1190007
1190007
مرايا

ليلى كعوش: الفن ليس زخرفة أو مجرد ألوان متناغمة بل فكرة للفنان يوصلها للمتلقي من خلال الرسم

17 أبريل 2019
17 أبريل 2019

حاورتها- ضحى عبدالرؤوف المل

تفتح الفنان «ليلى كبة كعوش « رموزها الفنية التراثية على الالوان واشراقاتها، وتجعلها في موازين طبيعة تزخرفها بمسحة بصرية ذات دلالات مختلفة، وتأويلات تلتقي معها المناطق العربية غالبا، فالمشحوف في لوحاتها ما هو الا استكشاف يضفي بتفاصيله خاصية لحكايا تشحنها بفن مصقل بالمعايير الجمالية الغنية بالالوان والظل والضوء المتوازن نغميا بتدرجات تتساوى وتتنافر في تضاد يزيدها جمالا. مع الفنانة ليلى كبة كعوش اجريت هذا الحوار بعد معرضها الاخير .

- الفن والتراث والجمال رحلاتهم في لوحاتك الى متى؟

ارسم فقط الجمال والتراث، لكن اعتقد ان جمال اللوحة يجذب المتلقي ليتمتع باللوحة ويطول النظر اليها، عندما يتأمل لوحة من لوحاتي يرى بان هناك معاني أعمق متخباة في اللوحة ولا تبين من اول نظرة. لا أحب ان أضع فكرة واحدة ، مثلا الحزن، أفضل ان أزيد مشهد حزن واضع ألوان براقة او منظر جميل فيصبح تناقض باللوحة، وهذا يغني اللوحة. أحب ان تكون لوحتي جميلة اولا، وان يكون فيها معنى يشد المتلقي لكي يتأمل ويتعمق بمعنى اللوحة. هذا بنسبة للجمال، اما التراث، انا لا أتقصد ان ارسم التراث فقط بل استلهم منه، اوظفه وأحوله الى ابعاد فنية وفكرية.

- الفنانة ليلى كبة كعوش ترسم العراق في بيروت، أين بيروت في لوحات الفنانة العراقية؟

عندما أتمشى على الروشة ارى القصب على شواطئ البحر ويذكرني بقصب الاهوار، وفي بعض الأيام البحر ببيروت يذكرني بمسطحات الأهوار. وفي هذه اللوحات يوجد كثير من ألوان بيروت متداخلة ومتشابكة مع مناظر الأهوار. بمراحل سابقة رسمت مشاهد من شوارع بيروت، احببت الحركة والطاقة والجمال والقبح والسعادة والحزن، حاولت ان أوصل هذه الفكرة من خلال ريشتي، وركزت في هذه اللوحات على حياة الناس العاديين، كبائع الحلوى وصياد السمك ولاعبي الطاولة ومدخنين الاركيلة وغيرهم .

ورسمت الحروب وتاثيرها على الحياة اليومية والعائلية، وبصورة خاصة على دور المرأة بأنها حتى في الظروف الصعبة تحاول ان تحمي عائلتها، فشبهتها بالنخلة الشامخة، حتى بأشد العواصف لا تنكسر بل تميل وتنحني ولكن تظل واقفة. بهذه الطريقة أمزج بين ذاكرة البساتين العراقية وحالة الحاضر المملوء بالحزن والتشريد والحروب.

- الخصوبة والماء مؤخراً في لوحاتك أنوثة ام وطن ام رسومات تميل الى الجمال؟

المرأة في لوحاتي تتكرر، فأوقات هي البطلة القوية او الأسطورة السومرية او اليونانية او الرومانية، والآن بهذه المجموعة هي النخلة الشامخة تقوم بكل الأدوار لتطعم عائلتها. ورسمتها تحمل القصب على أكتافها ويكاد ان يكون القصب أضخم من حجمها! وحاولت ان أضع في لوحاتي الجمال والهدوء الذي رايته في هذه المنطقة الجميلة، حيث المياه ممزوجة مع السماء، وتخيلت الأساطير السومرية تتوارى امامي، وملكة الكون إنانا تظهر وراء القصب مسقط راسي مدينة العمارة قريبة من الأهوار ولكني لا اذكرها، حيث ان والدي كان يعمل مهندسا وانتقلنا الى بغداد، وبعد كل هذه السنوات قررت ان أزورها، وجمالها كان اكبر من مخيلتي. هذه المنطقة التي هي مرتان بحجم لبنان ومغمورة بالمياه، ولكنها تتضاءل كل سنة والنَّاس والنباتات المتنوعة والطيور والحيوانات ستزول بسبب اعتداءات البشر وقلة المياه التي تتراجع كل سنة.

