الملف السياسي

الطيران المدني وتحديات كبرى

22 أبريل 2019
22 أبريل 2019

عوض بن سعيد باقوير  -

صحفي ومحلل سياسي  -

كلما شهد العالم حادثا مأساويا على مستوى الطيران المدني تعالت الأصوات في العالم حول أهمية الضمانات التي تتصل بصناعة الطائرات المدنية في ظل احتكار أكبر شركتين في العالم وهما شركة البوينج الأمريكية ومقرها مدينة سياتل بولاية واشنطن أقصى غرب الولايات المتحدة الأمريكية والشركة الأخرى الايرباص وهي شركة أوروبية عملاقة ومقرها ضواحي مدينة تولوز الفرنسية وهي شركة أوروبية متعددة الجنسيات وقد تأسست عام 1970 وهناك شركات طيران أخرى اقل حجما من حيث الصناعة بشكل عام ومنها شركات برازيلية على سبيل المثال.

الحادث المفجع لإحدى الطائرات الأثيوبية وهي من طراز بوينج 737 ماكس 8 والذي أسفر عن مقتل العشرات من الركاب، فتح سجلات شركات الطيران العالمية وخاصة البوينج في ظل حوادث متكررة لهذا النوع من الطائرات ومن هنا بدأت الدول في التحفظ على استخدام تلك الطائرات ومدى الأمان التقني الذي يضمن سلامة وأمن الركاب.

وقد فتح ذلك الحادث المؤلم التساؤلات حول تحديات صناعة الطيران المدني وضرورة أن تكون التقنية الحديثة المعقدة في خدمة سلامة الطيران المدني وبالتالي الركاب ومن هنا فإن شركة بوينج تراجع الآن أنظمة الطيران وخاصة ذلك النوع من الطائرات والتي تم تعليق استخدامها في شركات الطيران المدنية بما في ذلك في الولايات المتحدة.

مستقبل الصناعة

تعد صناعة الطيران المدني من الصناعات الدقيقة والمعقدة والمكلفة ولعل الوقوف على ما يحدث في مصانع شركة بوينج الأمريكية في مصانعها المختلفة يعطي فكرة شاملة حول ضخامة تلك الصناعة وأهمية سمعة الشركة والتي تتجاوز مبيعاتها عشرات المليارات من الطائرات،

في عام 2003 كانت هناك دعوة شخصية لي وعدد من الصحفيين العرب لزيارة مصانع الشركة ومقرها الرئيسي في مدينة سياتل وأيضا في مدينة لوس انجلوس وأيضا مصانعها العسكرية وصناعات الأقمار الاصطناعية في ولاية اريزونا ولعل تلك المشاهدات لا تزال عالقة عن حجم تلك الصناعة والتي تتطلب دقة كبيرة في مجال حساس كصناعة الطائرات والتي يستخدمها مئات الملايين من الناس حول العالم.

وأثناء الحوارات المتعددة كانت هناك تساؤلات حول امن هذه الصناعة في مجال الأمن والسلامة ويبدو أن عدم وجود حوادث بالمطلق في عالم الطيران المدني يبدو مستحيلا فهناك الأخطاء البشرية وهناك العوامل الجوية كالعواصف الثلجية والرياح الشديدة خاصة في الدول الغربية وروسيا الاتحادية وبعض الدول الآسيوية ودول أمريكا اللاتينية.

أما فيما يخص الأخطاء الفنية للطائرات فهذا الأمر لابد من الحرص عليه بشكل اكبر خاصة وان آلية الطيران الآلي والبرمجة قد يكون لها مخاطر في ظروف معينة وتحت أجواء تتداخل فيها العوامل الفنية والبشرية، ومن هنا فإن شركة بوينج تعد الآن أمام تحديات حقيقية حيث إن ذلك النوع من الطائرات قد تضررت سمعته حيث دعا الرئيس الأمريكي ترامب الشركة إلى معالجة الأوضاع الفنية الخاصة بالشركة وأيضا تغيير اسم الطائرة والتي لا تزال معلقة من قبل شركات الطيران الوطنية حول العالم.

هناك خسائر مالية كبيرة لشركات الطيران الوطنية خاصة تلك التي تمتلك أعدادا كبيرة منها كما أن الشركة المنافسة ايرباص قد تكون المستفيد الأكبر من الصفقات القادمة، حيث أعلنت الصين مؤخرا عن نيتها شراء 300 طائرة من الايرباص خلال زيارة الرئيس الصيني الأخيرة لفرنسا بعقود تقدر بعشرات المليارات من الدولارات.

إذن التحدي الأكبر للصناعة سوف يعتمد على أمن الطائرات من الناحية الفنية، كما أن المبالغة في التكنولوجيا أحيانا قد يكلف الكثير خاصة وان ذلك يتطلب تدريبات متواصلة وتأهيلا على مستويات عالية أما التحدي الآخر فهو يتصل بجملة الاستثمارات في صناعة الطيران المدني بحيث يكون آمِنا بشكل كبير في ظل الطفرة التكنولوجية والثورة الصناعية الرابعة والابتكار الصناعي.

