الملف السياسي

خلايا الإرهاب تعود مجددا في أوروبا

27 مايو 2019
27 مايو 2019

عوض بن سعيد باقوير - صحفي ومحلل سياسي -

إن العنف والإرهاب أصبحا سمة العصر بصرف النظر عن طبيعة ذلك العنف وأدواته والأهداف التي ينطلق منها، فظاهرة اليمين المتشدد في أوروبا كان لها دور كبير في تنامي تلك الظاهرة والنازيون الجدد في ألمانيا على سبيل المثال لا يزالون موجودين، ولهم إعلامهم وحركتهم الاجتماعية، بصرف النظر عن محدودية التأثير فظاهرة العنف تأتي خطورتها من الأفكار وليس من المظاهر المسلحة فالأخيرة هي نتيجة تبني تلك الأفكار المتطرفة.

عرفت أوروبا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى ما قبلها ظاهرة العصابات، وقد كان نشاط بعض تلك المجموعات المسلحة هي ردة فعل على أحداث الحرب العالمية الثانية، وما آلت إليه من نتائج وخاصة على صعيد ألمانيا النازية وإيطاليا في عهد موسوليني وانتشرت ظاهرة القومية المتعصبة حتى في اليابان.

وما زلنا نذكر مظاهر تلك العمليات الإرهابية في الولايات المتحدة وأوروبا في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي، حيث وجود جماعة الكابوني في أمريكا ومنظمة بادر-ماينهوف في ألمانيا والألوية الحمراء في إيطاليا، ومن هنا كانت لتلك المجموعات المسلحة دور في تنامي الظاهرة اليمينية القومية في أوروبا التي نشاهد بعض مظاهرها اليوم مثل النازيين الجدد، وعلى ضوء ذلك تنامت ظاهرة تلك الخلايا خاصة بعد التحولات الكبرى التي طالت أوروبا خلال النصف الثاني من القرن الماضي ووصول الملايين من المهاجرين من الشرق، وحتى من أوروبا الشرقية وظهور داعش والسخط العام الذي أصاب العالم العربي بعد النكسات العسكرية ضد الكيان الإسرائيلي باستثناء حرب أكتوبر عام 1973.

الظاهرة تتنامى

لا شك أن تنامي ظاهرة الإرهاب والشعبوية في أوروبا مثلت امتدادا للمجموعات المسلحة والتي تمت الإشارة إلى بعضها ولا شك أن قضايا العنصرية وسطوة الرجل الأبيض ووصول المهاجرين من أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط فاقم تلك الظاهرة من خلال المواجهة الحضارية أولا، ولأسباب أيديولوجية، كما نراها الآن في اليمين المتشدد بالولايات المتحدة وصعود هذا التيار في عدد من الدول الأوروبية.

وعلى ضوء ظهور جماعة داعش انضم الآلاف من المواطنين في أوروبا لهذه المنظمة المسلحة لأسباب مختلفة وشكلوا في نهاية المطاف خلايا نائمة في العواصم والمدن الأوروبية، ولعل الأحداث الإرهابية التي شهدتها مدن باريس ولندن وبرلين وغيرها من المدن الأخرى يعطي لمحة عن تنامي الفكر المتشدد، الذي استغل لأسباب متعددة من خلال تعمد الفكر الغربي بإلصاق ظاهرة الإرهاب بالإسلام السياسي، ومن هنا بدأت موجات العنف تغزو أوروبا لأسباب تتعلق بالتضييق على المهاجرين علاوة على المشكلات والصراع مع إسرائيل والإحباط الذي شعر به ملايين من الشباب العربي؛ نتيجة الظلم الفادح الذي تعرض له الشعب الفلسطيني على مدى سبعة عقود والانحياز السافر من قبل الغرب ضد الحقوق العربية بشكل عام.

وعلى ضوء ذلك اختلطت المفاهيم الأيديولوجية والعنصرية والنظرة الدونية لمهاجري الشرق حيث يعيش ملايين المهاجرين من الشرق في أوروبا والولايات المتحدة، وأصبح الحديث يدور حول الجيل الأول والثاني وحتى الثالث خاصة من دول الشمال الأفريقي، حيث تبعات الاستعمار الفرنسي والإيطالي، ومن هنا يأتي الصدام الحضاري والمشكلات الاجتماعية وظهور داعش وحتى القاعدة لتضيف مشهدا دراماتيكيا لظاهرة العنف في أوروبا.

إلى أين المسار؟

بدأت الأصوات ترتفع في أوروبا حول خطورة الخلايا النائمة، التي تضرب الأمن الأوروبي بين فترة وأخرى، وهناك تحليل حول أهمية البحث عن جذور تلك الظاهرة وارتباطها بالأيديولوجيا والعنصرية والظلم الذي يحدث في أقاليم في الشرق الأوسط، والدونية التي يشعر بها المهاجرون رغم أن أغلبهم اصبحوا مواطنين أوروبيين ومن هنا فإن الخطورة تكمن في الترابط بين الظاهرة الأيديولوجية في الغرب والقادمة من الشرق، وبين الإحباط وظهور جيل جديد من الشباب الذين يرون وجود ظلم اجتماعي وأحيانا نوع من التمرد على الواقع لأسباب غير مفهومة، وهناك دوافع المال كما رأينا خلال وجود داعش في سوريا والعراق والتدفق من الرجال والنساء الذي يأتي من الشرق وأوروبا على حد سواء وعلى ضوء المناقشات المتعددة التي تدور في البرلمانات الأوروبية، فهناك قلق متزايد من تصاعد الخلايا النائمة في أوروبا التي يصعب كشفها أو حتى السيطرة عليها؛ لأنها تكون بأعداد محدودة وتستخدم التقنية المتطورة التي ساعدت على سهولة الاتصال، وبالتالي التنفيذ بشكل اسرع يتخطى الاحتياطات الأمنية، كما حدث في تفجيرات القطارات في لندن وأيضا أحداث باريس ونيس.

