الملف السياسي

أسعار النفط والتوترات في منطقة الخليج

17 يونيو 2019
17 يونيو 2019

عوض بن سعيد باقوير -  صحفي ومحلل سياسي -

دخلت سلعة النفط كتغير سياسي-استراتيجي منذ سنوات طويلة ولعل استخدام هذه السلعة كأداة ضغط سياسية حدثت في أعقاب حرب أكتوبر 1973 عندما قرر العرب قطع النفط عن الغرب ومن هنا بدا العالم يتنبه إلى أهمية هذه السلعة الاستراتيجية وارتبطت بذلك بالأحداث والتطورات السياسية علاوة على تأثير النفط الصخري الذي تنتجه الولايات المتحدة بكميات كبيرة، ومن هنا فإن أحداث منطقة الخليج الأخيرة وتفجير السفن النفطية في بحر عمان وخارج المياه الإقليمية للسلطنة قد انعكس على الأسعار وإن كان بنسبة محدودة حيث ارتفعت الأسعار بأكثر من دولارين.

وعلى ضوء التوتر الحالي بين الولايات المتحدة وإيران وأيضا الحرب التجارية بين الصين وأمريكا أيضا والضبابية التي تسود أسواق النفط، فإن التذبذب الحالي لأسعار النفط سوف يستمر إلى نهاية العام وقد يستقر في حال تم الاتفاق على تمديد خفض الإنتاج بين دول الاوبك والدول من خارج الاوبك خلال اجتماعهم القادم في الأسبوع الأول من شهر يوليو القادم في مقر الاوبك في فيينا.

بين الأسعار والتوتر

إشعال السفن في منطقة الخليج زاد من توتر الأوضاع الأمنية وكانت أولى نتائج تلك الأحداث هو ارتفاع ملحوظ في أسعار التأمين على السفن، كما أن أسعار النفط ارتفعت بشكل تدريجي علاوة على انخفاض الأسواق المالية في دول المنطقة وارتفعت نبرة التصريحات الملتهبة بين طهران وواشنطن رغم الجهود الدبلوماسية المتواصلة التي تبذل على أكثر من صعيد لإيجاد تهدئه وإبعاد شبح الحرب وفي مقدمة تلك الجهود دور السلطنة المعهود في مثل تلك التطورات.

أسعار النفط بدأت بالانخفاض التدريجي خلال شهر مايو لتنزل دون 60 دولارا لخام برنت ورغم الارتفاع التدريجي الذي تخطي حاجز 60 دولارا بسبب التفجيرات الأخيرة فإن التوقعات تشير إلى أن كم المخزونات في الأسواق الأوروبية والآسيوية ما زال كبيرا ومن المهم امتصاص الجزء الأكبر من ذلك المخزون حتى لو تم الاتفاق في اجتماع فيينا القادم على استمرار خفض الإنتاج بأكثر من مليون و200 ألف برميل تساهم فيها الأوبك بـ 800 ألف برميل والباقي من دول خارج الأوبك.

ومن خلال التطورات السياسي-استراتيجية فقد أصبحت سلعة النفط مرتبطة بشكل كبير بالتطورات السياسية ولعل العقوبات القاسية على إيران من قبل واشنطن تم فيها استخدام سلعة النفط وذلك لتأثيرها الكبير على الاقتصاد الإيراني، رغم أن هناك شكوكا موضوعية لنجاح تلك العقوبات وإن إيران سوف تكون قادرة على بيع جزء من إنتاجها النفطي بطرق غير تقليدية، كما أن دولا كالصين وحتى تركيا والهند لها مصالح كبيرة مع إيران ولعل القمة الأخيرة في طاجكستان حول بناء الثقة في آسيا والبيان الختامي لها أعطى مدلولات من دول مهمة كروسيا والصين على رفض العقوبات كسلاح اقتصادي يستخدم ضد الدول.

كما أن إعطاء العراق تفويض جديد لشراء الطاقة من إيران يخفض التوقعات لنجاح العقوبات النفطية على إيران ورغم تقلص بيع النفط العراقي وإحداث سفن النفط فإن الأسعار يبدو أنها تنتظر مؤتمر فيينا بين الدول المنتجة من داخل وخارج الأوبك حتى تتضح الصورة بشكل اكبر.

مؤتمر فيينا

هناك نقاش يدور حول مسألة الإبقاء على خفض الإنتاج المتفق عليه العام الماضي والذي أدى الى تحسين الأسعار ووصولها فوق حاجز 75 دولارا وبين تطورات استراتيجية خاصة من قبل روسيا الاتحادية وهي من أكبر المنتجين من خارج الأوبك، ولعل مؤتمر فيينا المقرر له الأسبوع الأول من الشهر القادم سوف يعطي مؤشرات للأسعار حيث إن الإبقاء على نسبة الخفض في الإنتاج قد ينعش الأسواق الى حدما وترتفع بالتالي الأسعار بشكل محدود تتراوح بين 60 دولارا وربما 65 دولارا حتى نهاية العام، وفي ظل ذلك النقاش فإن الأحداث والتوتر السياسي أصبح متغيرا مهما لأسواق النفط، كما أن الولايات المتحدة سوف تضغط مجددا لخفض الأسعار ومن هنا تتواصل اللعبة السياسية في مجال النفط وتحولت السلعة من أداة اقتصادية مستقلة يتحكم فيها العرض والطلب الى أداة سياسية مما أفقدها تلك الاستقلالية التجارية ودخلت في مرحلة السيطرة والضغوط السياسية.

