أفكار وآراء

دور الدبلوماسية لمعالجة التصعيد في المنطقة

11 يونيو 2019
11 يونيو 2019

عوض بن سعيد باقوير /صحفي محلل سياسي -

الأزمة السياسية المعقدة في السودان لم يكن للجامعة العربية دور يذكر والسودان الشقيق هو عضو في الجامعة العربية وبدلا من ذلك تدخل الاتحاد الإفريقي وهو الأكثر حركة ونشاطا ولديه آليات واضحة كما تدخلت اثيوبيا في الأزمة السودانية لإيجاد حل يجنب السودان الشقيق وشعبها المشكلات نتيجة التغيير الذي حدث في النظام السياسي.

تلعب الدبلوماسية دورا أساسيا في إيجاد حلول واقعية لعدد من القضايا الخلافية والتصعيد الذي ينشب بين الدول من خلال تحركات سياسية معلنة وغير معلنة في محاولة جادة للخروج من تلك الأزمات التي تعصف بعدد من المناطق الجغرافية، ولعل نموذج الخلاف الملتهب بين الولايات المتحدة وإيران والذي بدا مع قيام الجمهورية الإسلامية عام 1979 ورغم ذلك الخلاف المحتدم وعلى مدى أربعة عقود لم تندلع حرب مباشرة كبيره بين واشنطن وطهران، والسبب الأساسي يعود إلى الدور الدبلوماسي الذي قامت به عدد من الدول كالجزائر مثلا في أزمة الرهائن مرورا بالوضع في مضيق هرمز خلال الحرب الإيرانية - العراقية في مطلع عقد الثمانينات وأخيرا الأزمة النووية والتي لعبت فيها الدبلوماسية العمانية دورا كبيرا توج بالاتفاق النووي بين إيران والقوى الكبرى عام 2015.

ولعل ما يدور الآن من أزمات في أقاليم أخرى في السودان والجزائر وحتى اليمن وسوريا لابد للدبلوماسية أن تواصل دورها الإيجابي لإنهاء تلك الصراعات وان يكون الحوار هو أساس الحل والأمر ينطبق كذلك على الأزمة الخليجية والتي تدخل عامها الثاني ولا تزال الجهود الدبلوماسية غير العلنية تتواصل.

الدبلوماسية والحروب

خلال النصف القرن الماضي على الأقل يمكن القول بأن الدبلوماسية الإقليمية والدولية منعت اندلاع عدد من الصراعات الكبرى، وفي الوقت نفسه فشلت في منع اندلاع صراعات أخرى، والسبب يعود في ذلك الفشل بأن نوايا الدول والتي كانت لها أجندات خفية استراتيجية واقتصادية تجاوزت العمل الدبلوماسي وكان من الصعب إن لم يكن من المستحيل منع اندلاع تلك الحروب، ولعل الغزو الأمريكي للعراق نموذج صارخ في هذا الإطار حيث انطلق مبدا الحرب من مسألة وجود أسلحة الدمار الشاملة في العراق وهي كذبة كبرى اتضح مدلولها السياسي ودفعت العراق ولا تزال تلك الرؤية الخاطئة والمتعمدة من بعض الساسة في الولايات المتحدة.

ومن هنا فإن الدبلوماسية تظل هي الأداة التي تسعى إلى إيجاد خيارات السلام واشتهرت دول عديدة بتلك المبادئ الراسخة ودورها الحيادي الإيجابي ومنها دول كسويسرا والسويد والنمسا والنرويج والسلطنة.

ومع تعقد الصراعات والأطماع الاقتصادية والتهور لعدد من الإدارات الحاكمة في العالم كإدارة الرئيس الأمريكي ترامب تضيق قنوات الاتصال الخفية والتي لها دور كبير في تخفيف التصعيد، ولعل الحالة الإيرانية الراهنة نموذج في هذا الإطار حيث كانت المواجهة السياسية والإعلامية كبيرة، وكادت أن تفضي إلى حرب من خلال الحشد العسكري الأمريكي في مياه الخليج والتحريض الإسرائيلي وعدد من الأطراف، ومع ذلك كان للدبلوماسية دور مؤثر في تخفيف التصعيد بين واشنطن وطهران وهو دور لا يزال متواصلا من خلال الزيارات الرسمية لطهران وواشنطن ومن هنا تبرز أهمية الجانب الدبلوماسي.

