أفكار وآراء

المدرسة ودورها في مناهضة خطاب الكراهية

19 أبريل 2019
19 أبريل 2019

د. خالد صلاح حنفي -

ظهرت في السنوات الأخيرة سلسلة من الأحداث شغلت البلدان العربيّة والإسلاميّة وهزّت استقرارها وأمنها الاجتماعيّ، وجرَّت المنطقة إلى صراعات وفوضى داخليّة أودَت بحياة مواطنين أبرياء كما مسّت بحرمة دُور العبادة وأسهمت في التحريض على الانتقام والكراهيّة والانزلاق إلى متاهة العنف. فكانت تلك الأحداث كلّها إحدى نتائج شيوع ثقافة اللّاتسامح، وخِطاب الكراهيّة والعنف، وعدم قبول الآخر، وانتشار الأفكار والإيديولوجيّات التي تلغي الآخر والمُختلف، ولا تعترف بحقوقه.

خِطاب الكراهيّة كما تصفه منظّمة اليونيسكو (2010) هو مفهوم جدليّ واسع المدى، يشمل كلّ أشكال التعبير التي تحمل الكراهيّة ويتمّ تضمينها من خلال الصوت أو الصُّور أو النصوص، وتحمل نمطَيْن من الرسائل، النمط الأوّل موجَّه إلى مجموعة معيّنة للتقليل من احترام أفراد محدّدين، والثاني تعريف الأفراد الذين يحملون وجهات نظر ضدّ الأفراد المُستهدفين أنّهم ليسوا وحدهم (Iginio,2015). فخِطاب الكراهيّة هو كلّ التعبيرات التي تؤيّد الإيذاء (التمييز أو العدائيّة أو العنف) أو تحرِّض عليه بناءً على انتماء الفرد إلى جماعة اجتماعيّة أو ديموغرافيّة. وهو كلّ خِطاب يُقلِّل من شأن الناس بناءً على أصولهم العرقيّة والاثنيّة أو الدّين أو الجنس أو العُمر أو المجموعة اللّغويّة أو الحالة البدنيّة أو الإعاقة أو التوجّهات الجنسيّة. وتتنوّع صُور خِطاب الكراهيّة لتشمل رسائل الكراهيّة، ورسوم الغرافيتي، وغيرها من الوسائط مثل الفلاير على سبيل المثال لا الحصر.

تنامي خِطاب الكراهية عالَمياً

إنّ حرّيّة التعبير هي أحد أُسس المجتمع الديمقراطي وأحد شروط تحقيق التقدّم لكلّ مجتمع وتنمية كلّ إنسان. وينصّ الإعلان العالَمي لحقوق الإنسان على أنّه «يولد جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق»؛ وقد كانت هذه القاعدة مقدِّمة أساسيّة للقانون الدّولي لحقوق الإنسان، كما ركّز مجلس حقوق الإنسان منذ العام 2009 على مناهضة التمييز، والدفاع عن الحقوق الأساسيّة للإنسان من دون تمييز بسبب العرق أو الجنس أو اللّغة أو الدّين.

على المستوى العالَمي، يُواجِه الكثير من الأفراد والجماعات الدينيّة أو العرقيّة أو المذهبيّة تمييزاً واضحاً كما هو الحال بالنسبة إلى الأقلّيات في بورما، أو في منطقة الأحواز، أو في العراق، أو في فلسطين المحتلّة؛ حيث تُقيَّد بشكلٍ تعسّفي حرّيتهم في التمتّع بحقوقهم المدنيّة والثقافيّة والاقتصاديّة والسياسيّة والاجتماعيّة، ويعانون التمييز في وصولهم إلى التعليم أو الخدمات الصحّيّة أو الوظائف العامّة. كما يتمّ اعتقال بعضهم أو حتّى اغتيالهم بسبب انتماءاتهم.

واقع خِطاب الكراهية

في العالَم العربيّ

تزايدت ظاهرة خِطاب الكراهيّة بشكلٍ يدعو إلى القلق في المنطقة العربيّة خلال السنوات الأربع الماضية، وتنامت مظاهر الشحن الطائفي، وانجرّت وسائل الإعلام إلى ذلك، كما انزلقت السلطة التنفيذيّة في بعض الدول إلى التمييز الطائفي مع استعداء طائفة من المواطنين ضدّ طائفة أخرى.

