«حصن الشباك» بإبراء.. تحفة أثرية من فن العمارة العمانية
يعتبر «حصن الشباك» أو كما يطلق عليه البعض بالبيت الكبير أهم المعالم الأثرية التي تتوسط علاية إبراء وهو مبني من الجص والحجارة بناه الوالي الشيخ أحمد بن ربيعة الإسماعيلي الحميري أحد قادة الأسطول العماني البحري في عهد الإمام سلطان بن سيف الثاني اليعربي كما خط ذلك في أحد عقوده الجميلة والذي تم بناؤه في العقد الثالث من القرن الثاني عشر الهجري خلال الفترة من 1125 هـ إلى 1127 هـ الذي مضت على بنائه حتى الآن 3 قرون توالى عليه العديد من الولاة والقضاة في فترات متفاوتة على امتداد الدولتين اليعربية والبوسعيدية.
دور إداري وسياسي
ويؤكد الباحث ناصر بن صالح بن عبدالله الإسماعيلي بأن حصن الشباك كان في زمانه مقرا إداريا تدار منه الولايات المحيطة بولاية إبراء مثل المضيبي وصولا إلى ولايات جعلان وصور بل توجه منه المراسلات لقادة الأساطيل الحربية في فترة تحرير المحيط الهندي وسواحل الخليج العربي وخليج عمان من الاحتلال البرتغالي نظرا لدوره السياسي المهم وكان مركزا ثقافيا يحوي العديد من المخطوطات العمانية والعربية لمختلف العلوم كعلوم القرآن الكريم واللغة العربية والعقيدة والفقه والشعر والأدب والفلك وغيرها من العلوم وجلبت له المخطوطات من الولايات العمانية المحيطة والحجاز والبصرة وغيرها بل نسخت فيه العديد من المخطوطات التي تشهد على الحراك العلمي والأدبي الذي تزامن مع نشاط هذا الحصن حالها كحال المراسلات الفقهية والأدبية والشعرية والإدارية والتي لاتزال موجودة مع أحفاد مؤسس الحصن وكذلك في هيئة الوثائق والمحفوظات العمانية والتي تظهر بجلاء الدور الذهبي الذي لعبه هذا الحصن في الحياة العلمية والإدارية على امتداد الفترة الزمنية التي كان فيها مركزا إداريا وعلميا ومقصدا للولاة والقضاة والفقهاء والنساخ وطلبة العلم.
الطابع العمراني للحصن
ويواصل الباحث ناصر الإسماعيلي حديثه عن الطابع العمراني في حصن الشباك بأن الطابع العمراني العماني كان سائدا في تلك الحقبة الزمنية بشكل ملفت حيث كان البناء في تلك الفترة من الحجارة والجص العماني حيث يتكون من أربعة طوابق في بعض أجزائه على شكل نصف دائرة والبعض يشبهه بالسفينة الراسية كما يتميز الحصن بالعقود المزينة بالنقوش الجميلة وبصحون الخزف التي جلبت من الصين والتي كانت باقية حتى فترة وجيزة إلا أنها تأثرت بعوامل الزمن وطالتها يد التخريب، ويحتوي الحصن على زنزانتين لحبس السجناء ومخازن للتمر والمواد الغذائية وبئرين للشرب حاله كحال الحصون العمانية التي تسعى للاكتفاء الذاتي من الماء والطعام عند الحاجة كما يحتوي الحصن على غرف متعددة للسكن بمساحات متفاوتة والتي سقف بعضها بنظام (الكفي) وهو من العقود على شكل المحراب لا تستخدم فيه الأخشاب للتسقيف ليحافظ على درجة الحرارة شتاءً والبرودة بالصيف وبه أماكن للوضوء ودورات مياه وسلالم للطوابق العلوية وبه برج علوي يحتوي على أربعة طوابق وكان سقوطه سببا لانهيار الجزء الشرقي من الحصن.
باب حصن الشباك
وقال ناصر الإسماعيلي بأن باب الحصن يعد تحفة نادرة من أضخم وأجود الأبواب في الحصون العمانية وتم صنع الباب في منطقة «ميسور» التي كانت تعرف بمنطقة (سرت) قديما بالهند وذلك في شهر محرم من عام 1126هـ أي قبل 317 عاما ويعتبر هذا الباب من الرموز التاريخية القديمة وهو يناهز الباب الموجود بحصن الحزم ويحتوي على رسومات ونقوش مختلفة بالإضافة إلى الشعار البريطاني التاج والأسد والحصان وزهرة تري روز، كما أن هذا الباب يمتاز بكبر حجمه وضخامته وبه مسامير كبيرة الحجم وكذلك حلقات غلقه حيث نقش فيه على الجانب الأيمن للسيد المعظم أحمد الإسماعيلي الحميري أعز الإسلام وفي الجانب الأيسر صنع في سرت المحرم سنة 1126هـ ويوجد باب حصن الشباك حاليا بالمتحف الوطني العُماني وهو خير شاهد على الحضارة العُمانية وعلى العلاقات والصلات التجارية والسياسية العُمانية مع مختلف الدول الخارجية وشركة الهند الشرقية، إبان عهد دولة أئمة اليعاربة، فقد صنع هذا الباب في سورات، التابعة لسلطنة مغول الهند من خشب الساج والنحاس الأصفر. إذ نقشت به زخارف نباتية منحوت بينها بشكل بارز أسد وخيل واقفان على رجلين ومتقابلان يرتدي كل واحد منهما خوذة حربية، رمزا للقوة والشهامة. كما يعرض باب آخر من الحصن أصغر منه حجما بمجلس بني إسماعيل بقرية النصيب بولاية إبراء والذي يحتوي على مجموعة من النقوش والزخارف الجميلة.
المطالبة بترميم حصن الشباك
ويؤكد الباحث ناصر بن صالح بن عبدالله الإسماعيلي بأن حصن الشباك بولاية إبراء يحكي تاريخا شامخا من تاريخ سلطنة عمان وستظل أطلاله تتهاوى بين فترة وأخرى ليبحث عمن يعيد حجارته لبعضها البعض كما كانت على أمل أن تتظافر الجهود بين الجهات الحكومية والخاصة لترميمه ليبقى ذاكرة حاضرة تخلد تاريخ حقبة من التاريخ العماني خاصة وأنه تحيط به مجموعة من البيوت الأثرية والتي تم بناؤها في فترات زمنية متقاربة للفترة التي بني فيها حصن الشباك تمثل في مجموعها صورة للقرية العمانية ذات الطابع المعماري الفريد.