أفكار وآراء

العالم ومخاوف الصدام النووي

14 يونيو 2019
14 يونيو 2019

إميل أمين - كاتب مصري -

[email protected] -

هل العالم حقا في مواجهة مخاطر حقيقية متصلة بسيناريو صدام نووي يمكن أن يحدث عمدا أو عرضا، ويؤدي إلى كارثة غير مسبوقة يمكن أن تذهب بملايين الأرواح ما بين قتلى ومصابين ومعوقين، ناهيك عن هلاك الزرع والضرع دفعة واحدة؟

الشاهد أنه على الرغم من أن الأخطار النووية تراجعت مع انتهاء الحرب الباردة، فإنها عادت الآن في حلة جديدة ومقلقة. ومنذ مطلع القرن الحادي والعشرين أصبحت العلاقة بين الولايات المتحدة وروسيا متوترة على نحو متزايد، ولأن روسيا أضعف بكثير من الولايات المتحدة ودول حلف شمال الأطلسي على صعيد القوات التقليدية، فإنها تعتمد على القوة النووية لحماية أمنها، وبسبب شعورها بالتهديد الناجم عن توسع حلف شمال الأطلسي الذي وصل إلى حدودها وعن نشر نظام الدفاع الصاروخي الأمريكي في أوروبا الشرقية، فقد لجأت روسيا إلى خطاب القوة على نحو متزايد.

ولعل المطلعين على أسرار القوة النووية الروسية يدرك أن موسكو تعزز خطابها هذا بالأقدام على إدخال تحسينات كبرى على قوتها النووية، حيث أصبح لديها جيل جديد من القنابل النووية المتوافقة مع أنظمة الاتصال تلك. وما هو أكثر إنذارا بالشؤم أن روسيا تخلت عن سياسة عدم المبادرة بالاستخدام، وأعلنت عن استعدادها لاستخدام الأسلحة النووية ضد أي تهديد تلمسه، سواء كان نوويا أو غير نووي.

هل يعني ما تقدم أن الولايات المتحدة الأمريكية بدورها بريئة كل البراءة من السباق النووي المحتدم والمشتعل بشكل يدعو حقا للمخاوف؟

المقطوع به انه ومنذ أن بلغ الرئيس ترامب عتبات البيت الأبيض وهو يميل إلى ترجيح فكر القوة ومنطقها، ولهذا كان من الطبيعي أن يعمد إلى أحياء مبادرات مثل حرب الكواكب أو النجوم، ذلك الذي أنشأه الرئيس الجمهوري الراحل رونالد ريجان في بداية الثمانينات من القرن الماضي، وتاليا رصد الجانب الأمريكي موازنات هائلة من أجل تطوير وتحديث الترسانة النووية الأمريكية، تلك التي تعرضت بعض أسلحتها للتقادم من جراء العقود التي مرت بها، عطفا على استحداث أنواع جديدة أصغر حجما، وأكثر فتكا. ولعل الإشكالية الأكبر هي أن الناتو يقترب حثيثا من الحدود الشرقية لروسيا، الأمر الذي يجعل من الطبيعي أن يهدد الروس باستخدام ما لديهم من أسلحة كقوة ردع حتى ولو كان نوويا.

أضف إلى ذلك فان الانسحاب الأمريكي من معاهدة الأسلحة النووية المتوسطة المدى، أمر جعل الروس يتخوفون من توجهات واشنطن لا سيما في زمن الرئيس ترامب. يخشى الروس بنوع خاص تواجد الأسلحة النووية الأمريكية في أوروبا، ولهذا ينزعون إلى تعظيم ما يمتلكونه من تلك الأسلحة الفتاكة، ومن الجدير ذكره أن روسيا تحتل المرتبة الأولى في الموارد النووية، فهي تمتلك رسميا 7000 رأس حربي، منها 1950 منشورة، والسؤال هنا هل يعني هذا أن الأسلحة النووية بالنسبة للروس هي الوسيلة الرئيسة للبقاء وأن روسيا لن تتخلى عنها؟

يخبرنا رئيس فريق خبراء مشروع القرم الباحث السياسي «ايغور ريابوف»، أن الأسلحة النووية بالنسبة لروسيا، وكذلك قواتها الصاروخية واحدة من ضمانات أمنها، روسيا هي إحدى القوى التي يؤدي الهجوم عليها إلى حرب عالمية.

