أفكار وآراء

تداعيات القرار الأمريكي حول إيران والأمن في الخليج

23 أبريل 2019
23 أبريل 2019

عوض بن سعيد باقوير  -

أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية وعلى لسان وزير خارجيتها مارك بومبيو بأن واشنطن قررت عدم تجديد الإعفاءات التي سمحت من خلالها لثماني دول بالتعامل التجاري والنفطي مع إيران ومن ضمن هذه الدول الهند وتركيا والعراق وكوريا الجنوبية واليونان واليابان، وعلى ضوء تصريحات المسؤول الأمريكي فإن الحظر على تعامل تلك الدول اقتصاديا مع إيران سوف يطبق في الثاني من شهر مايو القادم.

بيان البيت الأبيض تحدث عن أن وقف تلك الإعفاءات تهدف الى وقف الصادرات الإيرانية بحيث تصبح صفرا وهو ما يعني حرمان طهران من أهم مصدر اقتصادي، ومن هنا فإن الدول الثماني أمام موقف محرج خاصة وأن هناك تحذيرا أمريكيا بمعاقبة اي دولة تخرق الحظر على وقف الصادرات النفطية الإيرانية، وهذا السلوك الأمريكي يعد تطورا خطيرا في إطار المواجهة الأمريكية -الإيرانية في منطقة الخليج وسوف تكون هناك تداعيات معقدة، إذا حاولت واشنطن خنق إيران اقتصاديا.

تصاعد التوتر

بعد أكثر من ثلاثة عقود على اندلاع عدد من الصراعات والحروب في منطقة الخليج منذ بداية عقد الثمانينات من القرن الماضي حيث الحرب العراقية -الإيرانية المدمرة والتي استغرقت ثماني سنوات مرورا بالاجتياح العراقي للكويت في بداية عقد التسعينات من القرن الماضي وحرب الخليج الثانية وانتهاء بالغزو الأمريكي للعراق والإطاحة بنظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين والمنطقة تشهد توترا كبيرا بين الولايات المتحدة وعدد من دول المنطقة وإيران، كما أن إسرائيل ليست بعيدة عن مشاهد ذلك التوتر حيث العداء المباشر بين تل أبيب وطهران.

حظر النفط الإيراني اذا ما طبق كليا بداية شهر مايو سيكون له تداعيات خطيرة فالاقتصاد الإيراني لن يتحمل طويلا قطع أهم موارده الاقتصادية من تصدير النفط والغاز ومن هنا فإن احتمالات المواجهة في الخليج اذا لم تبذل مساع دبلوماسية كبيرة لنزع فتيل ذلك التوتر والذي تشجعه إسرائيل وقد كانت هناك حالة مشابهة قبل عدة سنوات وكان التوتر على اشده وكان توقيع الاتفاق النووي الإيراني مع القوى الكبرى في العالم هو الذي أنهى ذلك التوتر الى حد كبير وكان هناك تطلعات بفتح صفحة جديدة من العلاقات الإيجابية بين واشنطن وطهران.

وقد لعبت الدبلوماسية العمانية دورا مشهودا في موضوع الملف النووي الإيراني من جولات مكوكية وحوارات بين الجانب الإيراني والأمريكي بشكل خاص وبقية الدول الأخرى من خلال دول خمسة زائد واحد المعروفة، والمعروف أن التوجهات الأمريكية تغيرت بشكل دراماتيكي بعد وصول الرئيس الحالي ترامب الى البيت الأبيض وانسحاب أمريكا من الاتفاق النووي وعودة التوتر الذي نراه في هذه المرحلة الحساسة.

إن قضية الأمن في هذه المنطقة لابد أن يكون أولوية إقليمية ودولية ولعل موضوع العقوبات الاقتصادية على الدول هو سلوك ضار ضد الشعوب في المقام الأول وهناك 100 مليون إيراني سوف يتضررون بشكل كبير.

المنطق السياسي يفرض على الفرقاء إيجاد خيارات بديلة بعيدا عن التصعيد والتوتر في منطقة تتسم بالحساسية من جانب وأيضا وجود آلة عسكرية كبيرة على ضفتي الخليج وهنا تكمن الخطورة، ومن هنا فإن السلوك الأمريكي تجاه مقاطعة النفط الإيراني هو إجراء سلبي له أضراره الكبيرة على الشعب الإيراني ومن هنا لا بد أن تتدخل الدبلوماسية في تخفيف التوتر الحالي حتى لا تنزلق الأمور الى مواجهة عسكرية مباشرة سوف تكون مدمرة على دول المنطقة بشكل خاص.

الحوار هو الأساس

هناك تحريض إسرائيلي واضح يذكرنا بنفس التحريض قبل حدوث الاتفاق النووي بين إيران والقوى الكبرى ومن هنا فإن فلسفة الصراعات والحروب أثبتت عدم جدواها وتكلفتها السياسية والاقتصادية الكبيرة، ولعل النموذج الأبرز هنا هو الحرب في اليمن والتي سوف تدخل عامها الخامس دون نتائج بل وتسببت في كوارث إنسانية للشعب اليمني وتدمير البنية التحتية وعلى ضوء التصريحات الأمريكية والإيرانية والتحريض الإسرائيلي فإن الدور الدبلوماسي يبدو ملحا في هذه المرحلة.

