1187468
1187468
إشراقات

الخوالدي: الشبهات والشهوات من أعظم أمراض القلوب

11 أبريل 2019
11 أبريل 2019

الصدق مع الله و«التخلي».. و«التحلي».. و«العزم على الترقي».. أربعة أمور تقوم عليها التزكية -

متابعة : سالم بن حمدان الحسيني -

الصدق مع الله و«التخلي».. و«التحلي».. و«العزم على الترقي».. أربعة أمور تقوم عليها التزكية، فلابد للعبد أن يكون صادقا مع الله في كل أقواله وأفعاله، وأن ينقي نفسه من نوازع الشر، ويتخلى عن أسباب الفساد والانحراف، وعليه أن يسعى إلى الكمالات فلا يبقى في مقام واحد دون أن تكون لديه عزيمة على الترقي في أي جانب من جوانب التزكية للذات.. تلك هي مفاتيح أمر التزكية التي يجب أن نلتفت إليها ونسعى إلى تطبيقها في حياتنا.. ذلك ما أوضحه الشيخ خالد بن سالم الخوالدي في محاضرة له، موضحا أن الإنسان يحتاج الى تطهير نفسه من نزعات الشر وأسباب الفساد والانحراف، حتى يتوصل الى الاستقامة على منهج الله، وهي الغاية السامية التي يريد العبد من خلال التزكية أن يتوصل إليها، موضحا أن أمراض الشبهات والشهوات من أعظم أبواب الداء الذي يلحق بقلب الإنسان، مبينا أن مصدر أمراض الشبهات الاختلال الفكري والالتباس العلمي والتسويغ الذاتي للخطأ، أما أمراض الشهوات فمصدرها الشهوة المركبة في نفس الإنسان وغلبتها عليه، وحتى يزكي الإنسان نفسه لابد من أن يسلك مسلك العلاج، وهنا نص المحاضرة القيمة التي ألقاها الشيخ بجامع ابن عباس بالمعبيلة الجنوبية ضمن الدروس الشهرية التي يقدمها في هذا الجامع والتي جاءت تحت عنوان: «كلمات في التزكية».

الإنسان عليه أن يسعى لتطهير نفسه من نزعات الشر وأسباب الفساد والانحراف حتى يتوصل إلى الاستقامة على منهج الله -

معنى التزكية مأخوذة من مادة زكي وهو في اللغة نما وطهر فالنماء والطهارة هي معنى التزكية وهي في معناها الاصطلاحي تقوم على هذا المعنى اللغوي، فالإنسان يحتاج الى تطهير نفسه من نزعات الشر وأسباب الفساد والانحراف، هذا جزء من التزكية وهو التطهير ويحتاج الى تنمية جوانب الخير وأصول الخير في نفسه، وهذا هو جانب النماء، فحتى يزكي الإنسان نفسه هو محتاج الى سلوك هذين الدربين، وبذلك يتوصل الإنسان الى الاستقامة على منهج الله، فهو الغاية السامية التي يريد العبد من خلال التزكية أن يتوصل إليها، وكلنا بحاجة إليها لأنها خير للإنسان في دنياه وفي عاقبته.

فالتزكية لابد أن يسلكها الإنسان لأنها في الحقيقة تجسيد صادق لمعنى العبودية التامة لله جل وعلا في سائر شؤونه، مشيرا الى أنه قد يخطئ بعض الناس حينما يتصور أمر العبودة مقصورة فقط على الفرائض وحدها وهي الصلاة والزكاة والصيام والحج، فهذه الشعائر هي جزء من العبادة التي نعبد الله تعالى بها، لأن العبودية تشمل كل مناحي الحياة فالله سبحانه يخاطب الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين)، فهذه الآية تجسد معنى العبودية التي تشمل الأقوال والأفعال وتشمل الشعائر وتشمل الأخلاق وتشمل العقائد فلابد أن يجسد الإنسان عبوديته في جميع هذه الجوانب.

وأضاف: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عد الأخلاق والعقيدة من الإيمان، حيث قال: (الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من شعب الإيمان»، وقبل هذا ربنا جل وعلا يقول: (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون) فبين سبحانه وتعالى أن التقوى تكمن في هذه الأمور التي تشمل العقائد وتشمل العبادات وتشمل الأخلاق، فالعقائد والعبادة والأخلاق كلها داخلة في إطار التقوى، وكلها تدخل في نطاق العبودية لله، فلا ينبغي أن نقصر العبودية على أمر الصلاة والزكاة والحج والصوم فقط بل كل هذه الجوانب بما فيها الأخلاق كلها داخلة في العبودية لله وهي أمر أوسع مما نتصوره فلا ينبغي أن نحصرها في جوانب محددة.