ومن هنا فإن الاستنتاج يبقى واضحا جدا: القوات النووية الروسية تشكل رادعا على نطاق عالمي.

السؤال الجوهري الأعلى مستوى العالم: «هل يمكن أن يتخلى العالم عن الأسلحة النووية؟ الثابت انه في 26 أبريل الماضي، عرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على روسيا والصين، التخلي تماما عن الأسلحة النووية، وقد كانت موسكو أول الموافقين على الاقتراح.

من الناحية النظرية البحتة، فإن فكرة التخلي عن الأسلحة النووية صحيحة، ولكن لا يمكن تحقيق هذه الفكرة إلا من خلال نهج صادق. أما عندما ترى معظم الدول في ترسانتها النووية ميزة وليس سلبية، فإن مثل هذه الفكرة ستتبخر، ولن يتغير الموقف إلا عندما تتخلى الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها عن مبدأ التدخل العسكري في شؤون الدول الأخرى.

هل واشنطن قادرة أو راغبة في التخلي الجدي عن أسلحتها النووية؟

يخطئ من يظن أن أمريكا سوف تفعل ذلك لا سيما وهي تعزز يوما تلو الآخر من ذراعها النووي الطويلة، تلك التي تدعم وتزخم مسيرتها في عالم القرن الأمريكي، ذلك الذي وضع لبناته المحافظون الجدد، من عند ليفي شتراوس مرورا ببرنارد لويس، وصولا إلى مجموعة بوش الابن.

أحد الذين تنبهوا إلى الخطر الكارثي النووي المحدق بالعالم في حاضرات أيامنا مؤخرا كان البابا فرنسيس بابا روما، والذي أشار إلى أن موسم نزع الأسلحة قد تم تجاوزه بينما نقف أمام خطر هولوكوست نووي.

كان فرنسيس يتحدث في قاعة كليمنتينا بالقصر الرسولي في حاضرة الفاتيكان، لدى استقباله المشاركين بالجمعية العامة للأكاديمية الحبرية للعلوم الاجتماعية، حين أضاف: يبدو للأسف انه تم تجاوز موسم نزع الأسلحة المتعدد الأطراف، ولم يعد هذا الأمر يحرك الضمير السياسي للبلدان التي تمتلك أسلحة نووية، بل يبدو أن مرحلة جديدة لمواجهة نووية مقلقة قد فتحت، لأنها تلغي التقدم المحرز في الماضي القريب وتزيد تهديد الحروب، وكذلك بسبب الخلل الوظيفي لتكنولوجيات متقدمة تخضع على أية حال للعامل الطبيعي والبشري غير القابل للحدس دائما.

ما الذي يجعل المخاطر النووية بالنسبة لرجل الثوب الأبيض مخيفة إلى هذا الحد؟ عند البابا فرنسيس إلى انه تم الآن، لا على الأرض فقط، بل في الفضاء أيضا تركيب أسلحة نووية هجومية ودفاعية، إذ أن ما يسمى الآفاق التكنولوجية الجديدة، قد زادت ولم تقلل من خطر حدوث محرقة نووية.

في أوائل يناير المنصرم أعلنت دورية «نشرة علماء الذرة»، ومقرها مدينة شيكاغو الأمريكية، أنها ثبتت ساعتها لـ «يوم القيامة» عند دقيقتين قبل منتصف الليل، مما يعني أن العالم كما نعرفه اقترب من النهاية.

في هذا السياق يوضح مجموعة من العلماء منهم 15 من الحائزين على جائزة نوبل كيف أن منتصف الليل النووي لم يتبق عليه سوى دقيقتين وليس أكثر، للاقتراب من ساعة الصفر.

هل الأمر موصول بالإشكالية النووية فقط؟ بالطبع تأتي هذه في المقدمة لكن هناك أيضا كارثة التطورات المناخية، أما المجال النووي فمرده تخلي واشنطن عن الاتفاق النووي الإيراني، وانسحابها من معاهدة القوات النووية متوسطة المدى، مما قد يكون له تأثيره على عملية الحد من التسلح العالمي.

فيما التغيرات المناخية فأمرها موصول بانبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون والتي شهدت ارتفاعا صعوديا في عامي 2017 و2018، الأمر الذي يثير القلق، والذي يمكن أن يقود العالم إلى ساعة الصفر.

