1245306
1245306
إشراقات

«المال» من نعم الله .. والإنسان مستخلف فيه .. وعليه أن يعمل بأوامر المالك الحقيقي

20 يونيو 2019
20 يونيو 2019

كيف تكون تاجرا رابحا؟ «1» -

الاعتداء على المال حرام .. ولا يكسب من غير حله .. ولينفق في سبل الخير والنفع -

كتب: سيف بن سالم الفضيلي -

أكد فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن راشد الغاربي الأستاذ المساعد بجامعة السلطان قابوس أن المال نعمة من نعم الله تعالى وما ذم المال إلا لما قد يفضي إليه من أمور غير محمودة.. جاء ذلك في ندوة حملت عنوان «كيف تكون تاجرا رابحا»؟ بمشاركة فضيلة الشيخ إبراهيم بن ناصر الصوافي أمين فتوى بمكتب الإفتاء.

وقال: إن الله سبحانه وتعالى أضاف المال الى نفسه فقال سبحانه وتعالى «وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ» وهذه الإضافة إضافة تشريف وإضافة بيان لمنزلة المال من ناحية، ومن ناحية أخرى فيه تقرير لحقيقة ملكية المال أن المالك الحقيقي للمال هو الله سبحانه وتعالى والإنسان مستخلف فيه ومقتضى ذلك أن يعمل الإنسان بأوامر المالك الحقيقي للمال وهو الله سبحانه وتعالى. وأن منزلة المال من هذه الشريعة أن الله سبحانه وتعالى أضاف ملكية المال إلى من يحسن التصرف فيه دون مالكه.

ونبه إلى أن الشارع حرم الاعتداء على المال فإنه سبحانه وتعالى حرّم إنفاقه في غير موضعه كما حرم كسبه من غير حله، وتضافرت النصوص على تقرير هذه الحقيقة، وجاءت الأوامر والإرشادات الربانية بإنفاق المال في سبل الخير وفي سبل النفع، وحرمت إضاعة المال.. وإلى ما جاء في الندوة.

وقال الدكتور محمد بن راشد الغاربي ، حول موقف ديننا الحنيف من المال والتجارة ونظرته الى المال، لا شك أن الله سبحانه وتعالى كرم بني آدم وسخر لهم ما في الأرض وما في الكون كله جميعا منه نعمة وفضلا.

والمال نعمة من نعم الله سبحانه وتعالى وما ذم المال إلا لما قد يفضي إليه من أمور غير محمودة أما في أصله فإن المال نعمة وله منزلة في هذه الشريعة الغراء يبين ذلك جملة من الوجوه فيما احسب أول هذه الوجوه أن الله سبحانه وتعالى أضاف المال الى نفسه فقال سبحانه وتعالى «وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ» وهذه الإضافة إضافة تشريف وإضافة بيان لمنزلة المال من ناحية كما هو الحال في الإضافة في بيت الله وفي ناقة الله ومن ناحية أخرى فيه تقرير لحقيقة ملكية المال أن المالك الحقيقي للمال هو الله سبحانه و تعالى والإنسان مستخلف فيه ومقتضى ذلك أن يعمل الإنسان بأوامر المالك الحقيقي للمال وهو الله سبحانه وتعالى.

الوجه الثاني الذي يبين لنا منزلة المال في هذه الشريعة الغراء أن الله سبحانه وتعالى نص في كتابه العزيز على أن المال قوام الحياة فقال سبحانه وتعالى «وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا» فمنطوق الآية أن قيام الحياة على المال، وهنالك فوائد في هذه الآية تبين لنا أيضا منزلة المال في هذه الشريعة منها ان الله سبحانه وتعالى قال في كتابه العزيز «وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ» فجعل ذات المال ظرفا للرزق والكسوة ومقتضى ذلك أن الأولياء يثمرون هذه المال وينمون هذا المال وينفقون على هؤلاء السفهاء الذين لا يحسنون التصرف في أموالهم من ناتج المال لا من صلب المال، وهذا فيه إرشاد وتوجيه الى تثمير المال وتنميته لأن الله سبحانه وتعالى لم يقل «وارزقوهم منها واكسوهم منها وإنما قال (وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ) أي ثمروا هذه الأموال وأنفقوا على هؤلاء من ريع هذه الأموال لا من صلبها وإلا لعاد ذلك على هذا المال بالتلاشي.

