روضة الصائم

سماع الدعوى لعدم المبادرة للإنكار «5»

10 مايو 2019
10 مايو 2019

فضيلة الشيخ زهران بن ناصر البراشدي -

قاضي المحكمــــة العــليا -

في بيان الشرع ما نصه: بسم الله الرحمن الرحيم: هذا ما فسره الشيخ أبو عبد الله محمد بن إبراهيم رحمه الله من مجمل الآثار، يوجد عن بشير ابن محمد بن محبوب رحمه الله، أن ترك النكير حجة، وإظهار النكير حجة، قال الشيخ أبو عبد الله محمد بن إبراهيم رحمه الله: وذلك خاص ممن له النكير في وقت وقوع الحدث لا غير ذلك، كان الذي له النكير إماما أو وليا أو عدوا كان من أهل الإقرار، أو من أهل الإنكار.

وذلك في الأحداث التي يجوز فيها الحق والباطل، والهدى والضلال، والطاعة والمعصية، من الأحداث في الدماء والفروج والأموال، والإمامة وما أشبه ذلك من الأحداث التي لله عز وجل فيها حكمان.

وذلك مثل رجل يطأ امرأة فإن أظهرت النكير أنه يأتي ذلك منها بلا تزويج ولا ملك يمين كان إنكارها عليه حجة في ذلك الحال في حكم الظاهر، ولو كانت زوجته أو أمته عند من لم يعلم أنها زوجته ولا أمته.

ولو أنها لم تنكر عليه لكان تركها للنكير عليه حجة له في حكم الظاهر، ولو كان مقتسرا لها، وهذا خاص في أحكام الظاهر، وكذلك لو رأى قاتلا يقتل آخر، ولم ينكر عليه ذلك لكان تركه للنكير حجة له في أكثر ما عرفنا من قول المسلمين.

وكذلك لو رأى إنسانا يأخذ مال مسلم أو يهودي أو نصراني أو مجوسي، ولم ينكر عليه لكان تركه للنكير حجة للآخذ في حكم الظاهر، ولو كان الآخذ مبطلا في حكم السرائر، ولو أنه أظهر عليه النكير لكان إظهاره للنكير حجة عليه في حكم الظاهر، ولو كان محقا في حكم السرائر.

ولو أن جماعة من المسلمين عقدوا إماما في حياة إمام قد أجمع على إمامته فلم ينكر ذلك عليهم العلماء الحاضرون، ولا الإمام المتقدم لكان فعلهم ذلك حجة لهم في ذلك في حكم الظاهر، ولو كانوا مبطلين في حكم السرائر ولو أنهم أنكروا عليهم ذلك لكانوا مبطلين في حكم الظاهر، ولو كانوا محقين في حكم السرائر، وذلك إذا كان إنكارهم في وقت الحدث لا قبله ولا بعده.

قال بعضهم: إنما ترك النكير حجة للأئمة دون الرعية، قال الشيخ أبو عبد الله محمد بن إبراهيم رحمه الله: إن ترك النكير حجة ممن له الحجة في الأحداث التي يجوز فيها الحق والباطل لا غير ذلك، إذا كان الذي له النكير إماما أو وليا أو عدوا أو مجوسيا أو مشركا أو وثنيا أو غير وثني، أو ممن كان من الخليقة المتعبدين، وأما الأحداث التي لا يجوز فيها إلا الباطل والضلال والمعصية، فليس ترك النكير حجة لمحدثها كان محدثها إماما أو وليا أو عدوا، أو عالما أو جاهلا، أو مسلما أو مشركا كان التارك للنكير إماما أو وليا، أو عدوا أو عالما أو جاهلا أو مسلما أو مشركا، وذلك لو أنه تزوج أخته من الرضاع أو النسب أو غيرها من ذوات المحارم، أو أنها أمه أو أخته أو عمته، أو خالته أو ما أشبه ذلك.