دور الأمم المتحدة ينبغي أن يكون حاضرا لأن هناك صراعا يدور في الأفق قد يندلع في حال تم تطبيق الحظر على صادرات إيران من النفط والغاز، صحيح قد تحدث اختراقات للحظر من بعض الدول ذات المصالح المتبادلة مع طهران ولكن التحذير الأمريكي قد يمنع البعض من المغامرة في ظل إدارة أمريكية جدلية ذات قرارات غير متوقعة حتى ضد حلفائها في حلف الناتو.

غياب الحوار والتواصل الدبلوماسي سوف يجعل الأمور في منطقة الخليج أكثر تعقيدا ولا شك أن أي جهود إيجابية مطلوبة في ظل الإحساس العميق بخطورة الموقف حيث لا بد من الجهود الدبلوماسية الكثيفة في مثل هذه اللحظات، لأن اندلاع أي مواجهة سوف تكون ذات تكلفة اقتصادية وسياسية وعسكرية كبيرة وسوف تتضرر دول المنطقة من خلال المصاريف المالية الكبيرة والتي سوف ترهق اقتصاديات تلك الدول وقد تجعل صناديقها السيادية تتآكل وهذا أمر ليس في صالح تلك الدول وشعوبها وعلى ضوء تلك المخاطر فإن الحوار وكما نؤكد دائما هو الخيار الصحيح لحل أي خلافات، والأطراف المعنية هنا هي إيران وعدد من دول الخليج لأن ذلك فيه مصلحة لدول المنطقة وللاستقرار والأمن والسلام والتنمية لواحدة من اهم مناطق العالم.

الدور الإسرائيلي

هناك خلافات كبيرة في التوجهات السياسية والاستراتيجية بين إيران والكيان الإسرائيلي منذ الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 ولا شك أن هذا الخلاف الكبير يشكل معضلة لإسرائيل، حيث وجود حزب الله في جنوب لبنان ودعم توجهات المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة ومن هنا فإن التوجه الأمريكي في ادارة ترامب جاء منسجما وداعما للتوجه الإسرائيلي ضد إيران، ومن هنا جاء الدور الإسرائيلي مضرا للأمن والاستقرار في المنطقة فإسرائيل من الصعب أن تتماشى توجهاتها اليمنية المتطرفة دون صراعات، وهي لا تريد السلام الحقيقي وإنما تريد الهيمنة على المنطقة والاستسلام، وسوف تكشف خطة السلام الأمريكية المرتقبة خلال شهر يونيو خبايا تلك الخطة والأهداف التي ترمي إليها.

وعلى ضوء تلك المخاطر التي تحيط بمنطقة الخليج فإن المنطق يفرض على دول المنطقة البحث عن حلول مبتكرة وإبعاد المنطقة عن أي توتر ومواجهة محتملة، لأن دول الخليج وشعوبها سوف تكون الخاسر الأكبر بما في ذلك إيران، فالحروب هي أداة مدمرة لمصالح ومقدرات ومنجزات الدول والشعوب، وتحت أي ظروف فانه لا يمكن لأحد تغيير الجغرافيا فإيران ستبقى حيث هي الآن ودول الخليج كذلك، ومن هنا فإن المصلحة القومية والإسلامية تقتضي افشال أي مخطط إسرائيلي أو حتى أمريكي لإشاعة الدمار والتخريب وبث الكراهية والفتنة بين الشعوب على ضفتي الخليج والتي عاشت لسنوات طويلة يجمعها الإسلام الحنيف وتبادل المنافع والمصالح والوشائج الاجتماعية فالكيان الإسرائيلي لا يريد الاستقرار للمنطقة ولا يريد رد الحقوق لأصحابها وهم الشعب الفلسطيني والذي يكافح علي مدى أكثر من سبعة عقود فالاحتلال الإسرائيلي هو احتلال استيطاني وهو آخر احتلال في التاريخ والشعوب في النهاية هي التي تنتصر في مرحلة ما من التاريخ.

الوضع في منطقة الخليج خطير والتصريحات المتبادلة توحي بالكثير خاصة وأن الأضرار الكبيرة باقتصاد اي دولة يعد مساسا بسيادتها وسلوكا لإعلان الحرب، ومن هنا الكل يتطلع الى جهود السلطنة المقدرة والتي تعد الطرف الأكثر قبولا في العالم في هذه المرحلة من التاريخ.

دول مجلس التعاون لها مصلحة كبيرة في استقرار المنطقة وأي مواجهة محتملة سوف تكون الخاسر الأكبر وسوف يستمر الابتزاز المالي وتدخل في ركود اقتصادي يؤثر علي التنمية المستدامة فيها فالحروب هي أوجاع ومآس للشعوب وبالتالي فإن ايجاد حوار وتفاهم حتى لو كان نسبيا بين طهران وواشنطن هو أمر ضروري وحاسم وأيضا قطع الطريق على تحريض الكيان الإسرائيلي والذي يريد إشعال حرب كبرى في المنطقة يكون هو أكبر الرابحين فيها.