كذلك أيضا في هذه الآية ملمح آخر يبين لنا منزلة المال من هذه الشريعة وهو أن الله سبحانه وتعالى أضاف ملكية المال الى من يحسن التصرف فيه دون مالكه فالمالكون الحقيقيون للمال هم السفهاء، ولكن الله سبحانه وتعالى أضاف المال إلى من يحسن التصرف فيه فقال: «وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ» مع أن الأصل أن المقصود مال هؤلاء السفهاء ولكن نظر إلى أن هؤلاء السفهاء لا يحسنون تدبير المال ولا يحسنون تصريفه فإن الله سبحانه وتعالى أضاف ملكيته الى من يحسن تدبيره وتصريفه سواء أكان الخطاب في هذه الآية أو للأولياء أو لعموم الأمة ففيه إشارة واضحة إلى المعنى الذي ذكرته.

الوجه الثالث الذي يبين لنا منزلة المال في هذه الشريعة ونظرتها إليه وفلسفتها فيه هو أن العلماء استقرأوا أحكام هذه الشريعة استقراء تاما وخلصوا الى أن هذه الأحكام تستشرف مقاصد معينة وهذه المقاصد من هذه الأحكام رتبوها بحسب الاستقراء الى ثلاث رتب ضرورية وحاجية وتحسينية وتقرر لديهم أن المال هو من الأمور الضرورية التي جاءت أحكام الشريعة للمحافظ عليها.

الكليات أو الضروريات هي خمس كما هو معلوم (المحافظة على الدين والمحافظة على النفس والمحافظة على النسل والمحافظة على العقل والمحافظة على المال) المحافظة على المال هي إحدى الضروريات الخمس التي توجهت اليها أحكام الشريعة بالعناية وكانت هذه العناية من جانب الوجود ومن جانب العدم.

فشرعت جملة من الأحكام تقرر أمر المال من هذه الأحكام ان الله سبحانه وتعالى حض على كسب المعاش وعلى تحصيل الرزق في جملة من الآيات وفي جملة من الأحاديث.

من هذه الأحكام أيضا أن الشريعة أمرت وبتدوير المال وبرواجه وبتنميته وحرمت اكتنازه وجاء الوعيد الشديد على من يكنزون المال ولا ينفقونه فقال «وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيم» وهناك أحكام كثيرة في هذه الباب.

كما أن المحافظة جاءت على المال من جانب العدم وهو أن الله سبحانه وتعالى قرر جملة من الأحكام في هذا الباب ومنها أن الله سبحانه وتعالى حرم الاعتداء على مال الغير بأي وجه من الوجوه سواء كان بسرقة أو بغصب أو بغير ذلك من وجود الاعتداء وقرر عقوبات صارمة في هذا الباب منها عقوبات دنيوية ومنها عقوبات أخروية والنصوص الشرعية شاهدة في هذا المجال كثيرا لا نستطيع أن نتعرض إلى شيء منها لضيق الوقت.

أيضا كما أن الشارع حرم الاعتداء على المال فإنه سبحانه وتعالى حرّم إنفاقه في غير موضعه كما حرم كسبه من غير حله، وتضافرت النصوص على تقرير هذه الحقيقة.

كما أيضا جاءت الأوامر والإرشادات الربانية بإنفاق المال في سبل الخير وفي سبل النفع. أيضا حرمت الشريعة إضاعة المال.

عناية الشريعة بالمال

وأشار الغاربي إلى أن من الوجوه التي تبين منزلة المال في هذه الشريعة الغراء ان الناظر في أحكام ونصوص الشريعة من كتاب وسنة يجد ان الكتاب العزيز والسنة المطهرة أقرت جملة من المبادئ ومن القواعد الإجمالية الكلية كما أيضا جاءت أدلة تفصيلية تعنى بهذا الجانب فقرر الحق سبحانه وتعالى ان المال مال الله وان الإنسان مستخلف فيه وان الإنسان ليس له ان يأكل مال أخيه بالباطل بغير وجه حق.

والناظر في السنة المطهرة يجد ان ما قرره علماء الاقتصاد سواء من المسلمين وغيرهم مراعيا لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم.

على سبيل المثال حتى لا أطيل عليكم يذكر علماء الاقتصاد ان عناصر الإنتاج أربعة (الأرض والعمل، رأس المال، التنظيم والإتقان).

من نظر في السنة المطهرة يجد ان كل هذه العناصر معتنى بها من قبل سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم.

مثال ذلك مثلا في العناية بالأرض او بالكون أن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد الى زراعة الأرض والى ان «من كانت له أرض كما في الحديث فليزرعها او ليزرعها أخاه» بين المصطفى صلى الله عليه وسلم أجر من يغرس غرسا او يزرع زرعا فقال «ما من مسلم يزرع زرعا او يغرس غرسا فيأكل منه إو بهيمة او طائر إلا كانت له به صدقة».