وأوضحت دراسة وليد حسني زهرة (خِطاب الكراهيّة والطائفيّة في إعلام الربيع العربيّ، عمّان: مركز حماية وحرّيّة الصحفيّين، 2014) أنّ خِطاب الكراهيّة في مرحلة الربيع العربي اجتاح الدول العربيّة كلّها. وبدت المواجَهة الحقيقيّة بين الإسلاميّين وبين العلمانيّين واللّيبراليّين المواجَهةَ الأكثر استخداماً لخِطاب الكراهيّة، ولجأ الطرفان إلى توظيف الإعلام في هذه المُواجَهة التي لم تخلُ من العنف والقتل.

وعلى الرّغم من توقيع معظم الدول العربيّة على الاتّفاقيات الدوليّة لحصر خِطاب الكراهيّة والطائفيّة والمذهبيّة والتمييز، إلّا أنّ تفعيلها كان الأكثر غياباً لصالح الخِطاب النقيض وهو خِطاب الكراهيّة والتمييز، والطائفيّة والمذهبيّة...إلخ

وهناك تجارب عربيّة من أجل رفض خِطاب الكراهيّة والطائفيّة ونبذه في مجتمعاتها، كتجربة البحرين في وضع وثيقة نبذ الكراهيّة، وهي تجربة شعبيّة في غاية الأهمّيّة، ومشروع بيان رفض الكراهيّة في الكويت، وكذلك الحال بالنسبة إلى الأردن في مشروع «رسالة عمّان» التي اعتمَدت في الأساس على تعزيز قيَم التسامح الإسلامي ونبْذ الفرقة الطائفيّة والمذهبيّة وعدم تكفير الآخر دينيّاً ومذهبيّاً.

كيف نُناهض

خِطاب الكراهيّة؟

تتزايد الحاجة على المستوى العربيّ إلى خِطابٍ يُمكن إجمال فكرته وفلسفته في أنّه ينبذ الكراهيّة ويؤصِّل لعلاقات الأفراد والمجتمعات والعالَم على أساسٍ من التعاون والتقبّل المُتبادَل لجميع الناس والأُمم والحضارات والأفكار، واحترام التعدّديّة والتنوّع، والإعلاء من شأن العقل والفلسفة والمنطق والمَناهج العِلميّة والفكر الناقد والفنون والإبداع (إبراهيم غرايبة، نحو خِطابٍ دينيّ جديد لأجل الخروج من الكراهيّة،2016). إنّ البدايّة في مُواجَهة خِطاب الكراهيّة في العالَم العربيّ هي ضرورة الاعتراف بوجود ثقافة الكراهيّة في إعلامنا ومجتمعنا، لأنّ هذا الاعتراف سيفتح البابَ أمام المجتمع للتعامل مع هذه المشكلة باعتبارها حالة قائمة تحتاج إلى جهود الجميع من أجل معالجتها، بدلاً من إنكارها وتجاوزها.

يلي ذلك ضرورة دراسة جميع الجوانب السياسيّة والاجتماعيّة والثقافيّة والفكريّة والعوامل التي تشكّل بيئة خصبة لنموّ خِطاب الكراهيّة وازدهاره، وتحديد المؤثّرات النسبيّة لهذه العوامل في الحالات المُختلفة.

في المقابل، ثمّة حاجة إلى تضافُر الجهود لمواجَهة خِطاب الكراهيّة والعنف في المجتمع بمختلف صوره، وتعزيز دَور المؤسّسة الدينيّة في إشاعة ثقافة التسامح والتعايش وأدب الاختلاف باعتبارها كلّها قيَماً إسلاميّة سمحة دعا الإسلام إليها.

فثقافة الكراهيّة والحضّ على الطائفيّة هي مجرّد أفكار بشريّة تمّ إلحاقها بالأديان باعتبارها جزءاً منها، ما يستدعي الكشف عن تلك الأفكار وتفنيدها.

ولا بدّ من تعزيز الحوار بين الأديان والثقافات والعمل المُشترَك على مُواجَهة التحدّيات ذات الصلة.

كما ينبغي على وسائل الإعلام مجتمعةً تخصيص ساعات بثّ ومساحات نشر لتعزيز ثقافة الحوار والتعايش والتسامُح مع الآخر.

وتتزايد الحاجة إلى إضفاء المزيد من الوضوح على المعايير القانونيّة التي تفصل بين حرّيّة الرأي والتعبير والتحريض على الكراهيّة والتطرّف، وسنّ تشريعات شاملة تكفل مُناهَضة خِطاب الكراهيّة ومُواجَهته وازدراء الأديان واسترشاد تلك التشريعات بموادّ «الإعلان العالَمي لحقوق الإنسان»، والمادّة (20) من «العهد الدوليّ الخاصّ بالحقوق المدنيّة والسياسيّة».

