Untitled-1
Untitled-1
إشراقات

حرف وصناعات : استخراج اللؤلؤ والمرجان

26 مايو 2019
26 مايو 2019

حمادة السعيد -

هذه الحلقات المكتوبة إنما هي إشارات سريعة وعاجلة، للفت الأنظار إلى قضية مهمة في زمنِ البطالة لتوجيه أنظار الباحثين عن العمل إلى المهن والحرف وعدم احتقارها أو التهوين من شأنها؛ فلقد حثّ الإسلام على العمل أيًّا ما كان نوعه، شريطة أن يكون بهذا العمل نافعًا لنفسه والآخرين غير ضار لأحد، ويكفي هؤلاء الذين يعملون بالحرف والصناعات شرفا وفخرا وعزة وكرامة أن أشرف خلق الله وأفضلهم وهم الأنبياء والرسل قد عملوا بحرفة أو امتهنوا مهنة.

ولقد أشار القرآن الكريم في آياته إشارات واضحة ومباشرة أو ضمنية تفهم في مجمل الآية إلى بعض الحرف والصناعات كذلك حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك وحين يشير القرآن تصريحا أو تلميحا إلى أمر ما فهو أمر مهم وعظيم فالقرآن لا يتحدث إلا عما فيه سعادة وصلاح حال البشرية ومن الحرف التي أشار إليها القرآن الكريم في آياته استخراج اللؤلؤ والمرجان من باطن البحار والمحيطات لما فيه من نفع كبير.

يقول البحث أنس محمد قصار، إن الصناعة لم تكن مزدهرة في الجاهلية، بل كانت بسيطة، تُركت للعبيد ولما جاء الإسلام أولى قضية التصنيع أهمية واضحة، فأوجد ألوانًا من الصنائع ما كانت العرب تعرفها، وأمر بعمران هذه الأرض واستثمار خيراتها، قال جل وعلا في كتابه العزيز: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الجاثية: 13. ومن الصناعات التي أشار إليها القرآن صناعة الغوص واستخراج اللؤلؤ والمرجان حيث قال الله تعالى: (وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ) الأنبياء: 82. وقال أيضًا: (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَ يَبْغِيَانِ * فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ) الرحمن: 19-22.

جاء في «التفسير القرآني للقرآن» لعبد الكريم الخطيب في قوله تعالى: «وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ» أي وسخرنا لسليمان «مِنَ الشَّياطِينِ» أي من بعض الشياطين لا كلّهم، من يغوصون له في البحار ويستخرجون اللؤلؤ والمرجان وغيرها.. «وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذلِكَ» أي أقل من هذا العمل، كأن يسخّروا في البناء، وحمل الأحجار، وغير هذا.. كما يقول سبحانه وتعالى في آية أخرى: «وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ» وقوله «يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ» .أي يخرج من البحرين- الحلو والملح- اللؤلؤ والمرجان..واللؤلؤ: إفراز حيوان بحري، داخل بيت صدفي، لونه أبيض، وتتخذ منه الحلي الثمينة، من قلائد، وقرط، وخواتم.. ولونه أبيض، مشرب بصفرة.

والمرجان: خرز أحمر، صغار، وهو نباتي أقرب إلى عالم الحيوان..

واللؤلؤ يخرج من التقاء الماء العذب بالماء الملح، أو حيث خلجان البحار الساكنة التي ينزل عليها ماء المطر، فيكون الماء العذب، سواء من الأنهار، أو الأمطار، أشبه باللقاح للماء الذي يتخلّق منه حيوان اللؤلؤ، ولهذا أضيف إخراج اللؤلؤ إلى البحرين معا.. الملح والعذب..ومن كلّ من البحار والأنهار، يستخرج اللؤلؤ والمرجان.. ولكن لا بد من التقاء الملح بالعذب، والعذب بالملح، على أية صورة من الصور حتى يتخلّق منهما اللؤلؤ والمرجان.

ويقول الشعراوي في تفسيره: فبعد أنْ سخَّر الله له الريح سخَّر له الشياطين {يَغُوصُونَ لَهُ ... } والغَوْصُ: النزول إلى أعماق البحر؛ ليأتوه بكنوزه ونفائسه وعجائبه التي ادخرها الله فيه {وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلك ... } أي: مما يُكلِّفهم به سليمان من أعمال شاقة لا يقدر عليها الإنسان.