أيضا نجد ان الشريعة المطهرة تقرر ان الأرض البور التي لا مالك لها فأحياها إنسان ان من أحياها فهو يملكها بسبب هذا الإحياء.

إذا جئنا مثلا الى العمل نجد أن السنة المطهرة تحض على العمل وتنبذ الكسل كما في الحديث: «لئن يأخذ أحدكم حبله فيأتي حزمة حطب على ظهره فيبيعها خير له من أن يأتي الناس يسألهم أعطوه أو منعوه».

كذلك أيضا نجد ان النبي صلى الله عليه وسلم يبين إثم من يضيع من يعول «كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول» الى غير ذلك من الأحاديث الواردة في هذا الباب.

إذا جئنا للعنصر الثالث وهو رأس المال نجد أيضا أن السنة عنيت به عناية فائقة فوجهت المسلم الى تنمية ماله والى استثماره والى العناية بأموال القصر كما ورد في رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم «اتجروا في مال اليتيم لئلا تأكله الزكاة».

كذلك نجد عناية الشريعة بما يعرف الآن بالتنمية المستدامة بحفظ الأصول المنتجة وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل ضيفا على رجل من الأنصار هو وأبوبكر وعمر فجاء الأنصاري إليهما بعذق من نخله ثم أخذ المدية فقال له النبي صلى الله عليه وسلم «إياك والحلوب» لأن هذه الشاة هي أصل منتج ينبغي أن يحافظ عليه.

كذلك أيضا نجد عناية السنة بالحفاظ على الأصول ودوام الاستثمار كما ورد عنه صلى الله عليه وسلم انه قال «من باع دارا أو عقارا فوضع ثمنه في غير مثله كان قمنا ألا يبارك الله فيه».

إذا جئنا الى عنصر الإتقان والتنظيم فالحديث المشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا ان يتقنه» وبسبب الإتقان هذا وصلت بعض الدول الى أوج القوة الاقتصادية من غير شيء من المواد الموجودة إلا بهذا العنصر وهو عنصر الإتقان وعنصر التنظيم وهذا أولى به المسلمون لأنه من صلب دينهم.

أطيب الوسائل

ويقول الغاربي: أما بخصوص التجارة فلا شك ان التجارة هي وسيلة من وسائل المكاسب وهي من أطيب الوسائل أن كانت مبرورة كما ورد في حديث رفاعة بن رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: «أي الكسب أطيب فقال عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور» وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال «التاجر الأمين الصدوق مع النبيين والصديقين والشهداء» فالتجارة إذن مارسها الإنسان وفق مراشد دينه ووفق منهج هذه الشرعية الغراء فلا شك أن فيها فضلا وان فيها نفعا وقد مارس صلى الله عليه وسلم التجارة ومارس كثير من أصحابه التجارة ومارس بعض علمائنا أيضا التجارة وقصة الإمام أبو عبيدة الصغير الذي هو عبدالله بن القاسم من علمائنا في القرن الأول وهو من أهل بسياء من ولاية بهلا في عام 129 ذهب للتجارة مع الصين وكان سفيرا للمسلمين ينشر الإسلام بروعة أخلاقه وحسن تصرفه وسمته وأمانته حتى أن مما يحكى عنه رحمه الله تعالى انه اشترك مع جملة من التجار في شراء حطب عود..

وكان أولئك التجار يفاوضون التاجر الصيني في هذا الحطب فيزهدون التاجر في ذلك النوع من العود او من حطب العود وكان الشيخ يستمع اليهم وهو ربما لا خبرة له بهذه النوع من التجارة وعندما اشتروه برخص ورجعوا الى منازلهم سمعهم يثنون عليه أي يثنون على هذا النوع من العود فقال سبحان الله تذمونه أمام صاحبه وتمدحونه بعد رجوعكم فبينوا له أن هذا النوع من العود هو نوع فاخر ولكن أرادوا بقولهم ذلك أن يخفض لهم في الثمن فقال لهم ردوا عليّ رأس مالي فهذا هو التاجر الصدوق الذي ينبغي أن يحتذى به.

فالتجارة في الحقيقة إنما هي وسيلة من وسائل كسب المعايش فإذا جاء بها الإنسان وفق مراشد هذا الدين الكريم فإن فيها فضلا وأجرا.