أفكار وآراء

لماذا الإصرار على نهاية عصر الدولة القومية؟

04 يونيو 2019
04 يونيو 2019

عاطف الغمري -

في أواخر التسعينات حشدت ماكينات الدعاية في الغرب، جمهورها للترويج لفكرة انتهاء عصر الدولة القومية. في هذا الوقت وتحديدًا في عام 1994، كانت البداية بمشروع يحمل نفس المعنى مقدم إلى الأمم المتحدة، وذلك في وقت افتتاح دورتها السنوية، لكن المشروع قوبل بالرفض من غالبية الوفود، ومنهم وفد مصر الذي كان يترأسه وزير الخارجية في ذلك الوقت عمرو موسى.

ورافق هذا المشروع زخم إعلامي أدارته الصحف الإعلامية الكبرى، واسعة الانتشار في العالم، للترويج لهذه الفكرة، وذلك لتحقيق هدفين، أولهما أنها تأتي في توقيت متزامن مع طرح مشروع إعادة رسم الحدود بين دول الشرق الأوسط، والذي يعزز تحرك أي قوى انفصالية، تشعر أن وراءها دولاً تدعمها.

وثانيًا لإشعال المشاعر الطائفية والمذهبية، ودفعها إلى التمسك بمطالبها الانفصالية عمليًا وليس فقط نظريًا، والإصرار على الانسلاخ عن وطنها وإقامة دويلات مستقلة.

كان ذلك يجرى في إطار اتصالات بين بعض هذه القوى، وبين أجهزة مخابرات خارجية، والتي أدت إلى انتشار منظمات مسلحة ومتطرفة، في دول المنطقة، وكشفت عن هذه الخطط الخريطة التي نشرتها في عام 2006 مجلة القوات المسلحة الأمريكية، التي أكدت وجود خطط لإعادة رسم الحدود بين دول المنطقة، تطبيقًا لوجهات نظر أمريكية وإسرائيلية.

وأيضًا ما تحدث عنه كتاب ومسؤولون أمريكيون عما أسموه بنظرية الفوضى الخلاقة، التي تقود إلى تفكك دول المنطقة، عن طريق استخدام العنف، والتي اعترف بها صراحة واضع مشروع الفوضى الخلافة، وهو الإسرائيلي الأصل وحامل الجنسية الأمريكية لاحقًا، مايكل لادين، وهو من أبرز خبراء استراتيجية الشرق الأوسط والمغرب من مجلس الأمن القومى لإدارة بوش.

ونظرية الفوضى الخلاقة هي التي خصص لها مركز الأبحاث العالمية الأمريكي CRG دراسات تفصيلية، وبعد أن تحدثت عنها كونداليزا رايس أثناء زيارة لها إلى إسرائيل عام 2006، ووصفت بأنها تقوم على إيجاد قوس من الأزمات، وعدم الاستقرار، والفوضى، والعنف يمتد من العراق وسوريا ولبنان، ليشمل بقية دول المنطقة.

والجدير بالذكر أن مجموعة المحافظين الجدد الذين كانوا يقودون السياسة الخارجية والعسكرية في إدارة بوش، كانت قد طالبت قبل غزو العراق مباشرة عام 2003، بألا تقتصر الحرب على العراق وحده، بل تكون حربًا شاملة Total War ضد جميع الدول العربية، وكان سبيلهم إلى ذلك استخدام منظمات محلية ومتطرفة لخدمة أهدافها.

وهو ما أشار إليه محللون في الغرب، من وجود ارتباط بين خطط نظرية الفوضى، وبين ظهور تنظيم داعش، الذي أعلن حربه الإرهابية الفوضوية على جميع دول المنطقة دون استثناء.

وهذا أيضًا هو ما أكده الجنرال ويسلى كلارك القائد السابق لقوات حلف الأطلنطي في أوروبا في كتابه «كسب الحرب»، أن خطة غزو العراق هي عملية شاملة، كان يفترض أن يبدأ بعدها مباشرة تكرار نفس الخطة في سبع دول في المنطقة.

والملاحظ أن انتشار منظمات الإرهاب، والتي تنوعت مسمياتها، قد رفعت شعارات أبرزها تغيير الأنظمة، وهدم الدولة القومية، وطمس هويتها الوطنية، والحرب على جميع الدول العربية، بغير استثناء.

ويرتبط هذا التوجه السياسي الخارجي للدول الداعمة لمنظمات الإرهاب، بهدفين أحدهما ضمان هيمنة الولايات المتحدة على الشرق الأوسط سياسيًا، وكذلك حماية مصالحها الاقتصادية الهائلة في المنطقة والتي تحسب كلها بأنها تحوي ثروات اقتصادية، وموقع جغرافي استراتيجي، وجوار مع إسرائيل، والتي تعد مصلحة إستراتيجية كبرى لأمريكا في الشرق الأوسط.

وهذا التوجه للسياسة الخارجية، هو الذي تتولاه وتديره وكالة المخابرات المركزية، والتي توصف في واشنطن، بالباب الخلفي للسياسة الخارجية، وحيث تمثل وزارة الخارجية الواجهة الظاهرة لهذه السياسة، في عيون الدول الأخرى التي تتعامل معها. وتلك حقيقة أسهبت في شرحها مؤلفات أمريكية كثيرة، بعضها رجال مخابرات سابقين.

وبشكل عام فإن هدف إنهاء عصر الدولة القومية، من خلال دعم الحركات الانفصالية وتفتيت الدولة الوطنية إلى دويلات، كانت محل حديث متكرر عنها، منها على سبيل المثال ما تحدث عنه الخبير العسكري الإسرائيلي زئيف تشيف قبيل حرب العراق، عن وجود اتجاه لتقسيمه إلى ثلاث دويلات.

وهو نفس ما كان جو باين نائب الرئيس أوباما، في وقت عضويته قبل ذلك بمجلس الشيوخ الأمريكي، قد دعا إلى تنفيذه، بتقسيم العراق إلى ثلاث دول.

نفس التوجه شهد محاولات لتطبيقه في سوريا، وليبيا، واليمن، استمرارا لنفس مفهوم إنهاء عصر الدولة القومية.