نوافذ : العدد الأول
اعتمرت في الأيام الماضية قبعة الباحث وتصفحت الأعداد الأولى من جريدة عمان، التي أصدرت عددها الأول في الثامن عشر من نوفمبر عام ١٩٧٢، ورغم أن لي غايتي الخاصة والمحددة من هذا التصفح إلا أني وجدت متعة متجددة في الذهاب إلى تلك الأيام، وتسقط أخبار البلاد والعباد في تلك المرحلة من بدايات السبعينيات، فكنت أقرأ كل خبر محاولة استقراء ما وراءه، وأيضا محاولة فهم المجتمع العماني في تلك اللحظة التاريخية، فوجدتني أنسى ما أنا بصدده من بحث وأخلص للحنين الذي غرقت فيه، الحنين للتفاصيل التي استرجعها من خلال شقاء البحث وشقوته.
لكن كان لا بد من الخروج من تلك الحالة العاطفية والعودة بعين الباحث لتقصي الأخبار المنشورة وفهم ما وراءها بوعي اليوم، الوعي الذي تراكم خلال سنين عمري.
ولأني لا أستطيع استعراض العدد الأول كاملا من الجريدة في هذه العمود القصير، فسأكتفي باستعراض الصفحة الأولى، تاركة للقارئ الكريم حرية التأويل.
خط أعلى الصفحة الأولى بـ«عمان» باللون الأحمر وتحتها كتب «جريدة أسبوعية تصدر في مسقط»، وعلى يمينها عدد الصفحات التي كانت تبلغ الثماني وعلى اليسار ثمنها الذي حدد بخمسين بيسة.
على جانبي اسم الجريدة الأحمر مربعين، كتب داخل الذي عن اليمين خبر عن تفقد السلطان قابوس مراكز القوات المسلحة، وداخل الذي على اليسار بيان من شركة تنمية نفط عمان بصادرات النفط الخام.
أما متن الصفحة فقد قسم إلى أربعة أجزاء، خصص الجزء الأكبر منها لخطبة السلطان قابوس التي سيلقيها في الاستعراض العسكري، وخصص جنباها لمقالين، واحد للأستاذ ناصر بن سيف البوعلي المدير العام للإعلام والسياحة آنذاك والآخر للأستاذ أمين أبو الشعر، أحد مؤسسي الجريدة، وفي هذين العمودين احتفاء بالعيد الوطني وما تم خلال السنتين منذ إن وصل السلطان قابوس إلى الحكم، واحتفاء بصدور العدد الأول من الجريدة.
أما الجزء الأسفل من الصفحة فكان عبارة عن تهانٍ رفعت للسلطان بمناسبة العيد الوطني الثاني، من الشركات العاملة في السلطنة، شركات بعضها ما زال موجودا، وبعضها أفلس، وبعضها صفى أعماله.
لكن أكثر ما لفت انتباهي هو المدخل لكلمة السلطان قابوس: «لقد كان مقررا أن تزدان شوارع العاصمة والمدن العمانية بالزينات وأقواس النصر، وتضج بالأهازيج ومواكب الفرح والابتهاج، لولا وفاة المغفور له السلطان السابق سعيد بن تيمور قبل أسابيع... لقد جلس السلطان قابوس في مسجد الخور في مسقط لمدة ثلاثة أيام يتقبل التعزية بوفاة والده السلطان السابق... وحزن الناس مع قابوس، لكنهم اليوم يفرحون بيومهم الذي صنعه قابوس».
وأفكر في أنه ربما كان علي البحث عن من صاغ هذا المدخل الذكي، وأظنه أبو الشعر نفسه، مؤكدا على عمق الصلة بين القائد الشاب وشعبه، الذي التحم به منذ ساعة وصوله إلى الحكم، فصار حزنه حزنهم، ثم صار يومهم مصنوعا منه وبه.
وكنت أتمنى أن أتوسع أكثر في قراءة المدخل والخطاب، لكن هذه المساحة تضيق عن ذلك.