أفكار وآراء

لماذا سيفشل اليمين المتطرف في التسلح بحريق نوتردام؟

05 مايو 2019
05 مايو 2019

ناتالي نوجاياريد ـ الجارديان  -

ترجمة قاسم مكي -

قبل عشرة أيام من حريق كاتدرائية نوتردام كان رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان منهمكا في تدشين حملة حزبه (فيديسز) لخوض انتخابات الاتحاد الأوروبي بخطاب هائج قرر فيه أن ما يوجد على المحك أو ما هو مرتهن للانتخابات التي ستجري على نطاق أوروبا في شهر مايو ليس سوى «حضارتنا المسيحية».

وفي أثناء مشاهدتي لصور احتراق الكاتدرائية كنت أتساءل كم من الوقت سيمضي قبل أن يحاول أوربان الذي نصب نفسه مدافًعا عن «أوروبا المسيحية» أو أي من الشعبويين الآخرين للاستفادة من هذه المأساة في جهودهم لإعادة رسم الاتحاد الأوروبي على أساس رؤيتهم الدينية المتمركزة على العنصر الأبيض؟

تعهد أوربان بتحويل انتخابات الاتحاد الأوروبي القادمة إلى معركة ضد الليبراليين من أبناء «جيل عام 1968» وأيضا ضد الهجرة إلى أوروبا. لقد اشتهر بمزاعمه حول فرضية تواطؤ «فقاعة بروكسل» مع الممول ورجل الخير جورج سوروس بهدف «استيراد ملايين» المسلمين ضمن مؤامرة لتغيير التركيبة السكانية في القارة الأوروبية وإضعاف الدول الوطنية. لم تحل حقيقة أن حريق نوتردام حادثة قضاء وقدر ولا علاقة لها بالمهاجرين أو المسلمين دون محاولة الشعبويين اليمينيين الاستفادة من هيجان العواطف الذي أثاره. لقد امتنع زعيم المجر حتى الآن عن الترويج الصريح لنظريات مؤامرة حول أسباب الحريق. لكنه سمح لنائبه زولت سيمجين رئيس الحزب الديمقراطي المسيحي في المجر بإجراء مقابلة تلفزيونية اعتبر فيها الحادثة «رمزًا مأساويًا لفقدان القيم الكارثي الذي نشهده في العالم الغربي». وأضاف سيمجين: إن «السياسة الفرنسية العلمانية والمعادية للكنيسة مسؤولة بشدة» عنها أيضا.

اندلع حريق نوتردام في وقت يشهد انشقاقًا في السياسة الأوروبية ليس أقله في فرنسا بسبب الحروب الثقافية مع تمحور معظم الجدل حول القيم والموروثات التاريخية. لكن فيما يخص العقيدة والعالم المسيحي لا شك أن الشعبويين القوميين في أوروبا متعددي التوجهات ومختلفي المشارب. لنأخذ مارين لوبان في فرنسا. ربما أنها ورثت من والدها حزبا هو الجبهة الوطنية (الآن الحشد أو التجمع الوطني). وهو حزب لديه بعض الجذور في الحركات الكاثوليكية الموغلة في محافظتها. لكنها أيضا ابتعدت عن الشعارات الدينية في محاولة لجعل الحشد الوطني حزبا عاديا ولتوسيع نطاق جاذبيته. وكانت تغريداتها على تويتر عن حريق نوتردام تنطوي أساسا على ثناء على الإطفائيين وبعض التنبيهات المعمارية بشأن إعادة بنائها. ولم تقل لوبان كلمة واحدة عن «أوروبا المسيحية».

تحب لوبان، الأم المطلقة، تصوير نفسها كشخصية حداثية بل حتى تقدمية اجتماعيا. وهي تؤطر بطريقة ملتوية النموذج العلماني الفرنسي كدرع ضد ما يتم تصويره بأنه زحف للمسلمين. وفي هولندا يستخدم حزب خيرت فيلدرز اليميني المتطرف لغة تجمع بين معاداة الإسلام والميل إلى قيم عام 1968.