ومع تضاءل الدور السياسي للأمم المتحدة خلال السنوات الأخيرة بدا يبرز دور الدول ذات النهج الموضوعي كالسلطنة والتي تميزت دبلوماسيتها بالهدوء والاتزان والمصداقية والاحترام وأيضا القبول من الأطراف ذات الخلافات كما في الحالة الإيرانية قبل سنوات ما قبل الاتفاق النووي وفي الحالة الراهنة، ومن هنا فان الأزمات الإقليمية المشتعلة الآن في عدد من الدول العربية تحتاج إلى الآلية الدبلوماسية وذلك لعدة أسباب موضوعية.

أولا الحسم العسكري أصبح غير ممكن بعد سنوات من تلك الحروب ولعل الحالة اليمنية هي نموذج في هذا الإطار حيث تحولت هذه الحرب إلى ما يشبه حرب الاستنزاف، وهي حالة تصبح معها الحرب مجرد حالة عبثية ومن هنا فان اتفاق استوكهولم والمبادرات الدبلوماسية خاصة من السلطنة تبقى هي الملاذ الأخير لخروج الجميع من المازق اليمني.

وثانيا تلك الحروب ذات تكلفة اقتصادية عالية على اقتصاديات الدول وهذا سبب كاف لإنهاء تلك الحروب وفق الرؤية التي تنتهجها الأمم المتحدة، ويبدو أن هناك استعدادا لإنهاء هذا الملف من الأطراف اليمنية ذات العلاقة المباشرة بالحرب اليمنية، والتي تدخل عامها الخامس حيث يعاني الشعب اليمني الأمرين على المستوى الإنساني، وهي الأكبر في التاريخ الحديث.

وأخيرا الحروب تعطي نتائج كارثية للشعوب على صعيد تنامي الكراهية وهذا أمر له نتائج سلبية خاصة لدول تربطها وشائج اجتماعية وجغرافية وتاريخ مشترك وقبل كل شيء الدين الإسلامي الحنيف.

المقاربة السياسية

في الغرب ومنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية أصبحت هناك مقاربة واضحة للنظام السياسي في أوروبا من خلال وجود آليات لفض النزاعات والخلافات تعززت بوجود منظمات الاتحاد الأوروبي، وهكذا عاشت أوروبا ولا تزال في ظل منظومة قانونية واستقرت الأمور ولعبت تلك الآليات دورا كبيرا حتى مع سقوط حائط برلين وسقوط الشيوعية على الجانب الشرقي من أوروبا حيث اندمجت دول أوروبا الشرقية في المنظومة الغربية وأصبحت جزءا أصيلا من الاتحاد الأوروبي.

على الجانب العربي وبعد الاستقلال وظهور الدول الوطنية ورغم وجود الجامعة العربية لم تكن هناك آليات واضحة في المنظمة العربية لفض المنازعات والخلافات بين الدول خاصة قضايا الحدود وآثار ما بعد الاستعمار، ومن هناك دخلت الدول العربية في صراعات وحروب لا تزال مشتعلة في غياب الإرادة السياسية رغم العدو المشترك للامة العربية وهو الكيان الإسرائيلي والذي يفترض أن يوحد الجهود العربية والالتقاء على كلمة سواء.

الأزمة السياسية المعقدة في السودان لم يكن للجامعة العربية دور يذكر والسودان الشقيق هو عضو في الجامعة العربية وبدلا من ذلك تدخل الاتحاد الإفريقي وهو الأكثر حركة ونشاطا ولديه آليات واضحة، كما تدخلت اثيوبيا في الأزمة السودانية لإيجاد حل يجنب السودان الشقيق وشعبها المشكلات نتيجة التغيير الذي حدث في النظام السياسي.

ومن هنا فإن المقاربة السياسية في الغرب والتي تعتمد على الآليات الدبلوماسية لابد أن تطبق في الدول العربية من خلال تفعيل آليات جديدة في النظام الرسمي العربي وتطوير آليات الجامعة العربية وأن يكون للدبلوماسية الدور الأكبر لإنهاء النزاعات الإقليمية للحيلولة دون نشوب صراعات في المنطقة يكون لها نتائج كارثية على مقدرات الشعوب.