1206960
1206960
مرايا

«التابية» طريقة تقليدية لبناء البيوت في المغرب جلبها السوادنيون

19 يونيو 2019
19 يونيو 2019

دافئة شتاء ورطبة صيفا -

الرباط- يوسف حمادي:-

لما كان العارف بأسرار البدو والحضر، العلامة عبد الرحمن ابن خلدون، يعدد في مقدمته فصائل تاريخ العمران وطبائع الأقوام والسكان وأسرار البحار والوديان، ويحكي عن عادات وتقاليد أهل بلاد العجم والعربان، كان الإنسان العربي يعانق الأرض مزارعا ناجحا، وتاجرا فالحا، في عمان والعراق، في سوريا ومصر، وفي كل البلاد العربية. وكانت السودان هبة النيل وسلة الزاد، كما يصفها المؤرخون، يوم كانت تنمو حول العالم حضارات إنسانية على أسس معمارية تشييد البيوت للناس ملاذا يقيهم شدة البرد شتاء والحر صيفا، حينها وصل إلى المغرب مجموعات من الحرفيين المبدعين، والعمال الحاذقين، يملكون القوة والخبرة لبناء الدور وتشييدها.

لقد كان للسودانيين في عهد السلطان مولاي إسماعيل، أحد السلاطين العلويين (1645 - 1727م)، خبرة يصنعون بها ما يعرف بـ (التابية) أو (أو الطابية) أو (الطوبية)، وكلها أسماء لتلك الَّلبٍنَة التي كانت تصنع من التراب المعجون بطريقة عجن السيدات للخبز، ونظرا لقلة أدوات العجن كانوا يستعملون أرجلهم وأيديهم لعجنها عجينها، وذلك بعد غربلة التراب جيدا بغرابيل يدوية يرُجُّها عاملان بينهما بالأيدي، بها ثقوب تفصل التراب عن الحصى، ثم بعد جمع الكافي من التراب لإعداد (العجنة)، يقوم المَعَلَّم؛ كبير البنائين، بسقيه كومة التراب بالماء بالمقدار الكافي، بينما العُمّال أمامه يقلبون العجين أرضا حتى يتماسك ويشد بعضه بعضا. وفي تصريح لـ (مرايا)، يؤكد (الحاج مسعود)، وهو من البنائين المهرة القدامى ذوي الأصول السودانية، أن عجين التراب وحده لا يكف لإعداد (التابية)، بل يضاف إليه التبن، خصوصا وأن عملية البناء كانت تتم في فصل الصيف، مباشرة بعد الحصاد وجمع المحصول الزراعي، فغالبا ما كان يتم ذلك البناء استعداد لتزويج عائلة لابنها، حيث أنهم من حقل الحصاد يُجمع التراب والتبن الكافيين لصانعة لبنات التابية، وبعد عجن العجين المخلوط بالتبن، وقولبته على شكل لبنات متفاوتة الطول والعرض في قوالب خشبية، أصغرها بمقاس 20 على 15 سم، وأكبرها قد يصل إلى الثمانين سنتمترا كما يوضح لنا الحاج مسعود.

التبن

إن إعمال التبن المخلوط بعجين التراب يفيد لبنة الطوبية، ويمنع تسرب الماء إلى عمقها فيسهل تفتيتها، فالتبن واق يحفظ التابية مدة طويلة من الزمن، مثلما حُفظت الحصون والقلاع و(الحوش) والدور في المناطق المغربية بـ (أرفود) والريصاني و(محاميد الغزلان). يشرح لنا الحاج مسعود، الذي كان طفلا صغيرا بين المَعَلٍّمين البنائين، وضمنهم جده ووالده، يشاهدهم وهم يعجنون ويرفسون التراب بأرجلهم، ثم يخلطونه بقليل من التبن لإنضاجه وتتماسك تربته.

بل من البنائين من كان يصب طينه المخلوط بالتبن مباشرة وسط قوابل خشبية طويلة مشدودة إلى أساسات الجدران، ثم يقوم المعلمين بتركيزه وسط تلك القوالب الطويلة بآلة يدوية تسمى (المركز)، الذي هو عبارة عن آلة يدوية من خشب، يُدق به الطين وسط الأساسات حتى يغدو صلبا مُركزا متماسكا يصعب كسره، وكم من البيوت و(الحُوش) والقصبات بنيناها بالتابية قبل أن نتعرف على الإسمنت، يعلق الحاج مسعود.

قصور الراشيدية وقلاعها

وما أفادنا به الحاج مسعود، الذي بنى هو وأولاده وأحفاده العديد من الدور في الجنوب المغربي، يؤكده لنا الدكتور حسن تاوشيخت، الخبير في شؤون المعمار التاريخي، موضحا أن المواد التي استخدمت في تشييد القصور والقصبات الفيلالية، نسبة إلى منطقة (تافيلالت) بإقليم الراشيدية، جنوب شرق المملكة المغربية، سواء منها المندرسة أو الباقية، شبيهة بتلك التي استعملت في بناء مدينة (سجلماسة)، التي اعتمدت أساسا على (الطابية) والحجارة والآجر والجبس والخشب..، أما (التابية) فتتكون من تربة صلصالية متماسكة ذات لون أحمر- بني ، تستخدم في بنائها على تراب طيني، يعتمد في تركيبها على اللوح والمركاز، وعلى ميزان الخيط لضبط استقامة الجدار، مضيفا أن التابية استعملت في بناء الجدران الخارجية والداخلية، واعتمدت في تشييد (أقدم القصور بتافيلالت، بينما زينت أبراجها وحصونها بزخرفة خاصة من الطوبية المشمسة ذات تنسيق دقيق ووحدة كبيرة).

وبينما (عمان) في طريقها إلى مهرجان موسيقى الصحراء بإقليم الراشيدية، ذات يوم، بدعوة من الدكتور مصطفى تيليوا، الأستاذ الباحث في التاريخ والأنتروبولوجيا الثقافية، جلسنا في مطعم لتناول وجبة الغذاء المعروفة بمنطقة (أرفود)، التي تعد بلحم الغنم والملوخية، تلك الشهية التي لها طعم سحري من أسرار الطبخ المُتبل المشهي، المعروف به المطبخ المغربي الصحراوي، وكان الفصل حينها صيفا حارا، منعنا عن مغادرة مبنى المطعم المتميز ببرودته، حتى ظننتها ناتجة عن مكيفات هوائية، وهي في الأصل لم تكن سوى برودة ناتجة عن طريقة البناء بـ (التابية) التي تبنى بها جل الدور والقلاع المعروفة بـ (القصور) ذات الغرف الباردة صيفا والدافئة شتاء، هناك في منطقة تافيلالت والريصاني في الجنوب الشرقي للمملكة الشقيقة.