وأوضح أن سيدنا معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه كان يقول: إنني احتسب عند الله نومتي كما احتسب عند الله قومتي» أي انه يبتغي الأجر بتلك النومة التي ينامها ويحتسبها عبادة لأنه يتقوى بها على العبادة، كما انه يحتسب قومته عبادة عندما يقوم مصليا لله، ويقول صلى الله عليه وسلم: (الكلمة الطيبة صدقة) فهي إذن عبادة، كما ان تبسمك في وجه أخيك صدقة، وتعين الرجل على دابته فتحمل عليها متاعه صدقة، واللقمة التي يضعها أحدكم في فم امرأته صدقة، كما أن في بضع أحدكم صدقة، أي في معاشرة أحدكم لأهله صدقة، وكل هذه الأمور التي يمارسها الإنسان بنية صادقة، وإخلاص تام لله وعمل مشروع وفق مراد الله هي أعمال صالحة يكتسب الإنسان بها الأجر والمثوبة وهو بها يجسد معنى العبودية لله تعالى. فتزكيتنا لأنفسنا تعيننا على تجسيد هذه العبودية في سائر أحوالنا، فلا ينبغي للإنسان أن يبقي لنفسه حظوظا واهنة تضعف نيته، أو تفسد عمله، أو تحرف مساره عن استشعار العبودية في جوانب حياته جميعها.

وقال: لماذا نتكلم عن التزكية؟ لأننا نؤمن بأن المولى جل وعلا قد خلق الإنسان وركب فيه الكثير من الإرادات والرغبات والشهوات فالإنسان فيه جوانب روحية تسمو به الى معارج العلا وفي جوانب بشرية ترتبط بإرادات ورغبات ومشاعر وأحاسيس يعيشها الإنسان وهكذا هي تركيبة الإنسان مادة وروح، وهذه الإرادات والشهوات والملذات التي توجد في الإنسان أوجدها الحق سبحانه وتعالى لأجل تحقيق أمر العبادة لله، ولأجل الخلافة في الأرض، فمثلا شهوة حب المال وشهوة حب الذات هي شهوة مركبة في نفس الإنسان فهو يحب المال كما انه يحب ذاته، وكذلك شهوة حباه الجاه، وشهوة حب الولد، وشهوة الجنس وشهوة الأكل والشرب، وغيرها كلها شهوات ركبت فطرة الإنسان عليها، وكل منها يخدم بقاء الإنسان واستمرارية حياته، كما يخدم موضوع قيامه بالمسؤولية الملقاة على عاتقه وهي الخلافة في هذه الأرض، ولو فصلنا في أي جزئية من جزئيات هذه الشهوات المركبة في نفس الإنسان لوجدنا بأنها توصل الى خدمة الغاية السامية التي أوجد الله تعالى الإنسان لها، مشيرا الى أن كل إنسان يحب ذاته، ولو لم يكن كذلك سيتعامل مع ذاته بكره وبعدم مراعاة، فلن يراعي نفسه في مأكل أو مشرب أو صيانة نفسه من الوقوع في المكاره، وإذا كان كذلك فهو أيضا لا يهتم بعلاقته مع الناس، فهذه شهوة واحدة ركبها الخالق سبحانه في نفسه لكي تتحقق بها مصالحه، وكذا شهوة حب المال والشهوات الأخرى المركبة في نفس الإنسان لكي يبقى الإنسان في هذا الوجود وليعمر هذه الأرض وليقوم بأعباء الخلافة.

