أفكار وآراء

توليد الكهرباء من الشمس يُعزِّز أمن الطّاقة في العالَم العربيّ

16 يونيو 2019
16 يونيو 2019

صلاح شعير *

يتطلّب المستقبل ضرورة إحلال الطّاقة الشمسيّة بالتدريج محلّ مَصادر الطّاقة الأخرى في توليد الكهرباء، وذلك للحدّ من التلوّث وتحدّيات المستقبل. فعلى الرّغم من أنّ احتياطيّ النفط العربيّ بلغ 716 مليار برميل بنسبة 56% من الاحتياطيّ العالَميّ، وأنّ رصيد الغاز يبلغ 27% الاحتياطي العالَميّ، إلّا أنّ نموّ الطلب على استهلاك الطّاقة في العالَم العربيّ يمثّل مشكلة شديدة الخطورة، حيث بلغ استهلاك البلدان العربيّة نحو 14.6 مليون برميل يوميّا من حجم الإنتاج البالغ 28.9 مليون برميل بحسب إحصائيّات العام 2016.

يعني ذلك أنّ العرب يستهلكون 50.5% من إجمالي الطّاقة المُتاحة، كما تمثّل زيادة صادرات الطّاقة عامل ضغط آخر ينمو باطّراد؛ لأنّ البلدان العربيّة تسعى من خلال الصادرات إلى تأمين الحصول على العملات الأجنبيّة من أجل البقاء وتسيير أمور الحياة.

يتخوّف الخبراء من أن يسفر الشفط الجائر من مخزونات الطّاقة الأحفوريّة عن مشكلات تؤثِّر بالسلب على أرصدة الطّاقة العربيّة قبل توفير الحلول البديلة، ومن المتوقَّع أن تتباين النتائج السلبيّة في مدد قصيرة خلال عقد إلى ثلاثة عقود على الأرجح، وذلك بحسب ظروف كلّ دولة. ومن الوارد أن تتفاقم مشكلة العجز في الدول التي تعاني من ندرة الطاقة. أمّا الأقطار متوسّطة الإنتاج، التي تتمتّع بالاكتفاء الذاتي، فسوف تعاني من العجز، وقد تتراجع البلدان النفطيّة العظمى إلى درجة متوسّطة أو أقلّ من المتوسّطة، وهذا التحوّل من الثراء إلى الندرة يُهدِّد مستقبل التنمية الاقتصاديّة، وليس أمام العرب سوى خيارَين: الأوّل هو زيادة التنقيب عن الطاقة كحلٍّ مؤقّت. أمّا الثاني، فيتمثّل في حتميّة التوسُّع في مجالات الطاقة المتجدّدة، وعلى رأسها الطاقة الشمسيّة.

تتميّز الشمس، كمصدر للطاقة، بأنّها متوافرة بكميّات كبيرة، فضلاً عن الاستمراريّة والانتشار. وعلى الرّغم من أنّ الأرض لا تستقبل سوى 2000 مليون جزء من طاقة الشمس، إلّا أنّ العُلماء يؤكّدون على أنّ أشعّة الشمس المُقبلة إلى الأرض تزيد عن إجمالي احتياجات البشر من الطّاقة بنحو 5000 مرّة. فعلى سبيل المثال، إنّ ما يُمكن توليده من أشعّة الشمس على الأرض في مدّة ساعة و45 دقيقة يمكن أن يكفي استهلاك العالَم لمدّة عام. ومن حسن الطالع أنّ الدول العربيّة تتمتّع بالثراء الشمسي، حيث تقع بين خطَّي عرض 2 جنوبا وحتّى 37 شمالا، وهي بيئة مثاليّة لتوليد كهرباء الطّاقة الشمسيّة.

يرجع تاريخ استغلال الطّاقة الشمسيّة في العالَم إلى قرون عدّة قبل الميلاد. فقد استخدمها الفراعنة في تسخين الهواء، كما استخدمها الرومان في إشعال النيران في النهار للإضاءة اللّيليّة، وكذلك في تبادُل الإشارات الضوئيّة عبر المسافات البعيدة. وتشير الروايات التاريخيّة إلى أنّ العالِم الإغريقي أرخميدس وظَّف الشمسَ باستخدام مرايا سداسيّة بهدف إحراق الأسطول الروماني الذي حاصر مدينته في العام 215 ق.م. وقد استمرّت هذه الطريقة في استغلال الطّاقة الشمسيّة من خلال المجمّعات الشمسيّة والمرايا العاكسة حتّى تاريخ الثورة الصناعيّة في أوروبا. أمّا الاستغلال الصناعي غير المباشر، الذي يتمّ فيه تحويل الشمس إلى طاقة كهربائيّة، فقد تبلور بواسطة الفرنسي أبيل بيفر في العام 1875م، وذلك عندما تمكَّن من صنع أوّل آلة بخاريّة تعمل بالطّاقة الشمسيّة لإدارة ماكينة للطباعة، وبين العامَين 1902 و1908، اخترع العالِمان الأمريكيّان (ويلكي - بويل) محرّكات القوى التي تعمل بالطّاقة الشمسيّة. أمّا عربيّاً، فقد شهدت مصر في العام 1913 صناعة أكبر محرّك يعمل بالطّاقة الشمسيّة في العالَم بقوّة 50 حصاناً لاستخدامه في رفع مياه النيل على يد المهندسَين الفرنسيَّين (شومان- بويز)، إلّا أنّ البحوث العربيّة اللّاحقة في هذا المجال لم تستمرّ بالقدر الذي يُناسب احتياجات العرب.