المنافسة المحتدمة

من الطبيعي أن تحتدم المنافسة بين الشركتين العملاقتين عند حدوث أي انتكاسة للطيران وقد مرت الشركتان بظروف مشابهة خلال العقود الأخيرة، فشركة الايرباص عانت من حوادث الطائرات ورغم ذلك تظل المنافسة في المجال الصناعي، والابتكار شيئا مهما لأن ذلك يؤدي إلى صناعة آمنة تكون في صالح امن وسلامة الركاب حول العالم.

ورغم تلك الحوادث القاتلة والمؤلمة فلا يزال السفر بالطيران هو الوسيلة الأكثر أمانا مقارنة بحوادث الطرق علي سبيل المثال وعلى ضوء عدد الرحلات اليومية والتي تنطلق من مئات المطارات الدولية والإقليمية ومن خلال آلاف الرحلات اليومية.

صناعة الطائرات المدنية تحتاج إلى مزيد من تحسين الجودة خاصة على مستوى السلامة ومن خلال الأجواء غير المتوقعة وهناك نماذج لا تزال على صعيد التجريب سوف تخلق ثورة حقيقية في مجال الطيران المدني، وقد تتحقق تلك الطفرة خلال السنوات القليلة القادمة.

البوينج والايرباص سوف تحرصان بلاشك على تجنب المزيد من حوادث الطائرات وهي مسألة في غاية التعقيد خاصة وان هناك شركات وطنية في عدد من الدول النامية تستخدم طائرات قديمة وذلك لأسباب اقتصادية، كما أن الحرص على تدريب الكوادر البشرية بشكل مستمر. ودور الشركتين في دعم هذا التوجه هو جزء مهم من توفير بيئة مناسبة لطيران آمن وأيضا يحقق مصالحهما من ناحية المبيعات

فحادث طائرة واحدة يجعل أي شركة طيران تخسر الكثير ليس فقط ماديا ولكن على مستوى سمعة الصناعة نفسها رغم أن البوينج وايرباص تنفقان عشرات الملايين على التسويق الإيجابي للصناعة وجودتها وهذا أمر طبيعي لشركتين تحتكران سوق الطيران المدني في العالم.

السوق يتصاعد

ورغم الحوادث المتفرقة للطيران المدني يستمر الإنفاق الكبير على التطوير الفني والتقني من ناحية وأيضا تنامي المبيعات من الطائرات المدنية ولعل دولا كالصين والهند تشكلان السوق الأكبر في العالم وذلك لأسباب تعود إلى حجم السكان الكبير وتعدد الوجهات المحلية لعشرات المطارات خاصة في الصين، فالبلدان هما أشبه بقارات وقد تمت الإشارة إلى اتجاه الصين لتعزيز شركتها الوطنية بـ 300 طائرة مدنية من الايرباص كما أن هناك توجها لطلبيات من البوينج لشركات صينية خاصة.

ومن خلال زيارتنا لمقر الشركة في سياتل فإن هناك طلبات متزايدة من الشركات الخاصة والأفراد من الشخصيات ورجال الأعمال واصبح هذا السوق يشكل مبيعات كبيرة، خاصة وان ذلك النوع من الطائرات يتميز بطلبات خاصة خاصة في مجال الأمن والسلامة.

ورغم تلك الحوادث المميتة سوف تبقى هناك تحديات تواجه صناعة الطيران المدني من قبل أصحاب الصناعة، كما أن روسيا الاتحادية أصبحت تصنع الطائرات المدنية وإن كانت المنافسة مع البوينج والايرباص بعيدة نسبيا وتحتاج إلى خطوات واستثمار اكبر في المستقبل وعندها قد نرى شركة عالمية ثالثة منافسة وعلى ضوء محددات صناعة الطائرات فان هذا القطاع يتحرك وفق معايير السوق وهناك اتهامات متبادلة حول موضوع الدعم الحكومي خاصة من الولايات المتحدة تجاه الدول الأوروبية، كما أن الاتهام وجه إلى عدد من شركات الطيران الخليجية ذات الوجهات إلى الولايات المتحدة ولا يزال الموضوع محل نقاش على ضوء المنافسة في هذا القطاع وعلى ضوء ذلك يظل التحدي الأكبر في صناعة الطائرات هو إيجاد السبل نحو تحسين وضمان وسلامة الركاب من خلال آليات تتناسب وتلك التحديات الطبيعية والبشرية.

ليس هناك ضمان كامل لعدم تكرار حوادث الطائرات ولكن من المهم إيجاد آليات وتحسينات متواصلة حتى تظل وسيلة الطائرات هي الأكثر أمانا رغم تلك الأخطاء الفنية والتي تجعل الناس في حالة فزع وقلق من المجهول.