مصادر الشهوات والشبهات

وأوضح الخوالدي أن ذلك أمر متفق عليه ولكن الإشكالية أن هذه الشهوات التي توجد في الإنسان لو أطلق الإنسان لها العنان وفتح لها الباب من غير ضوابط ومن غير قيود ومن غير التزام بأحكام الله فإنه سيقع في الضرر على نفسه وسيلحق الضرر بغيره وستختل شؤون حياته جميعها. فعلى سبيل المثال شهوة حب المال لو ان الإنسان تعامل مع حب المال بتجرد من غير قيود ومن غير ضوابط ومن غير حدود سيغرق الإنسان في المادية الى درجة مقيتة فيصبح سمعه وبصره وفكره ومكونه وتحركه للمادة، هذا جانب وجانب آخر انه سيسعى لامتلاك هذا المال من كل سبيل وسيبذل قصارى جهده ليل نهار وينهك بدنه لأجل تحقيق هذا المال، وسيجمع المال من كل سبيل حتى لو اعتدى على غيره أو أكل أموال الناس أو اعتدى على المال العام حيث استحوذت فيه تلك الشهوة من غير قيود أو من غير ضوابط فجاء الشرع بضوابط وقيود، فالشرع يقر بأن حب المال عند الإنسان فطرة موجودة، وأمور حياته تتيسر بحبه لهذا المال وخلافة الإنسان وتعميره لها جزء منه يقوم على حبه لهذا المال، لكن انطلاق الإنسان في حب هذا المال من غير قيود ومن غير ضوابط يوقعه ويوقع غيره في الإزعاج وفي الضرر ومن هنا كان لابد من تحديد حدود لهذه الشهوة ولذلك بين الحق سبحانه وتعالى ورسوله الكريم الحدود والضوابط التي نعمل بها مع هذه الشهوة، فقد دعا الإسلام الى اكتساب المال إلا انه أرشده الى اكتسابه من الحلال ولا يكون اكتسابه عن طريق آخر كالغش أو السرقة أو بالغصب أو الخداع أو بالاجتراء على حقوق الآخرين، وكذلك هناك ضوابط حددها الشرع بالنسبة للتنمية والتثمير بالطريقة التي تضمن حقوق الإنسان ولا تضرب بالآخرين، فلو أن الإنسان لم يتقيد بتلك الضوابط والحدود سوف تجنح نفسه في الانغماس في هذه الشهوات والملذات وعندئذ سوف تنشأ أمراض كثيرة ومنها أمراض الشبهات وأمراض الشهوات وهذان البابان هما اعظم أبواب الداء الذي يلحق بقلب الإنسان، فأمراض الشبهات مصدرها الاختلال الفكري والالتباس العلمي او مصدرها من التسويغ الذاتي للخطأ، وأمراض الشهوات مصدرها الشهوة المركبة في نفس الإنسان وغلبتها عليه، وهذان البابان من اعظم أبواب الفتنة، ولابد للإنسان أن يسلك مسلك العلاج لهما، لأنه لا تزكية لنفسه أبدا إلا إذا ما سلك مسلك الخلاص من هاتين الفتنتين.

وبيّن أن فتنة الشبهات دواؤها العلم، وأما فتنة الشهوات فدواؤها الصبر، فيداوي الإنسان الشبهات التي قد تنطلي على عقله بالعلم الراسخ، ويعالج الشهوات التي تشتعل في نفسه بدواء الصبر، وإذا ما سلك الإنسان هذين المسلكين العلم والصبر وصل الى درجة ومرتبة عظيمة عند الله فحق جلا وعلا حينما ذكر مرتبة الإمامة في الدين جعلها قائمة على هذين الأمرين: (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون)، موضحا أن الصبر عن أمراض الشهوات والعلم هو دواء أمراض الشبهات، وان تزكية الإنسان لنفسه تعتمد على كيفية تعامل الإنسان مع هذه الفتن التي تعترض عليه في حياته جراء وجود هذه الشهوات أو الشبهات، فهو محتاج الى علاجها واكثر ما يكون تركيز أمر التزكية لهذه المفاسد الباطنية المتعلقة بالشهوات والشبهات التي قد تحصل للإنسان، واصفا إياها بانها مفاسد عظيمة والإنسان يحتاج دائما الى أن يهتم بها وان يعالجهاـ، فقد تكون تلك الأمراض الخفية التي يحتاج الإنسان بتزكية نفسه منها أمراض قاتلة، مدمرة وهي ليست أقل ضررا عن الأخطاء الظاهرة التي يقع الإنسان فيها من ترك عبادات أو الاجتراء على حقوق الآخرين، ومن ذلك الرياء والغرور، والعجب والكبر، والحسد والغل، والاعتداد بالذات الى درجة عظيمة تفضي الى مرض.. هذه كلها أمراض باطنية، وهي خطيرة جدا، مشيرا الى انه لا يمكن أن يحقق الإنسان تزكية لنفسه من غير أن يعتني أتم العناية بها، بل هي اخطر حتى من الأخطاء الظاهرة، لأن الخطأ الظاهر يمكن للمجتمع أن يكون له دور في علاجه، من حيث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصيحة للمسلمين، فلو وقع لأحد خلل ظاهر وهو انه لا يذهب لأداء الصلاة جماعة في المسجد، ستجد هناك من يقوم بجهد كبير لأجل نصحه وإرشاده وتوجيهه أي ان هنالك جهد مجتمعي لعلاج ذلك الخطأ الظاهر ومثله لو تعدى على حقوق الآخرين، فلو ان شخصا اجترأ فأكل مال إنسان ستجد بأن ذلك الإنسان سوف يقف في وجهه وان المجتمع سينكر عليه، وان العقوبة الشرعية سوف تردعه عن ذلك الخطأ الذي ارتكبه، لكن الخلل الباطن لا يطلع الآخرون عليه، فهو بينه وبين نفسه، ومن هنا لن يجد نصيحة تخصه ذاتا فيه، ولن يجد انتشالا أو إعانة من قبل الآخرين لأجل ان يتخلص منه، فلو اشتمل قلبه على رياء أو اشتمل قلبه على حسد أو اشتمل قلبه على غل على المسلمين أو على غرور من الذي سوف يطلع عليه أو ينتشله من تلك الأمراض الباطنة، مشيرا الى أن الخلل الظاهر قد يستحي الإنسان منه بحكم التهيب من بعض الجوانب، فيكف نفسه عن كثير من ذلك الخلل الظاهر، لكن الخلل الباطن لا يستحي منه من احد فهو يفعله تلقائيا اذا ما استحكم عليه بينه وبين نفسه.

