No Image
رأي عُمان

أثر دلالة المصطلحات في حرب غزة

20 نوفمبر 2023
20 نوفمبر 2023

لم يقتصر الدعم الغربي للحرب التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة على الجانبين السياسي والعسكري بل تعدى ذلك إلى استدعاء مجموعة مصطلحات لغوية وصفت بها حماس لنزع أي صفة سياسية عن فعل المقاومة الذي تقوم به أو أي صفة إنسانية عن أعضائها. وألصق الخطاب السياسي الغربي، وبشكل خاص الأمريكي (في الصحافة وكذلك في البيانات السياسية التي يدلي بها الساسة بمن فيهم الرئيس الأمريكي ووزير خارجيته) صفات مثل: الوحشية، والشر المطلق، والكراهية، والنازية، والدموية، والمحرقة، على الهجوم الذي نفذته حركة حماس يوم السابع من أكتوبر الماضي.. ووقع دلالة هذه المصطلحات في الثقافة الغربية أكبر بكثير مما يمكن أن نتصوره في الدلالة المقابلة لهذه المصطلحات عند نقلها للغة العربية. ومهّد هذا الخطاب الذي استخدم بشكل واعٍ جدا لارتكاب إسرائيل مجازر مروعة في حق المدنيين الفلسطينيين وبشكل خاص الأطفال والنساء، فهم بناء على السردية الغربية ومصطلحاتها ليسوا بشرا، وهذا ينطبق على جميع سكان غزة حتى من لم يكن له أي علاقة بحماس من قريب أو من بعيد كما هم الأطفال على سبيل المثال، إنهم أقرب إلى وحوش مسعورة وتخوض إسرائيل حربها ضدهم من أجل إرساء دعائم الحضارة ضد الهمجية البربرية.

وكان ملاحظا منذ البداية الربط المدروس بين حركة حماس وتنظيم داعش من أجل تبرير الإبادة الجماعية التي تقوم بها إسرائيل بموافقة ودعم الغرب.. فلم يعترض أحد، تقريبا، في العالم العربي ولا الغربي، بالتأكيد، عندما كانت أمريكا وحلفاؤها يبيدون تنظيم داعش في العراق وفي سوريا.. وكانت الدول الغربية عبر هذا الربط تعتقد أنها تستطيع رسم نفس الصورة الذهنية عن حركة حماس، وقد نجحوا في الأيام الأولى، على الأقل، قبل أن يستعيد العالم وعيه بحقيقة ما يحدث وخرجت المظاهرات المليونية في المدن الغربية قبل العربية.

ولا بد من الإشارة إلى أن هناك مقالات منصفة كتبت في الصحافة الغربية فرقت بشكل لا لبس فيه بين فكر حركات المقاومة الفلسطينية وبين فكر داعش، كما فرقت بين فكر حماس وفكر تنظيم القاعدة.. ورغم أن المؤسسات السياسية والأمنية في أمريكا وفي عموم الغرب تعرف الفرق تماما وقد يكون بعضها شريكا في صياغته إلا أنها ما زالت تصر على المماهاة بينهما؛ ولذلك أعيد مرة أخرى استدعاء مصطلح «الجهاد» رغم أن جميع حركات المقاومة الفلسطينية لم تقدم نفسها باعتبارها حركات «جهاد» وفق المفهوم الغربي لدلالة هذا المصطلح إنما تقدم نفسها باعتبارها حركات مقاومة.. وهذا أحد أسباب رفض مجلس الأمن، حتى الآن، وصف حركة حماس بأنها إرهابية كما فعلت وزارة الخارجية الأمريكية والاتحاد الأوروبي ما يدل على أن هذا التصنيف إنما هو تصنيف «سياسي» يخدم الأجندة الغربية ولا يتسق مع واقع حال حركات المقاومة التي لم يكن لها في يوم من الأيام أي نشاط خارج الأراضي الفلسطينية «المحتلة».

الملفت في الأمر، أيضا، أن أحد خطب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وهو يتحدث عن الهجوم الذي قامت به حركة حماس يوم ٧ أكتوبر الماضي لم يتجاهل السياق التاريخي للفعل واعتبره رد فعل طبيعيا لوضع قطاع غزة في سجن كبير لأكثر من عقد ونصف قبل أن يعود ويقول إن «مظالم الشعب الفلسطيني لا يمكن أن تسوّغ الهجمات المروعة من قبل حماس» بعد أن انتقد نتانياهو تصريحه السابق.

إذن هناك حرب مصطلحات بهدف تكريس دلالتها السياسية والإنسانية لدعم العدوان الإسرائيلي وتسويغه أمام الجماهير الغربية وعلى الجميع في العالم العربي أن يكون واعيا لهذه المصطلحات والسياق الذي تستخدم فيه وليس علينا تكرارها كما حدث عند بعض الساسة الغرب الذين رددوا بوعي أو بدونه بعض هذه المصطلحات في وصف حماس وأعمال المقاومة المشروعة وفقا للقوانين الدولية والعرف الإنساني.