتًا واحدًا ضد الاحتلال وهمجيته، وهذا الصوت الذي على العالم أجمع أن يهتف به وفي وجه أي عدوان في أي مكان وفي أي زمان.
ذهبت شيرين أبوعاقلة إلى عالم آخر في يوم مؤلم من أيام الصحافة وفي يوم ممتد من أيام فلسطين، لكنّ دمها هي وجميع الأبرياء الذين يسقطون ظلما وعدوانا في فلسطين وفي جميع أنحاء العالم لن ينسى أبدا، وستنير تلك الدماء الطاهرة هذا العالم حتى يندحر الاحتلال ويسقط الظلم والظالمين.