من جهة أخرى، لم تهدر القيادية بحزب البديل من أجل ألمانيا أليس فيديل وقتا في عقد صلة (بين حريق نوتردام) «والهجمات» الأخرى المعادية للمسيحيين في فرنسا. فقد كتبت التغريدة التالية «أثناء الأسبوع المقدس# نوتردام تحترق. مارس: سان سولبيس ثاني أكبر كنيسة تحترق. فبراير:47 هجوما في فرنسا». ليس مفاجئا أن هذا النمط من التفكير ظهر أيضا في وسائط الدعاية الروسية. في الأثناء روجت الشبكات اليمينية على الإنترنت، وبعضها يتمركز في الولايات المتحدة، لمقارنات هذيانية (بين الحريق) وأحداث الحادي عشر من سبتمبر. لكن ليس معلوما بعد إذا كان كل ذلك سيترجم إلى «أصوات» في انتخابات الاتحاد الأوروبي القادمة.

على الرغم من أن الشعبويين في أوروبا يتحمسون للحديث عن الهوية المسيحية ويثيرون على الدوام المخاوف من الهجرة «وإحلال» السكان إلا أن هذه «سردية» لا تخلف بالضرورة أثرا وسط المؤمنين المسيحيين. بل في الحقيقة يبدو أن المسيحيين الأوروبيين، حسب بعض الدراسات، أقوى مناعة تجاه الشعبوية اليمينية من الناخبين غير المتدينين.

في إيطاليا تواجه عنصرية ماتيو سالفيني الصريحة بقدر كبير من عدم القبول من جانب شبكات القواعد الكاثوليكية لأنها على الأقل معاكسة تماما لرسائل البابا الداعية إلى الترحيب باللاجئين. وفي بولندا على الرغم من أن الحزب القومي الحاكم في شبه تحالف مع أجزاء من الهرمية الكاثوليكية إلا أن الكنيسة المحلية منقسمة حسبما يقال. فبولندا وهي بلد كاثوليكي في أغلبيته منقسمة سياسيا بالتساوي إلى ديمقراطيين ليبراليين وقوميين محافظين. ويبدو أن المعارضة في وضع جيد يتيح لها جني مكاسب في انتخابات الاتحاد الأوروبي.

رغم كل هذا التحريض من أوربان وحلفائه إلا أن إشاعة الخوف من تعرض أوروبا المسيحية للتهديد لن تذهب إلى أكثر مما ذهبت إليه حتى الآن. وكذلك الإيحاء بأن حريق نوتردام قد يكون رمزًا لهذا التهديد. إذ يشير استطلاع للآراء مؤخرًا إلى أن الناخبين الأوروبيين مشغولون بأولويات أخرى مثل الفساد والأجور والهجرة من أوروبا (وليس إليها).

لا شك أن كارثة نوتردام حادثة مؤلمة. لكن محاولة استغلالها سياسيا ربما يكون سوء تقدير من جانب اليمين المتطرف. كتب الأكاديمي الفرنسي أوليفييه روي أن الشعبويين اليمينيين في أوروبا «عمليا لم يعودوا مسيحيين». فهم لا يتحدثون كلهم عن الهوية المسيحية. وأولئك الذين يفعلون ذلك يروجون لسياسات ليست لها صلة تذكر بالقيم المسيحية. «تتخذ الأقليات كباش فداء أو ترفض مساعدة الناس الفارين من الفقر والحرب». في أعوام الخمسينات كان الآباء المؤسسون للمشروع الأوروبي في معظمهم ديمقراطيين مسيحيين (روبرت شومان وجان مونيه وآلسيد دو جاسبيري وكونراد آديناور). لكن لم يخطر ببالهم أن يذكروا الهوية المسيحية في وثائقهم الرسمية. وشعار الاتحاد الأوروبي هو «الوحدة في التنوع». قد يرغب أوربان وآخرون في خوض معركة «حضارية» حول الهوية. لكن يجب تسمية ذلك باسمه الحقيقي. إنه تلاعب مريب وخوف مرضي لا يختلف عن النظريات الطائشة التي ظهرت بعد الحريق في نوتردام.