دَور المدرسة العربيّة

في مُناهضَة خِطاب الكراهيّة

لا بدّ من أن تقوم نُظم التعليم العربيّة بالعمل، بدءاً من الصفوف الدراسيّة الأولى في المدرسة، على إشاعة ثقافة التسامُح والتعايُش ونبذ الكراهيّة والعنف والطائفيّة، والعمل على:

1- وضع السياسة والمَناهج التعليميّة من ضمن خطّة شاملة لإصلاح النواحي السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة كافّة: فلا معنى لتعليم الطلّاب العدالة والحرّيّة ونبذ الظلم وتحكيم الحقّ، واحترام القانون، وهُم يعيشون في ظلّ حكومة تقوم على المُحاصَصة المذهبيّة أو الطائفيّة أو العشائريّة أو القبليّة؛ إذ إنّ ذلك يؤدّي إلى الانفصام عن الواقع، وإلى فقد الثقة في الأنظمة السياسيّة، والانجراف نحو العنف. لا بدّ إذاً من أن يكون هناك تكامل بين إصلاحات التعليم مع باقي الإصلاحات والسياسات.

2- إنشاء تحالُف يجمع مؤسّسات المجتمع المدني ووسائل الإعلام بغاية تعزيز التعايُش السلميّ ونبْذ التطرّف وإلغاء الآخر على نحو يعمِّق ثقافة الأخوّة الإنسانيّة، وإنشاء مراكز دراسات ترصد الظاهرة وتتقدّم بمقترحاتٍ لتطويقها.

3- توفير إطارٍ تشريعي مُتكامل للتصدّي لكلّ ما من شأنه النَّيل من السّلم الاجتماعي والوحدة الوطنيّة داخل الدولة، ويحمي المجتمع من دعوات الكراهيّة والتمييز بين المواطنين.

4. تطوير العمليّة التعليميّة كمَّا وكيفاً، بحيث يُفترَض أن يخلق التعليم لدى الطالِب العربي قدرة تنافسيّة عالية على المستويَيْن المحلّي والعالَمي، تؤهّله لسوق العمل؛ ذلك أنّ الكثير من الصراعات ترتبط بشكلٍ أو بآخر بالوضع الاقتصادي والفقر والبطالة. كما يُفترَض تطوير المَناهج التعليميّة لغرس قيَم التسامح واحترام الآخر، وتعزيز الثقة بالنَّفس، والاعتزاز بالذّات وإشاعة المحبّة واحترام كرامة الإنسان، والاهتمام بمَناهِج التاريخ العربي والإسلامي المُشترَك وألّا تتضمّن المَناهِج الدراسيّة صُوراً نمطيّة تحضّ على أو تؤجِّج مَشاعر الكراهيّة العنصريّة أو الدينيّة، وأن تشكّل تلك المَناهِج مصدراً لتعزيز ثقافة الاحترام المُتبادَل والتفاهم والحوار والتسامُح، وتؤسِّس لثقافة دينيّة جديدة تتبنّى احترام الآخر والعَيش المُشترَك.

يتبع ذلك، أو يواكبه سلسلة تدابير تشمل تطوير بيئة المدرسة وإصلاحها لنشر المُمارسات الدّاعمة للسلام والتسامُح ونبْذ العنف، وتنظيم دَورات تدريبيّة لنبْذ خِطاب الكراهيّة، ونشر الوعي داخل شرائح المجتمع المختلفة، وخصوصاً طلبة كلّيات الصحافة والإعلام وطلبة المدارس الدينيّة، وتدريب المدرّسين على استعمال العبارات التي تحضّ على التسامح، ناهيك بضرورة نشر ثقافة حقوق الإنسان واعتبار حقوق الإنسان مادّة تعليميّة أساسيّة في المراحل التعليميّة كافّة، وتطوير برامج إعداد المدرّسين والحرص على اختيارهم وإعدادهم وتنفيذهم للعمليّة التعليميّة على أكمل وجه، على ألّا يُسمح في المَدارس والمؤسّسات التعليميّة بالمحسوبيّة والعنصريّة والتفاضُل على أُسس غير موضوعيّة، أو النزوع إلى استخدام العنف اللّفظي أو الجسدي لإنهاء المشكلات، أو المُنافسة الأنانيّة القائمة على تضييق فرص الآخرين بدلاً من التعاون معهم، وإنشاء مراكز عالية المستوى للتدريب والتكوين المهني، تتمتّع بالجودة، وتحرص على تعليم الدقّة والإتقان في العمل.

المقال ينشر بالاتفاق مع مؤسسة

الفكر العربي-

*الكاتب: مدرّس أصول التربيّة

- جامعة الإسكندريّة