دول المنطقة وعدد من الدول الأخرى كإيران والجزائر تعتمد على النفط لتعزيز الجانب الاقتصادي وبالتالي رفد الموازنات الحكومية لتنفيذ الخطط الإنمائية وبالتالي فهناك دول الآن غير مستقرة مثل ليبيا وهناك اليمن والسودان وسوريا والقضية الفلسطينية تدخل مرحلة حاسمة مع الاستعداد عن الكشف عن الجانب الاقتصادي من خلال عقد حلقة اقتصادية في البحرين يوم 25 من الشهر الجاري ومن هنا فإن الوضع العام لأسعار النفط سوف يظل غير مستقر.

اجتماع فيينا سوف يكون حاسما من خلال القرارات التي سوف يتم اتخاذها ويبدو أن الاتجاه العام لدول الأوبك هو استمرار خفض الإنتاج وتشاركها نفس الرؤية الدول المنتجة من خارج الأوبك ويبقي قرار روسيا الاتحادية هو الحاسم في ظل تردد موسكو حول اقتراح الأوبك بتمديد خفض الإنتاج على الأقل حتى نهاية العام لمراقبة الأسعار ومدى تجاوب الأسواق مع استمرار خفض الإنتاج.

التوترات السياسية

أسواق النفط سوف تراقب التوترات السياسية بين إيران والولايات المتحدة من جانب وأيضا الحرب التجارية المتصاعدة بين بكين وواشنطن، وعلى ضوء اتجاهات تلك التوترات فإن أسعار النفط بالتأكيد سوف تتأثر بتلك التطورات السلبية، كما أن موضوع كمية المخزون في أوروبا وآسيا سوف يشكل معضلة حقيقية حتى مع تمديد الاتفاق لان امتصاص الجزء الأكبر من ذلك المخزون يعد على جانب كبير من الأهمية حتى مع احتمال قرار تمديد خفض الإنتاج.

وتبقى التحولات السياسية ذات تأثير مباشر وكبير على أسواق النفط، كما أن سلعة النفط تشهد تحديات أخرى منها الانخفاض الكبير في استثمارات صناعة النفط، كما أن النفط الصخري سوف يشكل تحديا حقيقيا في ظل الزيادة المطردة في إنتاج الشركات الأمريكية، وعلى ضوء تلك التحديات فإن أمام الدول المنتجة تحديات لابد من إيجاد حلول حقيقية لها حتى لا تتعرض السلعة الى مزيد من الانتكاسات، كما حدث في فترات سابقة كما أن الاعتماد على هذه السلعة في اقتصاديات الدول بنسب كبيرة لم يعد مجديا وبالتالي فإن سياسة تنويع الاقتصاد والتقليل من الاعتماد شبه الكلي على سلعة النفط أصبح من المخاطر التي لابد من تجنبها سلعة النفط والغاز سوف تبقى لسنوات محركا للصناعة والاقتصاد العالمي ومع ذلك فإن أسعار النفط أصبحت ترتهن للتطورات السياسية والاستراتيجية، كما يحدث الآن في منطقة الخليج وعبر مضيق هرمز الاستراتيجي حيث التهديد المباشر للملاحة الدولية.

وسوف تظل تلك التوترات هاجسا يؤرقا صناعة النفط وأيضا يزيد المخاوف من انتكاسة جديده لأسعار النفط خاصة إذا استعادت فنزويلا وليبيا وإيران كامل طاقتها الإنتاجية، كما أن استمرار التوترات السياسية سوف يزيد من مخاوف الاستثمار في مجال صناعة النفط وهذا سوف يعزز من الجمود في تلك الصناعة.

إذا أمام مؤتمر فيينا مرحلة حاسمة وأيضا اتجاهات التوترات السياسية سوف ترسم مناخا لا يمكن التنبؤ بمسارته المختلفة أم نحو مزيد من التصعيد أو التهدئة، في ظل تواصل الجهود السياسية لإبعاد المنطقة عن شبح الحرب، كما أن تواصل تلك التوترات سوف ينعكس على النمو الاقتصادي العالمي، كما أن استمرار الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة سوف يشكل منعطفا سلبيا على النمو الاقتصادي أيضا، ومن هنا تبقى التوقعات غير معروفة وسوف تظل الأسعار مرتبطة بتلك التطورات الملتهبة في منطقة الخليج الحساسة والتي يعتمد عليها العالم في مجال الطاقة وتحريك الاقتصاد العالمي.