1220415
1220415
روضة الصائم

حرف وصناعات : تربية النحل والنحال

18 مايو 2019
18 مايو 2019

إعـــــــــداد: حمادة السعيد -

هذه الحلقات المكتوبة إنما هي إشارات سريعة وعاجلة، للفت الأنظار إلى قضية مهمة في زمنِ البطالة لتوجيه أنظار الباحثين عن العمل إلى المهن والحرف وعدم احتقارها أو التهوين من شأنها؛ فلقد حثّ الإسلام على العمل أيًّا ما كان نوعه، شريطة أن يكون هذا العمل نافعا لنفسه والآخرين غير ضار لأحد، ويكفي هؤلاء الذين يعملون بالحرف والصناعات شرفا وفخرا وعزة وكرامة أن أشرف خلق الله وأفضلهم وهم الأنبياء والرسل قد عملوا بحرفة أو امتهنوا مهنة.

ولقد أشار القرآن الكريم في آياته إشارات واضحة ومباشرة أو ضمنية تفهم في مجمل الآية إلى بعض الحرف والصناعات كذلك حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك وحين يشير القرآن تصريحا أو تلميحا إلى أمر ما فهو أمر مهم وعظيم، فالقرآن لا يتحدث إلا عما فيه سعادة وصلاح حال البشرية ومن الحرف التي أشار إليها القرآن الكريم في آياته هي النحال وتربية النحل.

ورد في القرآن الكريم الحديث عن النحل والعسل، حيث جعل له سورة في القرآن باسمه وهي سورة النحل يقول ربنا تبارك وتعالى فيها عن النحل والعسل وكيفية صناعته بداخل النحل «وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69)»سورة النحل.

وفي سورة محمد ذكر ربنا العسل بأنه نعيم أهل الجنة في الجنة فقال «مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (15)» سورة محمد. وفيها إشارات ضمنية لأهمية تربية النحل وكذلك لمهنة من يقوم على تربيته.

وحول آيات سورة النحل يقول المراغي في تفسيره «(وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ) أي وألهم ربك النحل وألقى في روعها، وعلّمها أعمالا يتخيل منها أنها ذوات عقول.

وقد تتبع علماء المواليد أحوالها وكتبوا فيها المؤلفات بكل اللغات، وخصصوا لها مجلات تنشر أطوارها وأحوالها، ثم فسر سبحانه ما أوحى به إليها بقوله: (أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ) أي اجعلي لك بيوتا في الجبال تأوين إليها، أو في الشجر أو فيما يعرش الناس ويبنون من البيوت والسقف والكروم ونحوها. (ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) أي ثم كلي أيتها النحل من كل ثمرة تشتهينها، حلوة أو مرة أو بين ذلك.

(فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا) أي فاسلكي الطرق التي ألهمك الله أن تسلكيها، وتدخلي فيها لطلب الثمار، ولا تعسر عليك وإن توعّرت، ولا تضلّي عن العودة منها وإن بعدت.

وبعد أن خاطب النحل أخبر الناس بفوائدها لأن النعمة لأجلهم فقال:(يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ) أي يخرج من بطونها عسل مختلف الألوان، فتارة يكون أبيض وأخر أصفر، وحينا أحمر بحسب اختلاف المرعى.

قال ابن كثير في تفسيره: روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رجلا جاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: إن أخي استطلق بطنه فقال: «اسقه عسلا» فذهب فسقاه عسلا، ثم جاء فقال: يا رسول الله سقيته عسلا فما زاده إلا استطلاقا، قال: «اذهب فاسقه عسلا» فذهب فسقاه عسلا. ثم جاء فقال: يا رسول الله ما زاده إلا استطلاقا فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «صدق الله وكذب بطن أخيك، اذهب فاسقه عسلا» فذهب فسقاه عسلا فبرئ).

قال بعض العلماء بالطب: كان هذا الرجل عنده فضلات، فلما سقاه عسلا وهو حار تحللت، فأسرعت في الاندفاع، فزاده إسهالا، فاعتقد الأعرابي أن هذا يضره وهو مصلحة لأخيه، ثم سقاه فازداد التحليل والدفع، ثم سقاه فكذلك فلما اندفعت الفضلات الفاسدة المضرة بالبدن استمسك بطنه وصلح مزاجه واندفعت الأسقام والآلام ببركة إشارته صلّى الله عليه وسلّم عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام؛ وفي الصحيحين من حديث هشام بن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يعجبه الحلواء والعسل، هذا لفظ البخاري.

ولقد شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن بالنحلة وذلك فيما رواه ابن حبان في صحيحه قال:-رسول الله صلى الله عليه وسلم - مثل المؤمن مثل النحلة، لا تأكل إلا طيبًا، ولا تضع إلا طيبًا. وروى الإمام أحمد في مسنده : والذي نفس محمد بيده، إن مثل المؤمن لكمثل النحلة، أكل طيبًا، ووضع طيبًا، ووقعت فلم تكسر ولم تفسد.

لقد اهتم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعسل ونبه عليه فقال فيما رواه ابن ماجة في سننه والحاكم في مستدركه والبيهقي في شعب الإيمان.عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«عليكم بالشفاءين العسل والقرآن».

والعسل باب من أبواب الأدوية العظيمة نفعها وليتمثل النحال الذي يجمع العسل أنه يوفر بابا من باب العلاجات والأدوية ففيما رواه البخاري في صحيحه عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إن كان في شيء من أدويتكم -أو يكون في شيء من أدويتكم- خير ففي شرطة محجم، أو شربة عسل، أو لذعة بنار توافق الداء، وما أحب أن أكتوي».

بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حثّ على الاستمرارية في استخدام العسل كدواء فقال فيما رواه ابن ماجة في سننه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: «من لعق العسل ثلاث غدوات كل شهر، لم يصبه عظيم من البلاء». يقول محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي في كتابه مختار الصحاح تعريفا لكلمة لعق يقول: لعق الشيء: لحسه، وتناوله بلسانه أو إصبعه. كما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أهمية الاستشفاء بالعسل فقال فيما رواه الحاكم في مستدركه عن إبراهيم بن أبي عبلة قال: سمعت أبا أبي ابن أم حزام وكان قد صلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصلاتين يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «عليكم بالسنا والسنوت، فإن فيهما شفاء من كل داء إلا السام. قيل: يا رسول الله وما السام؟ قال: الموت».

يقول ابن الأثير في كتابه المعروف بالنهاية في غريب الحديث والأثر شارحا هذه الكلمات: السنا: بالقصر: نبات معروف من الأدوية له حمل إذا يبس وحركته الريح سمعت له زجلا الواحدة سناة، وبعضهم يرويه بالمد، والسنوت: العسل.

فهذا هو هدي نبينا الذي دعا إلى تربية العسل لما فيه من منافع كثيرة ومن ثم الإشارة لمهنة من يقوم بتربيته فمن اتبع هذا الهدى عاش كريما وكفى بصاحب الحرفة فخرا أن أفضل خلق الله وهم الأنبياء والرسل كانوا يأكلون من عمل يدهم وقد عملوا بحرفة أو امتهنوا مهنة.