وأكد أن أصل الخلل الظاهر هو الخلل الباطن كما قال صلى الله عليه وسلم: «ألا وان في الجسد لمضغة اذا صلحت صلح سائر الجسد وإذا فسدت فسد سائر الجسد، ألا وهي القلب» ولذلك يقال: إن الخلل الظاهر يشي عن خلل باطن، فبسبب هذه الإخلالات الباطنة، حصلت الإخلالات الظاهرة، وقد يعمل الخلل الباطن في قلب الإنسان كعمل السوس الذي ينخر بناءه، إلا أن يصبح كالجذع النخر، مبينا أن الخلل الظاهر يكفي لإهلاك الإنسان، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال: فما عملت فيها قال: قاتلت فيك حتى استشهدت قال كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال جريء فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال: فما عملت فيها قال تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن قال كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال هو قارئ فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها قال: ما تركت من سبيلٍ تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك قال: كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار». مبينا أن هؤلاء الثلاثة جميعهم أوتوا من الخلل الباطن، ولذلك فهو خطير جدا ومن هنا كان لابد أن يعتني الإنسان بتزكية نفسه ليخلصها من هذه الأمراض النفسية الباطنة.

أربعة أمور

وأشار الى ان التزكية مدارها على أربعة أمور أولها: الصدق مع الله، فأمر التزكية لابد أن يقوم على الصدق، ولا يقوم على التمثيل، ولا على المخادعة بل يستشعر الإنسان بأنه عبد لله، وأن ربه جل وعلا هو مطلع على حاله، وان ثوابه وعقابه بيد الله، فيكون صادقا مع الله في صلاته وفي صيامه وفي سائر عباداته يتوجه بكل ذلك لله حينما يمارس العمل أو القول أو العبادة فانه يستحضر انه يفعله لله، وهو يعلم بان الله سبحانه مطلع عليه، عالم بخبايا نفسه فيستحي من ربه جل وعلا ان يرى منه خللا، والأمر الثاني وهو: «التخلي».. ونقصد به تنقية الإنسان نفسه من نوازع الشر، والتخلي عن أسباب الفساد والانحراف، فيتخلى عن كلل ضرر كالنظر الى الحرام او الاستماع الى الحرام أو الكلام بالحرام أو الأكل أو الشرب الحرام، أو السعي الى الحرام، أو فعل الحرام، كل هذه الجوانب لابد أن يجتهد الإنسان في التخلي عنها لأنها نواقض للتزكية، والأمر الثالث: «التحلي».. فبجانب التخلي عن الشر لابد أن يتحلّى بالخير فيجتهد بان يتصف بكل أمر خيّر يرضي الله سبحانه وتعالى، سواء فيما يتعلق بالعبادة أو ما يتعلق بالأخلاق أو فيما يتعلق بالتعاملات، وهذا الأمران «التخلي والتحلي» أمران متلازمان، لذلك نجد بأن المولى سبحانه يقرن بين التوب والعمل الصالح: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) وهذا فيه جمع ومزج بين التحلي والتخلي فيتحلى الإنسان ويعلم بان تحليته لنفسه بالمحامد سبيل لنجاح التخلي عن تلك المفاسد. والأمر الرابع: «العزم على الترقي».. فلا يقوم أمر التزكية على البقاء في مقام واحد، بل لابد من أن يكون فيه توقان الى الكمالات بشكل دائم، فلا يكاد يصل الى مرتبة إلا ويسعى الى مرتبة أعلى منها اذا كان يريد أن يزكي نفسه ولا يبقى في موقعه دون أن تكون لديه عزيمة على الترقي في أي جانب من جوانب التزكية للذات وبهذا يصل الإنسان الى تزكية نفسه، مبينا أن تلك هي مفاتيح لأمر التزكية يجب أن نلتفت إليها ونسعى الى تطبيقها في حياتنا فكل منا مسؤول عن نفسه فلابد أن نعتني بها غاية العناية.