في الأسبوع الأول من شهر يونيو الجاري، كشفت دراسة أجراها خبراء من مدينة ملبورن الاسترالية ان الحضارة الإنسانية في شكلها الحالي مصيرها الانقراض، ويرجع السبب في ذلك للحروب والأزمات الطبيعية والأزمة الاقتصادية الوشيكة.

ووفقا للدراسة التي نشرتها مجلة «الناس» الأمريكية الشهيرة، فان أحدا في المستقبل القريب لن يقدر ان ينتزع الإنسانية من فكي الأزمة النووية والأزمة المناخية، فعلى سبيل المثال لن يبذل أحد جهدا لخفض مستوى حرق الوقود الأحفوري، وفي هذه الحالة ستصل الانبعاثات السامة إلى الحد الأقصى بحلول عام 2030.

ونتيجة لذلك بحلول عام 2050 يمكن أن يرتفع متوسط درجة الحرارة على الأرض بمقدار ثلاث درجات، مما سيؤدي إلى اختفاء القمم القطبية، وكذلك ارتفاع مستويات سطح البحر، أو حدوث الجفاف العالمي في غابات الأمازون، والذي يطلق عليه عادة «رنة كوكب الأرض».

وبحسب العلماء ستنتشر الحرائق في الغابات ويحدث أما جفاف عام أو فيضانات، وفي وقت سابق توقع العلماء أن تختفي الحضارة الأولى، والتي نشأت في وادي نهر السند، بسبب التغير الحاد في المناخ.

ويبقى السؤال المخيف الذي ترتعد له فرائص المسكونة من أدناها إلى أقصاها: ما الذي سيحدث للبشر والكوكب حال وقوع حرب نووية؟

الجواب نجده باستفاضة يعجز عنها المسطح المتاح للكتابة، خلال عدد أخير لمجلة «ناشيونال انترست» الأمريكية والشهير.

باختصار غير مخل حال وقوع هجوم نووي ستعود معظم دول العالم الصناعي إلى العصر الحجري مرة أخرى، بالإضافة إلى مقتل مئات الملايين مباشرة، وربما يصل عدد القتلى بسب الإشعاع والمرض والمجاعة في فترة ما بعد الحرب إلى مليار شخص أو أكثر.

هل وضع الطرف الأمريكي تحديدا تصورا ما لمواجهة نووية مع الروس؟

يبدو أن ذلك كذلك، وقد جاء متضمنا وثيقة اطلق عليها «خطة التشغيل المتكاملة الوحيدة»، وقد كانت تفترض اندلاع أزمة جديدة ببرلين، على غرار الأزمة التي وقعت في عام 1961، لكنها كانت ستتصاعد إلى حرب واسعة النطاق بأوروبا الغربية، وفقا للوثيقة.

ومع أن سيناريو الحرب كان خياليا، فان تقديرات ما بعد الهجوم النووي كانت حقيقية للغاية، ووفقا للوثيقة، فان توقعات مستقبل دول الكتلة الشيوعية التي كانت ستتعرض للثقل الكامل للقوة الذرية الأمريكية، كانت قائمة.

في سيناريو الهجوم الأمريكي كان من المنتظر ضرب 199 مدينة سوفيتية، الأمر الذي كان سيحول 56% من سكان المناطق الحضرية و37% من مجموع السكان إلى ضحايا، معظمهم كان سيموت في نهاية المطاف بسبب انهيار المجتمع بعد الهجوم.

وإجمالا كان من شان الهجوم الأمريكي على الاتحاد السوفيتي والصين والدول التابعة لهم في عام 1962 ان يؤدي الى مقتل 335 مليون شخص في غضون أول اثنتين وسبعين ساعة.

أما على الجانب الأمريكي فقد أشار تقرير صادر في الداخل الأمريكي عام 1978 إلى انه حال اطلق الروس أسلحتهم النووية على أمريكا فانه سيسقط ما بين 60 و70 مليون أمريكي صرعى الضربة الأولى. كيف يمكن للمرء أن يتصور الخسائر الآن وبأسلحة متقدمة خمسة عقود عن الستينات، وما يمكن أن يحصده صاروخ مثل «سارامات» الروسي برؤوسه العشر النووية من أرواح الملايين من الأمريكيين.

على البشرية الاستفاقة أو النهاية قادمة لا ريب فيها.