وجاء في التفسير المنير للزحيلى: ومن النعم على سليمان أن الله سخر له فئة من الجن والشياطين يغوصون له في أعماق البحار لاستخراج اللؤلؤ والمرجان والجواهر ونحوها، ويعملون له أعمالا أخرى كصناعة التماثيل والمحاريب، وكان الله وما يزال حافظا لأعمال الشياطين من إفساد ما صنعوه وتخريب ما عمروه.

وقال صاحب «في ظلال القرآن»: «فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ. وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ. وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ» .

وتسخير الريح لعبد من عباد الله بإذن الله لا يخرج في طبيعته عن تسخير الريح لإرادة الله. وهي مسخرة لإرادته تعالى ولا شك، تجري بأمره وفق نواميسه فإذا يسر الله لعبد من عباده في فترة من الفترات أن يعبر عن إرادة الله سبحانه وأن يوافق أمره أمر الله فيها وأن تجري الريح رخاء حيث أراد فذلك أمر ليس على الله بمستبعد. ومثله يقع في صور شتى.

وقوله «يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ» ..واللؤلؤ- في أصله - حيوان. و«لعل اللؤلؤ أعجب ما في البحار، فهو يهبط إلى الأعماق، وهو داخل صدفة من المواد الجيرية لتقيه من الأخطار، ويختلف هذا الحيوان عن الكائنات الحية في تركيبته وطريقة معيشته، فله شبكة دقيقة كشبكة الصياد، عجيبة النسج، تكون كمصفاة تسمح بدخول الماء والهواء والغذاء إلى جوفه، وتحول بين الرمال والحصى وغيرها. وتحت الشبكة أفواه الحيوان، ولكل فم أربع شفاه. فإذا دخلت ذرة رمل، أو قطعة حصى، أو حيوان ضار عنوة إلى الصدفة، سارع الحيوان إلى إفراز مادة لزجة يغطيها بها، ثم تتجمد مكونة لؤلؤة! وعلى حسب حجم الذرة التي وصلت يختلف حجم اللؤلؤة !».

«والمرجان من عجائب مخلوقات الله، يعيش في البحار على أعماق تتراوح بين خمسة أمتار وثلاثمائة متر، ويثبت نفسه بطرفه الأسفل بصخر أو عشب. وفتحة فمه التي في أعلى جسمه، محاطة بعدد من الزوائد يستعملها في غذائه. فإذا لمست فريسة هذه الزوائد، وكثيرا ما تكون من الأحياء الدقيقة، أصيبت بالشلل في الحال، والتصقت بها، فتنكمش الزوائد وتنحني نحو الفم، حيث تدخل الفريسة إلى الداخل بقناة ضيقة تشبه مريء الإنسان.

ويتكاثر هذا الحيوان بخروج خلايا تناسلية منه، يتم بها إخصاب البويضات، حيث يتكون الجنين الذي يلجأ إلى صخرة أو عشب يلتصق به، ويكون حياة منفردة، شأنه في ذلك شأن الحيوان الأصلي.

ومن دلائل قدرة الخالق، أن حيوان المرجان يتكاثر بطريقة أخرى هي التزرر. وتبقى الأزرار الناتجة متحدة مع الأفراد التي تزررت منها، وهكذا تتكون شجرة المرجان التي تكون ذات ساق سميكة. تأخذ في الدقة نحو الفروع التي تبلغ غاية الدقة في نهايتها. ويبلغ طول الشجرة المرجانية ثلاثين سنتيمترا. والجزر المرجانية الحية ذات ألوان مختلفة، نراها في البحار صفراء برتقالية، أو حمراء قرنفلية، أو زرقاء زمردية، أو غبراء باهتة. والمرجان الأحمر هو المحور الصلب المتبقي بعد فناء الأجزاء الحية من الحيوان، وتكون الهياكل الحجرية مستعمرات هائلة. ومن هذه المستعمرات سلسلة الصخور المرجانية المعروفة باسم الحاجز المرجاني الكبير، الموجود بالشمال الشرقي لأستراليا. ويبلغ طول هذه السلسلة، ألفا و 350 ميلا. وعرضها 50 ميلا. وهي مكونة من هذه الكائنات الحية الدقيقة الحجم.

ومن اللؤلؤ والمرجان تتخذ حلى غالية الثمن عالية القيمة، ويمتن الله على عباده بهما، فيعقب على ذكرهما في السورة ذلك التعقيب المشهود: «فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ؟».

فهذا هو هدي نبينا الذي بين لنا كيف تتم الاستفادة من البحر باستخراج ما فيه من لؤلؤ ومرجان فمن اتبع هذا الهدي عاش كريما.