أمريكا وتحدي الصين

06 أغسطس 2022
06 أغسطس 2022

في إطار منتدى أسبن الأمني هذا العام (الذي أشارك في رئاسته) والذي انعقد في يوليو، طالَـب سفير الصين إلى الولايات المتحدة تشين جانج بفهم أفضل لبلاده. لكن الخبراء المجتمعون هناك انخرطوا في جدال كبير حول أهداف الصين. أعلن الرئيس الصيني شي جين بينج عن اعتزام الصين التفوق على أمريكا في تكنولوجيات حساسة مثل الذكاء الاصطناعي والبيولوجيا التخليقية بحلول عام 2030، ويتنبأ كثير من المحللين بأن الناتج المحلي الإجمالي الصيني (قياسا بأسعار الصرف في السوق) سيتجاوز مثيله في الولايات المتحدة في وقت مبكر من العقد المقبل. تُـرى هل تسعى الصين إلى الحلول محل الولايات المتحدة باعتبارها القوة الرائدة على مستوى العالم بحلول الذكرى المئوية للحكم الشيوعي في عام 2049؟

يصف بعض الـمُـهَـوِّلـيـن من مثيري المخاوف الصينيين على سبيل المجاز بأنهم "بطول عشرة أقدام"، لكن أحد المشاركين من ذوي الخبرة في أسبن قال مازحا: إن الصين أقرب إلى 5.1 قدم مقارنة بـ 6.2 قدم في أمريكا. على أية حال، حققت الصين تقدما مبهرا على مدار العقود القليلة الأخيرة، ويصفها المحللون الاستراتيجيون في الولايات المتحدة بأنها تفرض "تحدي السرعة" في منافسة بين القوى العظمى.

الواقع أن ما سيحدث خلال العقود الثلاثة القادمة يتوقف على مجاهيل عديدة. يرى بعض المحللين أن الصين تتراجع بعد أن فشلت في الإفلات من "فخ الدخل المتوسط". ويتصور آخرون أنها بلغت مستوى لا يمكنها تجاوزه بسبب قيود ديموغرافية (سكانية)، وانخفاض عامل الإنتاجية، وسياسة شي جين بينج التي تحابي الشركات المملوكة للدولة على حساب الشركات الخاصة. بالإضافة إلى هذا، تواجه الصين مشاكل خطيرة تتعلق باتساع فجوة التفاوت والتدهور البيئي. الواقع أن "حلم الصين" الذي يراود شي، وأي توقع خطي آخر، قد ينحرف عن مساره بفعل أحداث غير متوقعة مثل نشوب حرب بشأن تايوان أو اندلاع أزمة مالية.

وهنا مرة أخرى، كان بعض الخبراء في أسبن أكثر تشاؤما من غيرهم، لا يوجد مستقبل واحد، بل هناك سيناريوهات عديدة محتملة، ويتوقف ترجيح أي منها جزئيًا على ما تفعله الصين، وكيف تختار الولايات المتحدة الاستجابة لأفعالها، مثلما ينطوي المستقبل على احتمالات عديدة. تخاطر أمريكا بالانزلاق إلى إخفاقات عديدة محتملة في استجابتها لتحدي الصين، وعلى هذا فإن أي استراتيجية حكيمة يجب أن تضع في اعتبارها أكثر من احتمال. الإخفاق الأكثر دراماتيكية قد يكون الانخراط في حرب كبرى حتى لو خرجت الولايات المتحدة منتصرة، فإن الصراع العسكري بين أكبر اقتصادين في العالم من شأنه أن يجعل التأثيرات الاقتصادية العالمية المترتبة على حرب روسيا لأوكرانيا تبدو متواضعة بالمقارنة. ركز المحللون الأمنيّون في أسبن على تايوان، التي ترى الصين أنها مقاطعة مارقة، باعتبارها محركًا محتملًا لحرب صينية أمريكية. دأبت الولايات المتحدة لفترة طويلة على إثناء تايوان عن إعلان الاستقلال رسميًا بحكم القانون وردع الصين عن استخدام القوة ضد الجزيرة. لكن القدرات العسكرية الصينية كانت في ازدياد ملحوظ، وفي حين نفى الرئيس الأمريكي جو بايدن أن السياسة الأمريكية تغيرت، يزعم المسؤولون الصينيون أن الزيارات الأمريكية الرفيعة المستوى إلى تايوان ـ وأحدثها تلك التي قامت بها رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي ـ تفرغ هذه السياسة من مضمونها. قد يتخيل المرء الجانبين وقد انزلقا إلى الحرب كما فعلت القوى الأوروبية الكبرى في عام 1914.

