1214400
1214400
تقارير

الفصائل المتشددة في إدلب تعقّد عمل منظمات الإغاثة الدولية

07 مايو 2019
07 مايو 2019

بيروت - (أ ف ب): تضيّق الفصائل المتشددة الموجودة في محافظة إدلب في شمال غرب سوريا الخناق أكثر فأكثر على نشاط منظمات الإغاثة الدولية من خلال تهديد طواقمها والتدخل في المشاريع الإنسانية وعرقلة وصول المساعدات، وفق ما يروي عاملون فيها.

وتؤوي إدلب ومحيطها نحو ثلاثة ملايين نسمة، 2,7 منهم يحتاجون مساعدات إنسانية وفق الأمم المتحدة. ويعتمد غالبية هؤلاء بشكل رئيسي في تأمين الطعام والأدوية وسواها على مساعدات تقدمها الأمم المتحدة ومنظمات إغاثية بعد إدخالها عبر الحدود التركية.

وبعد إقصائها فصائل معارضة مدعومة من تركيا، باتت هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا)، وجناحها المدني تحت مسمى «حكومة الإنقاذ»، تسيطر على المنطقة. وساهم ذلك في مفاقمة الوضع الإنساني المتردي أساسا مع فرض الهيئة قيودا جديدة وخشية المجتمع الدولي من وصول المساعدات إلى غير مستحقيها.

وكثفت قوات الحكومة السورية وحليفتها روسيا قصفها على المحافظة ومناطق مجاورة لها منذ فبراير الماضي، قبل أن تزداد وتيرته خلال الأسبوع الأخير. واضطر عشرات آلاف من السكان لترك منازلهم والنزوح إلى مناطق لا يستهدفها التصعيد لا سيما المخيمات.

وتقول مستشارة السياسات والمدافعة في المجلس النرويجي للاجئين راشيل سايدر لوكالة فرانس برس إن محاولات «سلطات الأمر الواقع» في إدلب «للعبث وإعاقة أو إحباط إيصال المساعدات الإنسانية، بما في ذلك تقويض سلامة العاملين الإنسانيين يشكل حقيقة مؤسفة».

ويشير عامل إغاثة سوري (27 عاما) لدى منظمة إنسانية دولية، رفض الكشف عن هويته حفاظا على سلامته، لفرانس برس إلى أن «المضايقات ازدادت منذ مطلع العام»، ويوضح «لا توجد أي منظمة إغاثية إلا وتعرضت للتهديد بالاعتقال أو الإغلاق لأسباب تافهة جدا».

ويروي أنه تعرّض الشهر الماضي لتهديد بالاعتقال من عناصر هيئة تحرير الشام بعد رفضه إعطاءهم بعض الحصص الغذائية، وفرش من الإسفنج، أثناء قيام منظمته بتوزيعها داخل مخيم في جنوب إدلب. ويشرح «قالوا لي لماذا لا توزعون المساعدات علينا فنحن مجاهدون؟».

كما اعتُقل لأربعة أيام قبل سبعة أشهر بعد اعتراض عناصر الهيئة على تصويره توزيع مساعدات في مدينة إدلب من دون نيل موافقة مسبقة على حد قوله، ويوضح إنه تعرّض للضرب وصادروا حاسوبه كما كسروا آلة التصوير الخاصة به.

«يريدون حصّة»

يتم إدخال المساعدات إلى إدلب من تركيا، بموجب آلية استحدثها مجلس الأمن في العام 2014 ويتم تجديد العمل بها سنويا. وتم تجديدها لسنة نهاية العام رغم معارضة روسيا التي تحدّثت عن «أدلة تثبت أن قسما من المساعدة الإنسانية تتمّ سرقته وتحت سيطرة جبهة النصرة الإرهابية وتابعيها في إدلب»، وباتت المنظمات الإنسانية مضطرة لاتخاذ تدابير إضافية منذ مطلع العام.

ويشرح منسّق الشؤون الإنسانية الإقليمي للأزمة السورية بانوس مومتزيس لفرانس برس «سيطرة هيئة تحرير الشام جعلتنا نتخذ بالفعل عددا من التدابير الوقائية: تدقيق إضافي من الشركاء، الموردين، حتى العمال والموظفين بالإضافة إلى رصد من طرف ثالث عبر استخدام التكنولوجيا الحديثة كالرمز الشريطي، وإنشاء خطوط اتصال ساخنة، للتأكد من وصول المساعدات إلى الأشخاص المناسبين».

ورغم ذلك، لا يمكن لمنظمات الإغاثة وفق سايدر أن «تزيل خطر انحراف» المساعدات.

وتواجه منظمات الإغاثة، وفق ما يشرح المتحدث الإعلامي في منطقة الشرق الأوسط لدى لجنة الإنقاذ الدولية بول دونوهو لفرانس برس «تدخلا من المجموعات المسلحة في إدلب، عبر تقييد الوصول إلى الفئات المحتاجة أو محاولة التأثير على اختيار المستفيدين وموقع توزيع المساعدات».

وأحجم العديد من المنظمات الدولية عن تنفيذ مشاريع مؤخرا بسبب هذا التدخل. ويروي موظف (29 عاما) آخر لدى منظمة إنسانية دولية، تحفظ عن ذكر اسمه خوفا من ملاحقته، كيف توقفت خطة لتزويد الأفران في إدلب بالطحين مجاناً، بعد إصرار «حكومة الإنقاذ» على توزيعه على الأفران التابعة لها حصرا.

ويوضح «بات نشاطنا كمنظمة متواضعا جدا بعد ما حصل معنا»، وتحاول «حكومة الإنقاذ» أن تحظى الهيئات المنبثقة عنها أو المرتبطة بها بعقود ومناقصات مع المنظمات الدولية، رغم محاولات الأخيرة التخلص منها عند فضّ العروض، على حد قوله. ويضيف «يريدون حصّة من أي مشروع يُنفذ».

«يزداد الضغط»

ورغم أنه لم يطرأ أي انخفاض كبير على تقديم المساعدات الإنسانية، إلا أن قلق الجهات المانحة أدى إلى خفض التمويل الذي تستفيد منه بعض المرافق لا سيما الطبية. ويوضح مدير منظمة الإغاثة الإسلامية في سوريا أحمد محمود لفرانس برس «حتى الآن، اضطرت خمسة مستشفيات رئيسية إلى الإغلاق بشكل كامل، وسبعة مرافق طبية أخرى، بينها مستشفيات خاصة بطبّ الأطفال والتوليد، إلى تقليص عملياتها بشدة جراء خفض التمويل». ويعدد أسبابا قد تبرر خفض التمويل، لكنّه يقرّ بأنه «قد يكون لدى بعض المانحين مخاوف بشأن تحولات السيطرة في شمال غرب سوريا، ما أثّر على قرارات التمويل». ويشير إلى أنه «مع إقفال المرافق أبوابها واحدا تلو الآخر، يزداد الضغط على تلك المتبقية» قيد الخدمة. ولم يسلم عدد منها من جولات القصف الأخيرة. في المقابل، ترفض «حكومة الإنقاذ» على لسان أحد المسؤولين فيها الاتهامات الموجهة إليها بعرقلة إيصال المساعدات وتوزيعها. ويقول المسؤول عن التنسيق الميداني بين عمل المنظمات الدولية وتلك المحلية، ويعرّف عن نفسه باسم الدكتور جهاد لفرانس برس «نسعى إلى تنظيم العمل الإغاثي» و«تسهيل عمل المنظمات»، ويضيف «كلما تشاركنا المسؤولية والقرار ونسّقنا عملنا، تكون النتيجة أفضل».