تداعيات حرب روسيا وأوكرانيا على القرن الأفريقي
بعد مقتل أكثر من مائة ألف جندي روسي، بحسب تقارير إخبارية، يبدو أن الحرب الروسية الأوكرانية لا تزال الحرب الأخطر وقعا على إيقاع العالم الذي ظل منتظما منذ نهاية الحرب الباردة، رغم هوامش الحروب التي ظلت تكتنف أطرافه.
هذه الحرب الأوكرانية الروسية، أحدثت آثارا كبيرة في العديد من الدوائر الجيوسياسية حول العالم، وأعادت تعريفا جديدا ونُشُطًا لتجاذبات صراع النفوذ بين روسيا وأمريكا الذي أصبحت أفريقيا اليوم من أهم محطاته المتنقلة.
فالسودان بالرغم من الحرب الدائرة فيه اليوم، لا ينفك في بعض تحالفاته الجيوسياسية عن استقطاب روسي أمريكي تعرض له العسكر بشقيهم (الجيش والدعم السريع) فالجميع يعرف زيارة قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بـ «حميدتي» إلى موسكو في نفس يوم اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية أي يوم 24 فبراير 2022، وكانت لهذه الزيارة آثار سالبة على نفوذ حمديتي داخل السودان حيث تسببت لاحقا في تسوية بدت واضحةً بين كل من حميدتي والغرب بصورة عامة، والولايات المتحدة بصورة خاصة، أدت إلى تخلي حميدتي عن طموحه السياسي عبر إعلانه إلى جانب البرهان الخروج من العملية السياسية في يوليو الماضي وإسناد السلطة إلى المدنيين بموجب الاتفاق الإطاري الذي وقع عليه كل من حميدتي والبرهان وعدد وازن من أحزاب قوى الحرية والتغيير في 5 ديسمبر 2022.
اليوم تبدو الأسباب السياسية للحرب الدائرة بين الدعم السريع والجيش ذات علاقة بسردية الحرب الروسية الأوكرانية بوضوح يتعالق في أكثر من جهة.
فمن جهة، لم يكن لحميدتي أن يخرج من العملية السياسية كعسكري لولا آثار الزيارة الكارثية التي حطت بطائرته في موسكو في نفس يوم الحرب.
ومن جهة ثانية، تضاءلت نتيجةً لمفاعيل تلك الزيارة آمال روسيا في إقامة قاعدة عسكرية في البحر الأحمر، وكانت الترتيبات لها منذ نهاية عهد البشير، لكن صراع النفوذ الشرس الذي استعر بين روسيا وأمريكا على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية انعكس على قدرة الولايات المتحدة في منع السودان من استضافة قاعدة روسية في البحر الأحمر لأن القرن الأفريقي منطقة تاريخية للنفوذ الأمريكي.
رغبة الروس في القاعدة البحرية على السواحل السودانية، وهي سواحل تبلغ مساحتها 750 كيلومترا وتمتد من حدود برنيس في مصر حتى رأس كسار في الحدود الإرتيرية، نابعة من عمق مساحة السودان الممتدة من ساحل البحر الأحمر شرقا وصولا إلى منطقة البحيرات الأفريقية ومنابع النيل، كما تمتد إلى منطقة الساحل والصحراء في غرب أفريقيا، ولذلك كانت خسارة الروس لقاعدة البحر الأحمر السودانية في إطار ذلك الصراع الجيوسياسي إحدى ثمار نجاح الاستراتيجية الأمريكية في السودان.
تعمل روسيا على الحلول محل النفوذ الفرنسي في مالي وأفريقيا الوسطى، بالإضافة إلى وجودها في ليبيا، ومدخلها المباشر والأقرب لتلك الدول هو السودان، وهي لذلك كانت حريصة على تسجيل اختراق في علاقاتها مع السودان لاسيما في أعقاب زيارة وزير الخارجية الروسي مؤخرا للسودان ضمن جولته الأفريقية، لكن وقوع الحرب بين حميدتي والبرهان منذ منتصف أبريل الماضي، جعل من الولايات المتحدة أكثر حرصا على عدم انهيار الدولة المركزية هناك نظرا للخطورة الجيوسياسية على شرق وغرب أفريقيا إذا انهارت الأوضاع في السودان بسبب الحرب الدائرة هناك، لذا فإن دخول الولايات المتحدة إلى جانب المملكة العربية السعودية على خط الحل السياسي من خلال المبادرة السلمية السعودية الأمريكية لإحلال السلم في السودان تأتي في إطار هذه الجهود، وفي الوقت ذاته تدخلها ذلك بمثابة تحذير قوي لروسيا، لاسيما بعد أن تواترت أنباء عن وجود قوات للمجموعة الروسية شبه العسكرية الشهيرة بقوات فاغنر التي لها وجود في أكثر من بلد أفريقي مثل ليبيا وأفريقيا الوسطى والسودان، لكن مع اندلاع الحرب في السودان نشطت الولايات المتحدة في تكثيف متابعة مجموعة فاغنر ورصد أي حراك محتمل لها في منطقة غرب أفريقيا المتاخمة للسودان.
يبدو سياق تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على العالم منعكسا في أكثر من مكان، ولعل الاتفاق التاريخي بين المملكة العربية السعودية وإيران الذي رعته الصين هو إحدى العلامات التي اخترقت بها الصين نفوذا جديدا لم يكن من قبل ضمن دائرة اهتمامها السياسي في المنطقة العربية، وستكون هناك مفاجآت جيوسياسية كثيرة في الطريق!
محمد جميل أحمد كاتب من السودان