يتمثل نوع ثان من الكوارث في حرب باردة مطولة تتغذى على شيطنة الصين على نحو متزايد في سياسة الولايات المتحدة الداخلية. مثل هذه النتيجة من شأنها أن تحول دون التعاون بين الصين وأمريكا في إدارة الاقتصاد العالمي أو التعامل مع الاعتماد المتبادل في مجال البيئة، وأكثر تجلياته أهمية في الاستجابة للجوائح الـمَـرَضـية وتغير المناخ. على نحو مماثل، ستكون المنافسة بين الولايات المتحدة والصين التي حالت دون التعاون في إبطاء انتشار الأسلحة النووية والبيولوجية مكلفة للجميع.

ستعاني الولايات المتحدة إذا كانت عاجزة عن إدارة الاستقطاب السياسي المحلي، ومعالجة مشاكلها الاجتماعية والاقتصادية، على النحو الذي يُـفـضي إلى فقدان التركيز وإضعاف الدينامية التكنولوجية التي تمكنها من التنافس بنجاح مع الصين الصاعدة. على نحو مماثل، قد يؤدي تنامي النزعة الشعبوية المعادية للمهاجرين التي تحد من الهجرة أو تُـضـعِـف دعم الولايات المتحدة للمؤسسات والتحالفات الدولية إلى فشل تنافسي.

أخيرا، قد ينبع الفشل من رؤية الولايات المتحدة وقيمها، ومن المؤكد أن الواقعية والـحـيطة شرطان ضروريان لإنجاح أي استراتيجية في التعامل مع الصين. فلا تملك الولايات المتحدة القدرة على تحويل الصين إلى دولة ديمقراطية. لكن حِـس الرؤية حول القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان ضروري لتوليد القوة الناعمة التي تعود بالفائدة على أمريكا من خلال اجتذاب الحلفاء وليس إكراههم. لهذا السبب، تبدأ الاستجابة الأمريكية الناجحة لتحدي الصين في الداخل، ويجب أن تكون قائمة على صيانة مؤسسات أمريكا الديمقراطية ذاتها.

ينبغي للولايات المتحدة أن تستثمر في البحث والتطوير، بما في ذلك من خلال "قانون الرقائق والعلوم" الذي يخصص 280 مليار دولار الذي أقره الكونجرس مؤخرًا، للحفاظ على ميزتها التكنولوجية في الصناعات الحساسة. ويجب أن تظل أمريكا منفتحة على العالم (بما في ذلك الطلبة الصينيين)، بدلًا من التقهقر وراء ستار من الخوف والاستسلام للانحطاط.

في ما يتصل بالسياسة الخارجية والأمنية، يتعين على الولايات المتحدة أن تعكف على إعادة هيكلة إرث قوتها العسكرية للتكيف مع التغير التكنولوجي، وتقوية هياكل تحالفاتها، بما في ذلك منظمة حلف شمال الأطلسي والشراكات مع اليابان وأستراليا وكوريا الجنوبية. في النهاية، تعادل الحصة التي تمثلها أمريكا وحلفاؤها ضعف حصة الصين وروسيا مجتمعتين. ويتعين على الولايات المتحدة أن تعمل على تعزيز العلاقات مع الهند، بما في ذلك من خلال الإطار الدبلوماسي الذي توفره المجموعة الرباعية، التجمع الأمني غير الرسمي الذي يتألف من أربع دول ويضم أيضا اليابان وأستراليا. ينبغي لأمريكا أن تعمل أيضا على تعزيز مشاركتها في المؤسسات الدولية القائمة التي أنشأتها لوضع المعايير وإدارة الاعتماد المتبادل. أخيرًا، من الأهمية بمكان التعاون مع الصين حيثما أمكن في التعامل مع قضايا الاعتماد المتبادل العابر للحدود. في كتابه الأخير المهم بعنوان "الحرب التي يمكن تجنبها: مخاطر الصراع الكارثي بين الولايات المتحدة والصين في عهد شي جين بينج"، يدعو رئيس الوزراء الأسترالي السابق كيفين رود إلى تحديد هدف "المنافسة الاستراتيجية المنضبطة" في الأمد القريب، تعني النزعة القومية في الصين، والسياسات الحازمة التي تنتهجها حكومة شي أن الولايات المتحدة ربما تضطر إلى إنفاق المزيد من الوقت على الجانب التنافسي من المعادلة. ولكن إذا تجنبت أمريكا الشيطنة الإيديولوجية، وتخلت عن القياس المضلل على الحرب الباردة، وحافظت على تحالفاتها، فإنها قادرة على إدارة تحدي الصين بنجاح.

جوزيف س. ناي الابن أستاذ بجامعة هارفارد ومؤلف كتاب "هل تعنى الأخلاق؟" الرؤساء والسياسة الخارجية من روزفلت إلى ترامب (مطبعة جامعة أكسفورد، 2020).