وعلى ضوء تلك المشاهد المرعبة التي أصبحت تشكلها الخلايا النائمة وخطورتها على الأمن والاستقرار في المجتمعات الأوروبية، فإن تلك الظاهرة تحتاج إلى وقفة ودراسة متعمقة عن مسارها الحالي والمستقبلي وحركتها في المحيط الأوروبي والحدود المفتوحة بعد قيام الاتحاد الأوروبي، كما أن ظاهرة الهجرة غير النظامية بفعل الأحداث والصراعات في عدد من دول الشرق الأوسط بدأت تأخذ أبعادا سياسية قوية من خلال الإجراءات التي تتحدث عنها دول كفرنسا وبريطانيا.

إن العنف والإرهاب أصبح سمة العصر بصرف النظر عن طبيعة ذلك العنف وأدواته والأهداف التي ينطلق منها، فظاهرة اليمين المتشدد في أوروبا كان لها دور كبير في تنامي تلك الظاهرة والنازيون الجدد في ألمانيا على سبيل المثال لا يزالون موجودين ولهم إعلامهم وحركتهم الاجتماعية، بصرف النظر عن محدودية التأثير، فظاهرة العنف تأتي خطورتها من الأفكار وليس من المظاهر المسلحة فالأخيرة هي نتيجة تبني تلك الأفكار المتطرفة.

هل من حلول؟

طالما استمر زحف اليمين المتطرف وبث الأفكار العنيفة وتداخل تلك الأفكار بين الجماعات المهاجرة، فإن تلك الخلايا النائمة سوف تظل تؤرق المخططين الآن في أوروبا، ولعل من أهم الحلول هو دراسة الظاهرة بشكل أكبر من الناحية النفسية والاقتصادية والتوجهات القومية علاوة على إيجاد حلول للقضايا الشائكة في الشرق الأوسط وعلى رأسها القضية الفلسطينية، حيث إن هذه القضايا سببت الإحباط للكثيرين، وهناك شعور بالظلم تجاه المعالجة السياسية والانحياز للاحتلال الإسرائيلي، وكما هو معروف بأن وجود الاحتلال في حد ذاته يخلق شعورا بالإحباط لدى بعضهم حتى داخل أوروبا ومن هنا فإن المواجهة في أوروبا ومن خلال تلك الخلايا النائمة ينطلق من مفاهيم حضارية وسياسية واجتماعية، وهي بذلك تتعمق أكثر في ظل السياسات الأوروبية التي لا تتماشى وتلك المظاهر.

فالأمن في القارة الأوروبية يتعرض لمشكلات كبيرة من خلال وجود تلك الخلايا النائمة وهي مظاهر الجماعات المسلحة نفسها التي استخدمت العنف كأداة لتحقيق أهداف سياسية، وحتى اقتصادية ومن هنا فإن حوارا مجتمعيا وتحليلا دقيقا للظاهرة لا بد أن يحدث وأن يكّون حلولا واقعية ويوجد آليات محددة حتى يمكن البحث عن الأسباب الحقيقية لمظاهر العنف والإرهاب الذي أصبح يشكل الخطورة على الأمن الوطني للدول في أوروبا وخارجها.

كانت مدينة صقلية في العقود السابقة تمثل الخلايا النائمة لمنظمة الألوية الحمراء وكانت المشاهد مرعبة في تلك المدينة، فقد ركزت على قتل عدد من القضاة في إيطاليا الذين يصدرون الأحكام على قيادات تلك المنظمة الإرهابية، وبالتالي فظاهرة العصابات المسلحة والإرهاب المنظم هي ظاهرة غربية بالأساس وهي تمرد على الواقع الأوروبي ما بعد الحرب العالمية الثانية، ومن هنا فإن الخلط بين الأفكار القومية والأيديولوجيا شكل ظاهرة جديدة تنطلق منها تلك الجماعات، ولعل أحداث مسجدي نيوزيلاندا هي دليل واقعي على تجذر الظاهرة حتى لو كانت فردية فهناك صراع خفي بين الأفكار الراديكالية والأيديولوجية في مظاهرها السطحية، وعلى ضوء ذلك فإن ظاهرة العنف والإرهاب سوف تستمر في أوروبا وخارجها طالما الأسباب التي قامت من أجلها مستمرة، وهنا تحتاج أوروبا إلى صياغة حلول جديدة وآليات مختلفة تنهي وجود تلك الخلايا النائمة، التي اصبح لها تكتيكات يصعب في كثير من الأحوال كشفها بدليل تكرار الحوادث الإرهابية بين فترة وأخرى وبطريقة لم يكن الأمن يتوقعها، وهنا تكمن الخطورة التي قد تشكل إزعاجا وصداعا مزمنا للأمن الأوروبي في المرحلة القادمة في ظل العجز في إيجاد آليات وحلول موضوعية للظاهرة بشكل كامل.