«...وأما لو عاينه يطأ هذه المرأة وهي لا تغير عليه ذلك، ولا تنكر، ومطاوعة له على ذلك، ثم ادعت بعد ذلك أنه غصبها نفسها، كانت مدعية عليه في الحكم، لأنه رآها مطاوعة له في ذلك، فليس لها حجة في النكير بعد المطاوعة في حكم الظاهر، ولا تلحقه لها حجة من طريق الصداق مع من عاين ذلك منه.

فإن ادعت عليه بعد ذلك الوطء فجحد ذلك ووطئها بعد إنكارها عليه، فإنه يكون بهذا الوطء الآخر هالكا، ولو كان عند الله صادقا، ولو كان على القول الأول كاذبا لم ينكر عليه بذلك في حين ما يجوز على النكير، وإنما أنكرت بعد أن بطلت الحجة بترك النكير، كان بذلك سالما في حكم الظاهر، ولو كان عند الله كاذبا ظالما.

قال غيره؛ محمد بن إبراهيم: يخرج عندي في معاني قوله هذا أنه إذا وطئها فطاوعته حتى فرغ، ثم أنكرت عليه بعد فراغه، لم يقبل منها ذلك الإنكار، وبطلت حجتها، ولو كانت صادقة عند الله فيما أظهرت عليه من النكير، لأنها تركت النكير في وقت ما كان لها النكير، ثم أنكرت بعد أن بطلت حجتها، وكان هو سالما في حكم دين الله في الظاهر، ولو كان مبطلا في السرائر بترك النكير منها عليه في وقت ما كان لها النكير عليه والحجة.ولو أنه عاد وأراد وطأها بعد ذلك الوطء الأول، فأقامت عليه النكير لما أراد وطأها فغلبها ووطئها، وهي تقيم عليه الحجة والنكير فلم ينته، كان في الظاهر في حكم دين الله منافقا فاسقا، ولو كان في السرائر صادقا.وكذلك انظر في هذا الفصل الذي مضى في هذه المرأة، وإظهار نكيرها في وقت ما يكون لها النكير، وإظهارها نكيرها في وقت ما لا يكون لها نكير، وترك النكير منها، فإن هذه الثلاثة الفصول من الإنكار داخلة في جميع الأحكام، وفي جميع من كان له الإنكار من العلماء، أو الضعفاء والأئمة والسفهاء والرعية والفساق، وأهل الشرك، وأهل الإقرار في جميع الأحكام من عقد إمام أو عزله، أو طلاق أو نكاح، أو مال أو هبة، أو غير ذلك من جميع الأحكام على ما يبين لي.

وكذلك لو تزوج رجل امرأة رجل في الظاهر، وهو حاضر فلم ينكر عليه تزويجها، ثم أنكر عليه بعد أن تزوجها لم يقبل منه النكير عليه، بعد أن ثبت تزويجه بها، وإن أنكر عليه في وقت تزويجه بها كان إظهار النكير منه حجة له.وكذلك لو أن رجلا أو امرأة قتلت منافقا أو وليا أو يهوديا أو نصرانيا أو غير ذلك ممن حرم الله قتله، فإن أظهر النكير في وقت القتل كان إظهار النكير حجة، فإن لم ينته القاتل وقتله بعد إظهار النكير لم تجز ولاية القاتل، كان القاتل وليا أو غير ولي، وإن ترك النكير المقتول جازت ولاية القاتل والبراءة منه، والوقوف عنه على ما قد قيل من الاختلاف.

وكذلك لو أراد إنسان أخذ حزمة بصل من بصال، أو عومة من سماك، فادعى في ذلك عليه دعوى، وهي في يده ما ثبتت دعواه عليه عند تركه النكير عليه منه، فأخذه منه بعد ذلك، ثم أظهر النكير عليه بعد ذلك، لم تكن له حجة، وإن أظهر النكير عليه في حين ما أراد أخذ ذلك، كان إظهار النكير عليه في ذلك حجة، فكذلك إن ترك النكير عليه فلم ينكر عليه وقت الفعل ولا بعده، كان أقوى بحجة الفاعل.

وكذلك لو أخذ منه ألف دينار أو ما فوق ذلك، فالقول في ذلك واحد.