- تلعبين لعبة الخطوط الإيقاعية في لوحاتك دائماً وبأساليب مختلفة بينها المرتفع والمنخفض، بماذا تتأثرين وانت ترسمين؟

بدأت ارسم البيئة ونمط الحياة التي لم تتغير منذ زمن السومريين عند معدان الأهوار، والتي ستنمحي اذا لم نحافظ عليها.. انا أشبه اللوحة بالحياة، فممكن ان أخطط واقرر بالحياة، ولكن عوامل خارجية خارج سيطرتي ممكن ان تأخذني لمكان ثان كليا، ولكن بلوحتي أكون مسيطرة وملكة اللوحة، لهذا السبب، أضع رموز وانتسابات وملامح تشير الى الخط العربي، زخرفة البناء، والمح لتاريخنا السومري حتى اصل الى لوحة حيوية الحركة فأشعر باطمئنان وسعادة بهذا الموقع الخيالي الحقيقي لي. لوحاتي هي وسيلة لكشف افكاري، وكثير من الأوقات تكتمل وتوضح افكاري في عملية الرسم وتعكس مراحل حياتي، استعمل الخامات المختلفة لأعبر عن طبقات الحضارة في بلاد ما بين النهرين واستخدم مواد مختلفة، قصقصات وكولاج وخامات لأعمل كثافة وتاريخ للوحة وارسم خطوط لأعطي عمق للوحة، ولا زلت اكتشف تقنيات واساليب جديدة فاسترجع ملاحظاتي بطفولتي عن الكنوز المختبئة في التراب، ومن ثم اعبر في لوحاتي هذا الشعور، بان لا نرى كل شي من اول نظرة ولكن في ملامح نصف متخباة تحت السطح وعلى الشاهد ان يكتشفها.

- الفن المعاصر والفن المرئي الحركي، هل ستدوم اللوحة التشكيلية برأيك ؟

الفن والاسلوب التشكيلي مر بمراحل كثيرة ولا يزال، والوسائل وتكنولوجيا الفن بين يدينا لا تعد. الفنان له خيارات كثيرة كيف يعبر عن ذاته. هذا سوْال صعب الجواب عليه، أين سنذهب؟ عندي سوْال ثاني هل الخط والكتابة باليد ستدوم؟ بصراحة لا شي احلى من مزج ألوان ولغة الرسم، والفنان المعاصر عنده كنز كبير وحرية واسعة ليسحب من كل التقنيات المتوفرة ويستخدمه بلغته الخاصة، اما بلوحة او باي طريقة اخرى تعبر عن فكره، والى الان كل المزادات العالمية تقدم لوحات تشكيلية.

- ثقافة الفن التشكيلي تحتاج لزخم معرفي، على ماذا اعتمدت ليلى في صقل هذا وأين نجده في لوحاتك؟

انا من يؤمن بالثقافة الكلاسيكية اولا، ومن ثم يمكن للفنان ان يغامر ويلاقي لونه الفني الخاص به. ولا يكتفي الفنان بما يتعلمه بالجامعة، لكن يجب ان لا يتوقف عن جمع المعلومات وتغذية علمه وتوسيع أفكاره الفكرية والتقنية. انا لا اعتمد فقط على ثقافتي الجامعية، ولكن اعتبر نفسي تلميذة الحياة وأخزن بذاكرتي ودفاتر رسمي لكي تصبح مفردات ارجع لها بوقت لاحق. تعمقت بالكتب التاريخية وبشكل خاص عن الحضارة السومرية وقرأت الكثير عن ملحمة كلكامش وملكة الكون إنانا ورسمتها بعضمتها، وعندما تركت عرشها وهبطت الى العالم السفلي ففقدت العرش والمركز والعظمة، شبهتها بالامراة الحديثة بكل مراحل حياتها وتأثير الحروب عليها وعلى عائلتها وعذابها ومعاناتها. هذه الأسطورة مثلا بقت أساسا معنويا بكثير من لوحاتي.

ولأَنِّي سكنت بأثينا في اليونان اكثر من ١٢ سنة، تعمقت بدراسة الأساطير والحضارة اليونانية ومنها استلهمت الكثير وأغنيت لوحاتي. اعتقد ان الفنان التشكيلي مثل الشاعر، لكن الشاعر يستعمل الكلمات والفنان يستعمل الرموز والالوان، كل ما كان عند الشاعر معرفة بمفردات اكثر كل ما تمكن ان يعبر عن مشاعره بصورة افضل.. كذلك الفنان التشكيلي، يخزن كل الأفكار في ذاكرته ويستعملها من خلال الرموز والتقنيات المختلفة التي يعرفها.

- كلمة للمرأة التشكيلية تحديدا؟

كلمتي ستكون للفنان التشكيلي وغير مهم ان أنثى او ذكر، وكما أتوقع من نفسي، ان كل واحد منا يحمل مخزون من التجارب خاصة به ويريد ان يعبر عنها بطريقته الخاصة. اعتقد ان الفنان يجب ان يكون صادقا مع نفسه اولا ولا يفكر ان كل شي يرسمه ممتاز، ولا يخاف من التجربة. يجب ان يتعمق بالدراسة ويتطلع ويتأمل اعمال الفنانين الكبار ليتعلم منهم ومن ثم يكون طريقته الخاصة. الفن ليس زخرفة او مجرد ألوان متناغمة، بل فكرة الفنان ويوصلها للملتقي من خلال تقنيته ومهارته بالرسم. وفي كلمة واحدة للمرأة التشكيلية بان تثق بحالها وتكون جريئة بعطائها الفني.