مازال العالَم يعاني من بعض المعوّقات ومنها: مشكلة وجود الغبار، حيث برهنت البحوث أنّ أكثر من 50 % من فعاليّة الطّاقة الشمسيّة تُفقد في حال عدم تنظيف الخلايا التي تستقبل أشعّة الشمس لمدّة شهر. كما أنّ تخزين هذه الطّاقة ما زال يُواجه بعض الصعوبات، ويحتاج إلى المزيد من البحوث والابتكارات التي تكفل نجاح فكرة التخزين الاقتصادي. ويمثِّل التآكل في المجمّعات الشمسيّة، بسبب الأملاح الموجودة في المياه المُستخدَمة في دورات التسخين، مشكلة تحتاج إلى حلول لزيادة العمر الإنتاجي لهذه المُجمّعات، كذلك يظلّ التوسّع في هذا المجال مقيّداً بارتفاع التكاليف مُقارنةً بالطّاقة الأحفوريّة، والنوويّة.

تشير المُمارسات العمليّة إلى مشكلة اتّساع المساحات التي يتمّ تركيب المجمّعات الشمسيّة عليها. فعلى سبيل المثال، تحتاج المحطّة الشمسيّة التي تُنتج ألف ميجاوات إلى مساحة قدرها 16 كيلومترا مربّعا من الأراضي، وهذا قد يؤثِّر بالسلب على تكلفة الفرصة البديلة في الدول صغيرة المساحة، وقد يتسبَّب في خروج مساحات هائلة من الأراضي الزراعيّة من دائرة الإنتاج وبالتالي التأثير السلبي على الأمن الغذائي. بيد أنّ هذه المشكلة غير قائمة عربيّاً نظراً إلى وفرة الأراضي الصحراويّة، حيث تبلغ مساحة الوطن العربي نحو 13.3 مليون كليو متر مربّع، أي ما يوازي 9.6% من مساحة العالَم.

إذا كان العالَم قد ضخَّ استثمارات في مجال الطّاقة المتجدّدة منذ العام 2004 وحتّى العام 2017 تقدَّر بنحو 2.9 تريليون دولار، فإنّ السؤال الجوهري هو ماذا أنفق العرب في هذا المجال؟

ربّما تكون الإجابة عبر الاسترشاد ببيانات البنك الدولي للعام 2015، وذلك بمُقارنة نسبة استخدام العرب للطاقة المتجدّدة من إجمالي الطّاقة المُستخدَمة في التشغيل، حيث تبلغ النسب العربيّة نحو 1.5% وبما يوازي 40% من متوسّط الاستخدام العالَمي، ونحو 25% من النسب المُستخدَمة في الاتّحاد الأوروبي. وهذا يعني ضعف بنية الاستثمارات العربيّة في هذا المجال.

تشير الإحصائيّات الحديثة إلى أنّ الصين تسير في هذا الاتّجاه بقوّة لحلّ مشكلة ندرة الطّاقة لديها، وقد أنفقت في العام 2017 نحو 126.8 مليار دولار من إجمالي نفقات العالَم التي بلغت نحو 160.8 مليار دولار في العام نفسه، وبما يوازي نحو 78.8% من إنفاق العالَم على مجال توليد الكهرباء من الطّاقة المتجدّدة، وهي نسبة استثمار غير مسبوقة، ومن المتوقّع أن ترتفع معدّلات إنتاج الطّاقة البديلة في الصين بنسب كبيرة، وسوف تنجح في حلّ الكثير من المشكلات التي تُعرقل التوسُّع في إنتاج الكهرباء من الشمس.

تتطلَّب المرحلة القادمة من العرب حتميّة الانفتاح على العالَم، بهدف استقطاب التكنولوجيا الحديثة وتوطينها، والجمْع بين مزايا الجودة الأوروبيّة ومزايا خفض التكاليف الصناعيّة في الصين، وهذا لن يتحقّق إلّا ببناء المراكز البحثيّة وتمويلها بهدف تصنيع كلّ ما يلزم لإنتاج الكهرباء من الشمس محليّاً؛ إذ إنّه لم يعُد مُمكناً أن يظلّ الوطن العربي مُستهلِكًا للتكنولوجيا من دون الإسهام الحضاريّ في الابتكار. وممّا يثير التفاؤل هو أنّ الاهتمام العربي بالطّاقة الشمسيّة يجعل من الاستثمار فيها مسألة قابلة للتنفيذ، وذلك عبر توظيف فائض الثروة وإسناد الأمر إلى العقول القادرة على الإدارة والتطوير.

يتّضح ممّا سبق، أنّ المستقبل الاقتصادي العربي مرهون بضرورة وضع استراتيجيّة واضحة المعالِم في هذا الشأن، مع تحديد معدّلات إنتاج سنويّة قابلة للقياس الكمّي، وذلك في مجال تنمية مدخلات الطّاقة المتجدّدة ومخرجاتها، وعلى رأسها الطّاقة الشمسيّة.

*كاتب وباحث اقتصادي من مصر - المقال ينشر بالاتفاق مع مؤسسة الفكر العربي