Ahmed-New
Ahmed-New
أعمدة

نوافذ :«أياما معدودات»

14 مايو 2019
14 مايو 2019

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

يبدو -وهذه هي الحقيقة- أن علاقاتنا بالزمن؛ كبشر؛ علاقة خاسرة، بمنطق الربح والخسارة، ومهما استطاع أحدنا أن يحجز تذكرة عبور لتجاوز هذه الخسارة السرمدية، فلن يربح إلا بنسب ضئيلة جدا، لا تقاس بالعمر الذي ولّى، وتبقى خاتمة المسك، هو عفو الله ورضاه، وغفرانه، وهي الحقيقة المطلقة لمكسب البعض منا في هذه المعادلة غير المتكافئة بيننا وبين الزمن. شهر رمضان المبارك الفضيل، و المرتبط بمناسبة الصيام، وهذه المناسبة لا تحتاج إلى كثير من المزايدة في بيان الفضل، والنعمة، فقد زكاها رب العالمين سبحانه في كتابه الكريم، وفي سنة نبيه المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وفي سيرة الصالحين من عباده، وعلى امتداد القرون من قبلنا (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) وربح التقوى من أثر الصيام ليس يسيرا، والجميع يعي ذلك، ومن يتجاوز مظنة الربح هذه من صيامه يفرط في أكبر صفقة للربح مع الزمن، وذلك لمحدودية الفترة الزمنية المؤقتة بـ (29 -30) يوما، (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون).

التجربة الطويلة لكثيرين منا مروا بتجربة الصيام، من عمر (18 - ما بعد 60) عاما ليس يسيرا عليه اليوم أن لا يعي هذه الحقيقة، ولذلك ترى ذلك الإصرار عند كبار السن؛ على وجه الخصوص؛ الذين تلزمهم حالتهم الصحية الإفطار لتناول الأدوية لأمراضهم المزمنة، عدم رغبتهم في الإفطار، حيث يعدون ذلك خسارة فادحة لآخر عمر، هم أحوج إليه في كسب الكثير من أرباح هذا الشهر المبارك، فهذا الموقف يعطي مؤشرا سريع التفاعل؛ كما يفترض؛ لآخرين الذي لا يزالون على صحتهم، وكامل فتوتهم، بأن لا ينجرُّوا وراء التسويف في مضاعفة العمل في هذه الأيام المباركة، لأن دوام العمر من المحال، كما هو معروف، مع اليقين؛ الذي تؤيده النصوص؛ أن مضاعفة الأجر «الربح» في هذه الأيام المباركة أمر مفروغ منه.

تراكم العمر والتجربة واكتساب الخبرة، كلها معززات لأن نعي؛ مع أنفسنا على الأقل؛ أن العلاقة القائمة بيننا وبين الزمن، بقدر ما هي علاقة وجودية؛ ولو لفترة محدودة؛ تبقى علاقة «شد وجذب» ومع أننا نعي هذه الحقيقة، ولكننا ما زلنا نفرط في العائد من استغلال الزمن، ونتناسى في الوقت نفسه أننا مقيدون بعمر افتراضي قصير الأجل مهما تراكمت عليه عشرات السنين، فإنه يظل قليلا وفق حسابات الزمن الدقيقة، ولذلك تمر الأيام والشهور والسنين، وجميعنا يعيش في غفلة من حسابات الزمن الذي يسحب البساط من بين أيدينا بصورة دائمة، ولا نستفيق إلا وقد قطعنا من العمر عتيا، حيث كما قال الله عز وجل في قصة زكريا عليه السلام في سورة مريم: (قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا).

لا أتصور أن هناك من لا يعي حتى الآن حقيقة علاقتنا بالزمن، ومقدار الخسارات التي تنسل من بين أيدينا بصورة لحظوية، فضلا أن تكون يومية، ولذلك عندما نجازف؛ وخاصة للذين بلغوا من العمر عتيا، في تفويت فرص الربح مع الله، وفي مناسبة كمناسبة هذا الشهر الفضيل، نكون حقا نتعامل مع هذه الحقيقة تعاملا غبيا غير مأمون العواقب، لن أتحدث هنا عن الكيفية، فالأبواب كلها مشرعة نحو هذا الكسب الذي يدور الحديث حوله، ومهيأ لهذا الاكتساب لكافة الظروف والحالات أقربها مودة اشتغال اللسان بالكملة الطيبة، ولأننا ما زلنا في أيام الـ«رحمة» فجيد أن تمتد الأيادي «الرحيمة» إلى المساكين من ذوي القربى، والفقراء، والأيتام، فحالاتهم هي المعززة لمعنى الصيام.