نوافذ السبت

05 أغسطس 2022
مفترق طرق
05 أغسطس 2022

يحضر مفهوم "لكل حادثة حديث" ليشكل منعطفا مهما لكثير من ممارساتنا اليومية، ولأن المسألة مرتبطة بحضور الزمن؛ وفق هذا المفهوم؛ فإن للزمن استحقاقات مهمة، فبقدر ما يمكن المزايدة عليه من خلال تكثيف العمل للحصول على نتائج أكثر، فإنه لا يمكن؛ بأي حال من الأحوال؛ الانتقاص منه فيما يعرف بحرق المراحل، مع أن حرق المراحل يؤدي إلى نتائج ضعيفة وهزيلة ومتواضعة، لأن الأزمان القياسية كثيرا ما يرافقها الأخطاء، والارتباك، والزمن عندما يقف موقف الوسطية فإنه يعبر عن تجريديته المعهودة، وهذه التجريدية إما أن تقبل كاملة، وإما أن يتنازل عنها كاملة، ولذلك فاستباق الأحداث، وتصدير الأحكام، وتأصيل الصور النمطية هي كلها ممارسات يفهم منها المزايدة على هذه التجريدية التي يعنون بها الزمن نفسه، فوق أن ذلك تحميلا للواقع فوق ما يحتمل، فقد يكون الواقع بسيطا، سواء في مكوناته الحالية، أو العبث بها من خلال ممارسات الناس، فالزمن في تجريديته لا داعي أن تكال عليه الكثير من التبعات؛ بناء؛ فقط؛ على توقعات قد لا تحدث إطلاقا، ومن هنا تأتي مجموعة الأخطاء التي يقع فيها الكثير من الناس، وكان من الممكن أن لا يقعوا لو أنهم تريثوا قليلا عن إطلاق الأحكام النهائية لأحداث قد لا تقع، أو تكريس صور نمطية عن أشخاص؛ على اعتبار أنهم لن يتغيروا إطلاقا، بينما هم يتغيرون ويُحَسِّنون من صورهم، ومن أفعالهم، فتأجيل عمليات التصحيح؛ سواء عن الأشخاص، أو الأفعال ".. لكل حادثة حديث "قد يفضي إلى التأصيل لما هو موجود، وقد يلحق صورا أخرى غير موجودة؛ فيفوت فرص تغيير المواقف، والنتائج؛ إما للأحسن، وإما للأسوأ، وهذه كلها مقتطعة من مساحة الزمن المتاحة للتغيير في كلا الاتجاهين (للأحسن/ للأسوأ).

هل نحن مجبرون على "عض أصابع الندم" على كثير من نتائج ممارساتنا، وأحكامنا، وتوقعاتنا، وقناعاتنا التي بنيناها على حين غفلة من استحقاقات الزمن؟ المنطق يقول أننا لسنا مجبرين على كل ذلك، وأن كل ما يقع في هذا الشرك هو فقط لأننا لم نعط مساحة آمنة، أو شاملة لحقيقة "لكل حادثة حديث" ومن هنا أيضا تأتي نتائج الأفعال ناقصة، ونتائج الأحكام متناقضة، والتوقعات فاشلة، وذلك في مرحلة عندما لا يؤخذ بالأسباب، وتترك المسائل إلى آخر لحظة التي يتسع عندها الحديث؛ إما سلبا وإما إيجابا.

قد يُمْتَحَنُ هذا المفهوم؛ ويسقط على فهم آخر؛ وهو التسويف، والتأجيل، وعدم القدرة على اتخاذ القرار الحاسم في الوقت المناسب، وهذه تموضوعات مقبولة في نفس الوقت الذي ينظر إلى العجلة فيه على أنها قد تربك النتائج المتوقعة، وأن التريث قد يفضي إلى نتائج أكثر موضوعية، وأكثر أهمية، فالمسألة لها جانبان، وكلا الجانبين مقبولين، إلا أن الانحياز، أو الانتصار على جانب دون آخر هو الذي يوقع المفهوم في مأزق التناقض، وإرباك النتائج.

وللخروج من إشكالية هذا التناقض تقتضي الحكمة أن تعالج المسائل في حينها، فأدوات الحاضر قد لا تتوافق مع القادم، لتطور الحياة، ولتغير المفاهيم، ولتجدد القناعات، وهذه مسألة شديدة الحساسية، وتحتاج إلى كثير من الجهد للتوفيق فيها، وحتى لا يقع من يكون بيده القرار في مأزق عدم قبول أفكاره ورؤيته، ولذلك فتأجيل الحديث عن حادثة حاضرة؛ يقينا؛ لن يكون مفيدا.