1240490
1240490
المنوعات

وصف مثير لمأساة الإنسان في فترة ضياع للحقوق وانعدام لهواء الحرية

12 يونيو 2019
12 يونيو 2019

قراءة في كتاب زنجبار تستنجد باكية للشيخ أحمد بن سيف الخروصي -

مكتب -«عمان» - بنزوى:-

شهد بنت خميس العامرية -

لم تكن قراءتي لكتاب «زنجبار تستنجد باكية» للكاتب الشيخ أحمد بن سيف الخروصي قراءة عابرة، فمنذ أن قرأته وأنا أستشعر ذلك الظلم الذي عاشه العمانيون في زنجبار في فترة حكومة الانقلاب، منذ عام ١٩٦٤م، بعد المجزرة التي أطاحت بالعمانيين، والأهوال والأحوال التي عصفت بهم، وجعلتهم هشيما تذروه الرياح.

الكاتب هو الشيخ الأستاذ أحمد بن سيف الخروصي، والده الشيخ العلامة القاضي سيف بن ناصر الخروصي الذي كان قاضيا للسلطان خليفة بن حارب البوسعيدي، ولد الشيخ أحمد في زنجبار عام ١٩١١م، والتحق بكلية تدريب المعلمين، وأصبح معلما فيها، ومن ثم تلقى عدة دورات في الصحافة في المملكة البريطانية المتحدة، وأسس جريدة المرشد عام ١٩٤٢م، التي تصدر بثلاث لغات؛ العربية والإنجليزية والسواحيلية. انتقل إلى رحمة الله في عام ١٩٨٥م، بعد عمر قضاه في النضال لنصرة المظلومين في زنجبار.

كتاب مهم لدارسي التاريخ

يوحي طارق بن سعيد المعمري الذي ترجم الكتب عن الإنجليزية، أن هذا الكتاب مهم لدارسي التاريخ، لاشتماله على تفاصيل دقيقة لما يجري، ومهم لمحبي الاطلاع على تلك الحقبة، وجمع المؤلف مادة الكتاب في عشرين رسالة، وصلت إليه عن حال الشعب في تلك الحقبة، تحكي في مجملها أوضاع البلاد، وكيفية إدارة حكومة الانقلاب للبلاد، ويظهر جليا استياء الكاتب وغضبه على تلك الإدارة العنصرية والهمجية، وتتنوع هذه الرسائل حول حوادث اغتيالات لأبرياء واعتقالهم، وتعذيبهم وسجنهم من دون محاكمات، وإلى قضايا سياسية كالمطالبة بانتخابات، وقضايا اجتماعية مثل نقص الغذاء والدواء، والتزويج القسري والفساد الحكومي والعسكري.

يحتوي الكتاب على رسائل معاناة، جمعها الكاتب في كتابه، ليصبح عملا مأساويا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، يتحدث فيه عن معاناة العمانيين، وغيرهم من العرب في زنجبار بعد ١٩٦٤م، ووصف دقيق لحياتهم ومعاملاتهم واعتقالاتهم، وجوعهم وعطشهم وموتهم تعذيبا، حتى كادوا أن يفقدوا اتزانهم العقلي، بسبب معاملة الحكومة الزنجبارية لهم.

من أنواع التعذيب التي تلقاها الكم الهائل من الناس، صب البنزين على رأس الضحية، وإشعال النار فيه، ثم إخماد اللهب بالبطانيات، وهذا ما يسمى بالموت البطيء، وتحكي رسالة من أحد المعتقلين في عام ١٩٧١م، أنه لا يستطيع الحديث عن أنواع التعذيب التي يواجهها المعتقلون، لكي لا يتعرف عليه الطغاة، فهم ينامون على أرضية إسمنتية بلا أي حصير أو سجاد، والزنزانة رطبة ويملؤها البعوض والحشرات ولا توجد تهوية بتاتا.

حياة الجوع وفقدان للحقوق

أما عن الغذاء، فهو يشكل للمعتقلين أزمة حقيقية، لأنه من الندرة بمكان، وفي الوقت نفسه مرتفع السعر، كما أنه طعام غير صالح للغذاء الآدمي، وبالكاد يستطيع المرء شراء الأرز، أما طعامهم المعتاد فهو الكسافة، أو المهوجو، والمنازل التي تختزن الطعام يرسل لها جيش لنهبها، ويسجن ويعاقب من يجدون في بيوتهم قدرا وفيرا من الطعام، أما الذي يريد أن يشتري خبزا فعليه أن يصف طابورا من الرابعة صباحا وحتى الثالثة مساءً، لكي يصل إلى دوره، وإحدى رسائل نقص الغذاء تقول: «نحن الزنجباريون نعرف كيف يشعر المرء، عندما يتضور جوعا، وماذا يعني أن تفقد كل حقوق الإنسانية؟».

