adel
adel
أعمدة

لا أفكار.. ثمة زهرة واحدة

22 مايو 2019
22 مايو 2019

عادل محمود -

رحل هذا الأسبوع الدكتور طيب تيزيني. ولقد صدم رحيله باب الأسئلة ونوافذ الأجوبة.... وإذا أخذنا العينات، من الأسئلة والأجوبة لفحصها، وجدنا، مثلاً، أنه ما يزال حياً ولم يمت ولم يدفن... لأن أجهزة الإعلام السورية تجاهلت وفاته، كما تجاهلت حياته. وبالتالي بدا الموت كإشاعة في الساعات الأولى لرحيله.

أحد منتقديه زميل من فرسان الفلسفة والثورة قال في الساعات الأولى لرحيله: « عرفت الدكتور محمد (!)الطيب تيزيني طالباً 1970 ـ 1974 وعرفته زميلاً منذ العام 1980. عرفته في الغربة بجامعة عدن 1993. عرفته معرفة عميقة. عرفته في حياته اليومية وفي حياته العامة. عرفت صفاته وأخلاقه وسلوكه. عرفت خطابه الشفهي، وخطابه المكتوب، ومخزونه المعرفي. أهداني كل ما نشر، وقرأت جل ما كتب... لم أعجب بأية صفة من صفاته، ولم أرض عن أي سلوك من سلوكاته، ولم أستحسن أيا من مؤلفاته».

ولكن مؤسسة كوندورديا الفلسفية الألمانية ـ الفرنسية اختارت الطيب تيزيني ضمن قائمة المائة فيلسوف في العالم. الطيب كان صاحب نظرية «الدولة الأمنية» التي لا يمكن التقدم والتحديث والديمقراطية دون تفكيكها. فهي متربعة على رباعي: الفساد، احتكار السلطة، الإعلام، والثروة. وكان يجاهر بقوله: «في كل العالم يوجد دولة فيها فساد. إلا في سورية: ثمة فساد عنده دولة».

وعندما اندلعت الأحداث في سورية 2011 اعتصم مع المعتصمين، وبينهم طلابه في الجامعة، للمطالبة بإطلاق سراح السجناء. فأخذوه وضربوه واعتذروا منه. الطيب كان مثقفاً حوارياً لا يمل من الحوار، حتى لو كان مع أشخاص تبدو عليهم سيمياء عدم الاقتناع بالأنبياء. الطيب حاور مشايخ النظام. وحاور مسؤولي السلطة. وكان يردد في باب مزايا سورية، إنها بلاد مزخرفة بثماني عشرة طائفة دينية وببضعة أثنيات قومية. وإذا كان طبيعياً أن يختلفوا فليس طبيعيا ألا يتعايشوا.

لقد عاش محاوراً هادئاً، وها هو يموت مثيراً وراءه عاصفة حوار أيضاً، الأمر الذي يجعل موته جسراً لتفاعل أفكاره ومواقفه. ولذلك استغرب من زميله الجامعي، الدكتور في الفلسفة، الذي تحدث عنه كأنه «جمل يحمل أسفاراً» وليس أستاذاً جامعيا، في النظام المعرفي الحديث.

لكن الأمر الأكثر غرابة أن يكون هذا الهجاء، الذي جاء بصيغة الرأي الشخصي الفظ، قريباً من موقف السلطة التي لم تذرف قطرة حبر عليه. والأكثر غرابة ألا يكون له جنازة لائقة لا شعبياً في مدينته حمص،ولا رسمياً في دمشق العاصمة.

رداً على عدم وجود مسرح عربي...قال أحد الكتاب: المسرح قائم على الحوار. وفي هذه البلاد لا يوجد حوار. والتفكير قائم على شرط الحرية، وتعتبره السلطة مصدر قلق، يداوي صداعه...باستئصال الرأس. كدواء للصداع. أرجو أن تكفي زهرة واحدة على قبر الطيب للتعبير عن حقل واسع من الزهور.