أما عن التعليم والتمييز العنصري، فالطلاب الذين ينهون تعليمهم الأساسي، يخضعون لمقابلة، ويتم اختيار الطلاب بناءً على الأعراق التي تناسبهم، ومن بين الأسئلة المطروحة، ما هو أصلك؟: عربي أم قمري؟!، هذا من غير استخدام طلاب المدارس كعسكريين للقتال، وإجبارهم على العمل، بل هو ليس أي عمل، إنما عمل شاق منهك جدا.

رسالة أخرى تشرح مأساة العلاج، وتقول: إن صحة الأطفال سيئة للغاية، والأمراض تتكاثر وتزيد، ولا أحد يعرف عنها شيئا، نتيجة لنقص الغذاء المزمن، ويموت الأطفال بسبب سوء التغذية ونقصها في المستشفيات، ناهيك عن الأطفال غير المسجلين الذين يموتون خارجها. أما عن الاغتصاب، فهو العقوبة الأساسية للسجينات، والزواج القسري منهن أيضا. رسالة أخرى تقول: «ما لدينا اليوم ليس حكومة ثورية، بل ملكية وطغيان وفوضى» هذه الرسالة تحكي وتشكي شح الوظائف، وندرة الطعام وانعدام الملابس، وتقول: إن ما يمتلكه الشعب هو التضوُّر جوعا، والاعتقالات العشوائية، والسجن ظلما من دون محاكمة.

وعن المأساة في الرسالة التي تقول: «نحن في كربٍ هنا» يقف شعر الرأس، وتنهمل دموع العين باكية، ألهذه الدرجة يأكل البشر بعضهم البعض؟، يا للمأساة.

رسائل مختصرة من معاناة شعب

ورسالة أخرى تقول: «إن معاناة الشعب الزنجباري، ليس لها نظير في هذا العقد من الزمن». وأنا أقول: لكم الله يا شعبها الأبي، كانت السجون فوبيا لكل الشعب، وقليل منهم من لم يذق طعمه، كان عاقبتهم الوخيمة من دون سبب أو فعل يذكر، أحدهم أفنى ١٠ سنوات من عمره في السجن ظلما، وآخر ٢٠ سنة، وآخر نصف عمره، والأخير عمره كاملا.

كثرت عويل الأرامل، وصراخ اليتامى، ودماؤهم سقيا لأشجارٍ نمت، قطعوا أغصانها واستظلوا بظلالها، وما هذه إلا نفحات من وحي كاتب وكتاب، ورسائل مختصرة من معاناة شعب بأكمله، وما هو إلا وصف مختصر لحقبة تاريخية من الزمن، وما هو إلا مطالبة بارتقاء هذه الشعوب، ووعيها لمفهوم الحرية واللاعنصرية، وإدراك معنى الإنسانية.

وأخيرا، يسعدني أن أطرح استفادتي من الكتاب، وذلك من خلال تعرُّفي على تفاصيل تلك الحقبة الجائرة، واستشعار الحياة البائسة، حياة الشعب الزنجباري الصَّبور، وتعرفت على مواطن الفساد في تلك الحياة، وكأني حين أقرأه أواجه مآسيهم، وأوجه مواساةً لهم، لكي تتفتح العقول حول القضايا المجتمعية، التي يعانيها كثير من الشعوب، وتتدارك القلوب الرحمة للناس الفاقدين الأمل في حياة هنيئة، أما ما ينقص الكتاب، فحبذا لو أُتم بصور من المأساة، زيادة وتوكيدا لشروحات القضايا، ولا أقول كاملا، ولكنه حرك في داخلي شعورا، وأثار هاجسا.

جدير بالذكر أن الكتاب يتضمن عشر صور ضوئية، لشخصيات تنتمي لتلك المرحلة التي يتناولها الكتاب ويتحدث عنها الكتاب، يقع الكتاب 103 صفحات ، وصدر عن بيت الغشام للصحافة والنشر والإعلان في طبعته الأولى عام 2018م.